لجنة الشباب و الرياضة

صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية

الحلقة الثالثة

الدورة الثانية … باريس 1900

أ. د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة

   استضافت باريس دورة الألعاب الأولمبية الثانية العام 1900، وذلك وفقاً لاتفاق سابق جرى في المؤتمر الأولمبي الأول العام 1894، حين أعطِيَت أثينا حق الاستضافة الأولى وباريس الثانية ، علماً أنه أثناء انعقاد الدورة الأولى في اليونان العام 1896، طلب اليوناني ديميتريوس فيكيلاس رئيس اللجنة الأولمبية وقتذاك أن تنعقد الدورة كل أربعة أعوام في أثينا فقط لكن كوبرتان عارض الفكرة بشدة معتبراً أن أهداف اللقاء الأولمبي تنتفي حين تنعقد فقط في اليونان . أُقيمت الدورة في باريس من ( 14 مايس إلى 18 تشرين الأول ) عام 1900، وتم افتتاح الأولمبباد بالتزامن مع افتتاح المعرض العالمي عام 1900.

لم تشهد الدورة الثانية أي حفل افتتاح أو اختتام ذلك أنها أقيمت كجزء من معرض باريس الدولي الأمر الذي أثر سلباً على الدورة وأفقدها قيمتها فكانت باهتة وطويلة إذ استمرت منذ 14 مايس لغاية 28 تشرين الأول من العام 1900 فلم تثر الاهتمام مما دفع بكوبرتان بالقول إن استمرار الحركة الاولمبية بعد هذه الدورة يكاد يكون معجزة .

كادت هذه الدورة أن تقضي على الفكرة الاولمبية إذ أن لجنتها المنظمة التي كانت تابعة لنظيرتها المشرفة على معرض باريس الدولي الذي امتد أشهراً مستقطباً الملايين لم تستخدم كلمة اولمبية مستعيضة عنها في تقرير اللجنة المنظمة الرسمي بـ ( مسابقات دولية في التمارين البدنية والرياضة ) . أما الصحافة فكانت تائهة بين تسميات متعددة ( الألعاب الدولية ) و ( بطولة باريس ) و ( البطولات الدولية ) و ( غران بري معرض باريس ) وغيرها مما أصاب كوبرتان بالإحباط هو الذي اعتقد أن تزامن الحدثين سيمنح الاولمبياد المزيد من الشعبية إلا أن النتيجة جاءت بجهل العديد ممن شاركوا في هذا الاولمبياد أنهم خاضوا ألعاباً أولمبية حتى ممن فاز منهم .

شارك في هذه البطولة أربع وعشرون دولة مثّلها تسعمائة وسبعة وتسعون رياضياً منهم ست رياضيات  وهذه كانت المرة الأولى التي تشارك فيها النساء . تنافس الرياضيون في ( 19 ) لعبة هي : كرة القدم ، المبارزة ، الغولف ، الدراجات الهوائية ، الفروسية ، الكروكيت ، الكريكيت ، ألعاب القوى ، الرماية ( من ضمنها القوس والسهم ) ، الجمباز ، الغطس ، السباحة ، كرة المضرب ، شد الحبل ، بولو ، كرة الماء ، الإبحار ، التجذيف ، والركبي .

شهدت هذه الدورة إقامة مسابقات لم تتكرر في الدورات اللاحقة لها كسباق السيارات و الدراجات النارية و الكريكت و الغوص ، وهي الدورة الوحيدة التي استخدمت فيها حيوانات حية كأهداف للرماية ، وأدرجت كرة القدم لأول مرة . وعلى الرغم من التنظيم السيء الذي أحاط بدورة الألعاب الأولمبية في باريس، إلا أنها تعتبر الدورة الأولى في التاريخ التي يتم حفظ لحظاتها سينمائياً من خلال الاختراع الجديد وقتها .

المواقف الطريفة و الغريبة في الدورة :

بسبب الضعف التنظيمي في كل شيء لم تشهد الألعاب الأولمبية بباريس توثيقاً للأرقام أو الإحصائيات بشكل مكثف وبقيت نتائج كثيرة مسجلة غير دقيقة أو واضحة سواء من ناحية الأوقات أو المسافات أو الأشخاص الذين حققوها فجاءت أحداثها وغرائبها أكثر من أرقامها ، ومنها :

وقع جدل وارتباك بشأن أسماء وجنسيات بعض الفائزين واستمر هذا الجدل لسنوات بعد الدورة ، فمثلا الكندي جورج أورتون فاز لبلاده بأول ميدالية أولمبية ولكنها سجلت في البداية في رصيد الولايات المتحدة لأنه شارك في الدورة ممثلا لجامعة امريكية كان يدرس بها . والطريف ان اغلب اللاعبين المشاركين لم يكونوا مدركين أنهم يتنافسون في دورة ألعاب أولمبية .

لم تقدم للعديد من الرياضيين الفائزين ميداليات بل كانت جوائزهم عبارة عن كأس أو جائزة تقديرية .                 شارك محترفون في هذه الألعاب خصوصاً في رياضة المبارزة ، ونال ألبرت روبرت الذي فاز بمسابقة سيف المبارزة جائزة مالية قدرها ( 300 ) فرنك .

أجريت سباقات الجري على أرض عشبية غير مستوية لعدم وجود مضمار مجهز للركض . وجرت منافسات السباحة في مياه نهر السين غير النظيفة وليس في مسبح خاص .

نجح فريق هواة من لندن يدعى ( أبتون بارك أف سي ) في الفوز بأول ذهبية لكرة القدم بعد أن هزم الفرنسييين أمام خمسمائة متفرج .

أصبحت ( هيلين دو بورتاليس ) من سويسرا أول امرأة تنافس في الألعاب الأولمبية وأول بطلة أوليمبية  كعضو في الفريق الفائز في أول سباق للإبحار في ( 22 مايس ) . وأصبحت البريطانية ( شارلوت كوبر ) أول بطلة أولمبية في مسابقة فردية بفوزها بمسابقة التنس الفردي للسيدات في ( 11 تموز ) ، كانت التنس والغولف الرياضتان الوحيدتان اللتان تستطيع فيهما النساء المشاركة في المنافسة الفردية .

فاز الأمريكي ( الفين كرانزلاين ) بأربعة ألقاب في ألعاب القوى في سباقات الـحواجز ( 60 متر ، 110 متر ، 220 متر ) والقفز العريض . وقد سمحت التقنية التي استخدمها ( كرانزلاين ) في عدو الحواجز ( مد الساق الحرة أثناء اجتياز الحاجز ) في تحقيقه رقمين عالميين وهي الطريقة المعتمدة لغاية يومنا هذا .

شهد الدور نصف النهائي لمسابقة كرة المضرب مشاركة ثلاثة أبطال سابقين لدورة ويمبلدون بينهم الفائز بذهبية المسابقة في الفردي والزوجي الإنكليزي ( لورنس دويرتي ) الذي يملك في سجله خمس بطولات فردي في ويمبلدون ، والطريف أن اللاعب الإنكليزي بلغ النهائي بعد انسحاب أخيه الأكبر لتفضيله عدم مواجهة شقيقه الصغير .

في منافسات الركبي شاركت ثلاث دول هي فرنسا وألمانيا التي مثلها فريق من فرانكفورت ، وإنكلترا التي تمثلت بفريق موسلي واندررز . وقد نجحت فرنسا في الفوز بالذهب بعد هزمها منافسيها ، في حين أن مباراة تحديد المركزين الثاني والثالث لم تقم فتم منح المركز الثاني للفريقين .

من الشلل إلى القمة : يعتبر ( راي إيوري ) من أبرز رياضيي الألعاب الاولمبية حيث فاز بثماني ذهبيات في دورات ( 1900 و1904 و1908 ) لكنه غير معروف كثيراً كون المسابقات التي فاز بها وهي الوثب الطويل والقفز العالي والوثب الثلاثي من وضع الوقوف ألغيت من البرنامج الأولمبي منذ دورة 1912. والملفت في هذا البطل المولود في ( 14/ تشرين الأول / 1873 ) انه عانى من شلل الأطفال وهو صغير قبل أن يتعافى تدريجياً ويبدأ في التدرب بشكل فردي إلى أن بات احد أبرز الرياضيين الاولمبيين .

الكروكيت : شارك في هذه الرياضة في فئة الرجال متبارون فرنسيون فقط لكن المفارقة أن التذكرة الوحيدة التي بيعت لحضور منافسات هذه اللعبة اشتراها رجل إنكليزي حضر خصيصاً من مدينة نيس إلى باريس لحضور مبارياتها .

اعترض عداؤون من أمريكا على نتيجة سباق الماراثون في الدورة بسبب أن الفرنسي الذي حصل على المركز الثاني قد أخذ طريقاً مختصراً وجاءوا بدليل على كلامهم حيث أن ملابسه لم تكن مغطاة بالطين .

أول تتويج لمتوفيه في التاريخ : من المفارقات الصارخة ما جرى في منافسات الجولف حيث فازت الأمريكية ( مارجريت ) بالذهبية وقد توفيت عام ( 1955 ) من دون أن تعرف أنها أحرزت لقباً أولمبيا ودونتها السجلات لاحقاً كأول بطلة أولمبية أميركية .

التيارات المائية تشارك في الألعاب الأولمبية : كان للتيارات المائية المشهورة فى نهر السين الذي استضاف منافسات السباحة دور كبير في تمكين السباحين من تحقيق أزمنة سريعة جداً قياساً على أوقات ذلك الزمان .

تصدرت فرنسا جدول الميداليات بـ (26 ذهبية و 24 فضية و34 برونزية ) تلتها الولايات المتحدة الأميركية بـ (19ذهبية و 14فضية و 14برونزية) وجاءت بريطانيا ثالثة بـ (15ذهبية و 6فضية و 9برونزية ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى