صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية – الحلقة التاسعة

الدورة التاسعة … امستردام 1928
أ. د إسماعيل خليل إبراهيم
نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة
بعد محاولتين باءتا بالفشل نالت ( أمستردام ) شرف تنظيم الدورة التاسعة عام 1928 بعد أن أعلن فوزها خلال المؤتمر السنوي للجنة الأولمبية الدولية بتاريخ ( 2 حزيران 1921 ) متفوقة على ( لوس أنجلوس ) . كانت أمستردام قد سعت لتنظيم نسختي ( 1920 و1924 ) إلا ان الأولى ذهبت لبلجيكا لدواع معنوية بعد الحرب العالمية الأولى ، والثانية ذهبت لفرنسا نزولا عند طلب ( بيير دي كوبرتان ) إلى أن كللت جهودها بالنجاح بتسميتها لتنظيم الدورة التاسعة . أقيمت الدورة من ( 17 مايس لغاية 12 أب ) رغم رفض الملكة ( فلهلمينا ) التي اعتبرت الدورة الأولمبية تظاهرة وثنية لذا لم تحضر حفل الافتتاح الذي أوقدت فيه الشعلة الأولمبية ( رمز الحياة ) لأول مرة .
الملعب الرئيس لهذه الدورة كان الملعب الأولمبي الذي شيد خصيصاً لها و وضع تصميمه المهندس الهولندي ( يان ويلز ) بسعة أربعين ألف متفرج وضم مضماراً لألعاب القوى بطول ( 400م ) وهي المسافة التي اعتمدت رسمياً فيما بعد ، وشهد الملعب حفلي الافتتاح والختام ومنافسات كرة القدم و ألعاب القوى والدراجات ووضع في داخله لوحة عملاقة دونت عليها النتائج بشكل مقروء من الجميع .
ولأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية تم إيقاد الشعلة الاولمبية في افتتاح الدورة وقد بني لهذه الغاية برجاً خاصاً في الملعب الرئيس وأضاءها أحد العاملين في شركة الكهرباء في أمستردام وظلت مشتعلة طيلة فترة الدورة ، ومن وقتها لم تغب الشعلة عن الألعاب الاولمبية .
عند وصول ملك هولندا للافتتاح ادى ( 1200 ) منشد نشيد هولندا بالمرافقة مع فرقة الموسيقى العسكرية الهولندية وفرقة الموسيقى البحرية. كما أنشدوا أغنية ( العلم يغني ) عند رفع العلم الأولمبي .
رسالة كوبرتان : أبرز ما ميز أولمبياد امستردام غياب ( كوبرتان ) عن الحضور بسبب مرضه فأرسل رسالة إلى المنظمين والرياضيين أثرت وأبكت الجميع مؤكداً انه لن يقدر حتى على حضور دورة 1932 في لوس انجليس وقال فيها : ( يجب أن أكون حكيماً وأستغل الفرصة الحالية كي أقول وداعاً ) . فيما شكل أولمبياد هولندا الدورة الأولى تحت رئاسة البلجيكي ( هنري دي باييه لاتور ) الذي أصبح ثالث شخص يتولى رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية .
تقدمت اليونان الوفود أثناء استعراضها في حفل الافتتاح لأول مرة ومر الهولنديون في الأخير، وساد هذا العرف في الدورات اللاحقة وما زال . وردد الهولندي هنري دنيس كابتن منتخب بلاده في كرة القدم الفائز ببرونزية ألعاب ( انفيرس 1920 ) القسم الرياضي فيما أعلن أمير هولندا ( هندريك )افتتاح الألعاب بحضور الرئيس الجديد للجنة الأولمبية الدولية . شاركت في الأولمبياد ( 46 ) دولة وبلغ عدد اللاعبين ( 3014 ) لاعباً منهم ( 290 ) لاعبة تنافسوا في ( 14 ) لعبة . وشهد الأولمبياد عودة ألمانيا بعد أن غابت في دورتي ( 1920 و 1924 ) . وشهد الأولمبياد مشاركت ثلاث دول للمرة الأولى في الأولمبياد هي ( مالطا وباناما وروديسيا / زيمبابوي حالياً ) .
البرنامج الرياضي: اشتمل برنامج الدورة على( 14 ) لعبة هي : ألعاب الماء وألعاب القوى والملاكمة والدراجات ولفروسية والمبارزة وكرة القدم والجمباز والهوكي والخماسي الحديث والتجذيف والإبحار ورفع الأثقال والمصارعة . عادت رياضة الهوكي على الحشيش للجدول الأولمبي في هذه الألعاب بعد غياب استمر ( 8 أعوام ) فيما غابت رياضات ( الرماية والبولو والركبي وكرة المضرب ) والأخيرة لم تعد إلى الظهور إلا في دورة سيول 1988. وشهدت الدورة السماح للنساء المشاركة في رياضات الجمباز وألعاب القوى في مسافة ( الـ100م والـ800م والبدل 4×100م والوثب الطويل ورمي القرص ) بالرغم من اعتراض كوبرتان على الموضوع خصوصاً ألعاب القوى إذ اعتبر أن مشاركة النساء تشكل عاراً على نقاوة وأساس هذه الرياضة .
نجوم الدورة : في ألعاب القوى واصل أبطال فنلندا سيطرتهم على سباقات المسافات الطويلة فنجح ( بافو نورمي ) في الفوز بذهبية ( الـ10 آلاف متر ) رافعاً رصيده إلى تسع ميداليات ذهبية أولمبية في مشاركاته الأولمبية الثلاث ، وحصد مواطنه ( فيي ريتولا ) ذهبية ( الـ5 آلاف متر ) و ( هاري لارفا ) ذهبية ( الـ1500م ) لكن الفنلنديين خسروا لقب الماراتون واكتفوا بالفضة بعدما نجح العداء الفرنسي ذو الأصول الجزائرية ( أحمد بوغيرا العوفي ) في الفوز بالذهبية الوحيدة لبلده في رياضة أم الألعاب التي شهدت مفاجأة أخرى تمثلت في فوز العداء الكندي ( بيرسي ويليامس ) بسباقي ( المئة والمئتي متر ) .
وفي رياضة السباحة حافظ الأميركي ( جون ويسمولر ) على لقبيه في ( المئة متر حرة والـ4×200م حرة ) رافعاً رصيده من الميداليات الأولمبية إلى ست بينها واحدة في رياضة كرة الماء مع منتخب بلاده وشكلت هذه الألعاب الظهور الأخير له إذ اعتزل السباحة واتجه إلى السينما حيث لعب دور طرزان في الفيلم الشهير واعتبر من أفضل من أدى هذا الدور إطلاقاً .
وحصل العرب على ميدالياتهم الأولمبية الأولى عن طريق مصر في مشاركتها الأولمبية الرابعة بحصولها على ذهبيتين الأولى ( لإبراهيم مصطفى ) في المصارعة الرومانية لوزن خفيف الثقيل ، والثانية ( للسيد نصير ) في رفع الأثقال لوزن خفيف الثقيل وفضية الغطس ( لفريد سميكة ) من السلم الثابت وبرونزية الغطس من السلم المتحرك .
ونجحت قارة آسيا لأول مرة في الفوز بميداليات ذهبية بعد فوز الياباني ( ميكيو أودا ) بمسابقة الوثب الثلاثي ومواطنته ( يوشييوكي تسوروتا ) بذهبية ( الـ200 متراً ) سباحة على الصدر ، وتمكن المنتخب الهندي من الفوز بذهبية الهوكي على الحشيش بعد الفوز على هولندا بثلاثة أهداف دون رد ، ولم يدخل مرمى المنتخب الهندي أي هدف في جميع المباريات .
وتمكن رياضيو الولايات المتحدة من السيطرة على مسابقات الميدان من رمي ووثب إذ نجحوا في الفوز بـ ( 13 ) ميدالية من أصل ( 24 ) من بينها خمس ذهبيات ، بينما تراجعت نتائج الفلنديين عن تلك التي سجلوها في أنفيرس واكتفوا بالمركز الثاني في رمي القرص والثالث في الوثب الطويل فيما نال الأميركيون ذهبيات مسابقات رمي القرص ودفع الكرة الحديدية والوثب العالي والوثب الطويل والوثب بالزانة وذلك بمعزل عن الفضة والبرونز أيضاً . أما لدى السيدات فنالت الولايات المتحدة ذهبية ( المئة متر ) وكندا ذهبيتي ( 4×100م والوثب العالي ) وبولونيا ذهبية ( رمي القرص ) وألمانيا ذهبية ( الـ800م ) .
وسيطرت الولايات المتحدة على السباحة حيث نالت ست ذهبيات مناصفة بين سيداتها ورجالها فيما جاءت هولندا ثانية بذهبية واحدة .
وفي باقي الرياضات تصدرت إيطاليا الملاكمة بثلاث ذهبيات من ثماني أمام الأرجنتين باثنتين ، ونالت كل من ألمانيا والنمسا ذهبيتين في رفع الأثقال أمام فرنسا ومصر ولكل من الأخيرتين ذهبية من أصل ست ذهبيات . ونالت كل من فنلندا والسويد ثلاث ذهبيات في المصارعة مع فارق في الفضة والبرونز وذلك من أصل 13 ذهبية . وفي المبارزة حصلت كل فرنسا وإيطاليا والمجر ذهبيتين فيما ذهبت سابع ذهبية لألمانيا . وتصدرت سويسرا فعالية الجمباز بخمس ذهبيات من ثماني ، ونالت كل من هولندا وألمانيا ذهبيتين في الفروسية من أصل ست وتوزعت ذهبيات التجذيف السبع بين ست دول فكانت الولايات المتحدة الوحيدة التي نالت ذهبيتين وسيطرت الدانمارك على رياضة الدراجات بثلاث ذهبيات من ست فيما حصلت كل من هولندا وإيطاليا وفرنسا على ذهبية واحدة لكل منها ، ونالت أوروغواي ذهبية كرة القدم بفوزها على الأرجنتين ( 2 – 1 ) ، وحلت إيطاليا ثالثة بفوزها على مصر ( 13-3 ) ،وتوجت ألمانيا بذهبية كرة الماء أمام المجر وفرنسا .
إرادة الحديدية : كانت ( إليزابيت روبنسون ) في عمر ( 16 ) عاماً حين اكتشف أحد المدرسين سرعتها المميزة حيث خاضت أول سباق لها قبل أربعة أشهر فقط من أولمبياد أمستردام محققة رقما عالمياً جديداً في ( الـ 100 متر ) . نافست في السباق نفسه في الألعاب الاولمبية فباتت أول امرأة تفوز بالذهب في الألعاب الأولمبية في رياضة ألعاب القوى إلى جانب فوزها بفضية ( الـ4×100م ) .
ترتيب الميداليات
تصدرت الولايات المتحدة جدول الميداليات برصيد (22 ذهبية و18 فضية و16 برونزية ) أمام ألمانيا التي حصلت على (10 ذهبيات و7 فضيات و14 برونزية ) وحلت فنلندا ثالثة بـ (8 ذهبيات و8 فضيات و9 برونزيات ) تلتها السويد بـ (7 ذهبيات و6 فضيات و12 برونزية ) وإيطاليا بـ (7 ذهبيات و5 فضيات و7 برونزيات ) .