الوصية الواجبة في التشريع العراقي
الوصية الواجبة في التشريع العراقي
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
أن الوقوف على حقيقة الوصية الواجبة الشرعية والفقهية لابد من معرفة الوصية ومشروعيتها وأحكامها التكليفية وأهم شروطها وضوابطها وأركانها . وتعريف الوصية لغة هي ( العهد إلى الغير في القيام بأمر من الأمور ) وأن الدليل الشرعي للوصية فمن القران الكريم والسنة النبوية المطهرة وإما قانونا فهي عبارة عن وصية أوجبها القانون لصنف محدد من الأقارب حرموا من الميراث لوجود حاجب لهم وبمقدار معين وشروط تنفذ بحكم القانون سواء أنشاها المورث أم لم ينشئها وهذه الوصية واجبة التنفيذ .
و قد وردت الوصية الواجبة في قوله تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) البقرة (180) وقوله تعالى أيضا ( من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ) ( النساء 11) وقوله تعالى ( من بعد وصية توصون بها أو دين ) (النساء 12) ويرى الفقهاء أن هذين النصين جعلا الميراث حقا موخرا عن تنفيذ الوصية وأداء الدين . وقوله تعالى ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ) (النساء 13) وهناك الكثير من الآيات التي ذكرت فيها الوصية .
وأن كتابة الوصية والعمل بها توجيه وسلوك نبوي كريم من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول ( ما حق أمريء مسلم له شيء يوصي فيه ، يبيت ليلتين ألا ووصيته مكتوبة عنده ) وفي حديث أخر ( من مات على وصيته مات على سبيل وسنة ، ومات على تقي وشهادة ومات مغفورا له ) وفي حديث أخر للرسول المصطفى ( إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم ) وأما في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 فقد عرفت المادة (64 ) الوصية بأنها (تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت مقتضاه التمليك بلا عوض ).
أما المادة ( 65 ) فقد نصت على :
1ـ لا تعتبر الوصية إلا بدليل كتابي موقع من الموصي أو مبصوم بختمه.
2 ـ يجوز أثبات الوصية بالشهادة أذا وجد مانع مادي يحول دون الحصول على دليل كتابي.
في حين نصت المادة ( 66 ) الوصية المنظمة من قبل المحاكم والدوائر المختصة قابلة للتنفيذ أذا لم يعترض عليها من قبل ذوي العلاقة ومن المادة (67 لغاية المادة 85 ) تناولت الشروط الخاصة بالموصي وحدود الوصية ومقدارها وأبطال الوصية وحالات الوفاة وانتهاء الوصية وشروط العزل عن الوصاية وأركانها .
وأشترط القانون مراعاة أحكام المواد من ( 1108 لغاية 1112) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 فقد نصت المادة (1108 ):
1 ـ يكسب الموصي له بطريق الوصية المال الموصي به.
2ـ وتجوز الوصية للوارث وغير الوارث في ثلث التركة ولا تنفذ فيما جاوزت الثلث إلا بإجازة الورثة.
وأما أحكام المادة (1109) فقد نصت على :
1ـ كل تصرف ناقل للملكية يصدر من شخص في مرض الموت مقصود به التبرع أو المحاباة يعتبر كله أو بقدر ما فيه عن محاباة تصرفا مضافا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى لها.
2 ـ ويعتبر في حكم الوصية أبراء المريض في مرض موته مدينه وارثا أو غير وارث وكذلك الكفالة في مرض الموت .
وألزم المشرع التقيد بتطبيق بقية المواد ( 1110 و 1111 و 1112 ) المشار إليه في أعلاه وبإمكان القارئ الرجوع إليها لا أنها نصوص مطولة لا يسعها هذا المقال . كما تضمن قانون الإثبات رقم ( 107 لسنة 1979 ) النافذ إجراءات الإثبات في الفصل الرابع بشان السندات الرسمية والعادية واثبات صحتها والشهادة والقرائن القانونية واليمين والتي تتبع في إثبات الوصية أو نفيها . وأما طرق إثبات الوصية فهي :
1 ـ تكون بالسند العادي أي بطريق الكتابة وتوقع من قبل الموصي أو بصمة الإبهام وليس هناك شكل للوصية أو صيغة معينة لكتابتها.
2ـ بالسند المصدق من قبل المحكمة المختصة الذي له قوة السند الرسمي ويجوز تنفيذه مباشرة في دوائر التنفيذ أذا لم يعترض عليه.
3ـ أثبات الوصية بالشهادة أمام شاهدين أو أكثر .
وان الوصية النافذة تكون في ثلث التركة ولا يجوز بأكثر من ذلك إلا بأجازة بقية الورثة وتعتبر الدولة
( وارث لمن لا وارث له ) (المادة 70 ) .
وفي الميراث يعتبر اختلاف الدين مانعا من موانع الإرث بخلاف الوصية فقد أجاز المشرع في قانون الأحوال الشخصية في نص المادة ( 71 ) تصح الوصية بالمنقول فقط مع اختلاف الدين وتصح به مع اختلاف الجنسية بشرط المقابلة بالمثل وبخلاف ذلك تكون الوصية باطلة وفقا للنص المذكور.
وأن تسجيل الوصية بالنسبة للمسلمين تكون في محكمة الأحوال الشخصية ولغير المسلمين تكون في محكمة المواد الشخصية وليس من اختصاص كاتب العدل تسجيلها . كما لا يحق للمحكمة إن تشترط تحديد الأموال المنقولة وغير المنقولة لأن ذلك متروك إلى الموصي بتعين وصيته بعقار أو منقول معين بالذات . والوصية الواجبة في التشريع العراقي نص عليها في المادة ( 74 ) بأنها ( أذا مات الولد الذكر أم الأنثى قبل وفاة أبيه أو أمه فيعتبر بحكم الحي عند وفاة أحدهما وينتقل استحقاقه من التركة إلى أولاده ذكورا أما إناثا وفقا للإحكام الشرعية باعتبارها وصية واجبة على أن لا تتجاوز ثلث التركة ) ولابد أن نشير هنا إلى انه يجوز الجمع بين الوصية الواجبة والوصية الاختيارية على أن تتقدم الوصية الواجبة وإذا زاد مجموعها على الثلث فتبقى معلقة على أجازة الورثة . وفي المادة ( 72 ) تضمنت أبطال الوصية في الأحوال التالية.
1 ـ برجوع الموصي عما أوصى به ولا يعتبر الرجوع بدليل يعادل قوة ما ثبتت به الوصية أو يفوق عليها. 2 ـ فقدان أهلية الموصي إلى حين موته.
3 ـ بتصرف الموصي بالموصى به تصرفا يزيل اسم الموصى به أو معظم صفاته.
4 ـ بهلاك الموصى به أو استهلاكه من قبل الموصي.
5ـ برد الموصي له الوصية بعد موت الموصي .
وأما إجراءات المحكمة لتسجيل الوصية فهي :
ـ تقرير طبي من جهة رسمية يؤيد إن الموصي يتمتع بكامل قواه العقلية ويقدر القيام بالتصرف المطلوب
ـ تقديم المستندات التي تؤيد ملكية الموصي للأموال التي يريد الوصية بها
ـ حضور شاهدان إلى المحكمة
ـ استيفاء الرسم القانوني للمحكمة .
وقد يتساءل البعض كيفية أثبات الوصية في حالة إنكارها والجواب على ذلك أقامة دعوى منع معارضة أمام نفس المحكمة لتي أصدرت الوصية وبإمكان الموصي أقامتها على المعترض من الورثة أو جميعهم . ونصت المادة (82 ) على انتهاء مهمة الوصي في الأحوال الآتية :
1ـ موت القاصر.
2 ـ بلوغه الثامنة عشر إلا أذا قررت المحكمة استمرار الوصاية عليه.
3ـ عودة الولاية للأب أو الجد بعد زوالها عنه.
4 ـ انتهاء العمل الذي أقيم الوصي المنصوب لمباشرته أو انقضاء المدة التي حدد بها تعين الوصي المؤقت 5 ـ قبول استقالته.
6 ـ زوال أهليته.
7ـ فقده.
8 ـ عزله.
كما نصت المادة (84 ) على حالات عزل الوصي
ـ أذا حكم عليه عن جناية أو جنحة مخلة بالشرف.
ـ أو حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية سنة فأكثر.
ـ وإذا حدث بينه أوبين احد أصوله أو فروعه أو زوجه وبين القاصر نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة القاصر.
ـ أذا رأت المحكمة في أعمال الوصي أو إهماله ما يهدد مصلحة القاصر.
ـ التلاعب في حسابات أموال الوصية.
والملفت للنظر أن قانون الأحوال الشخصية قد عدل أكثر من مرة نتيجة ظهور ثغرات وخلافات بين إطراف العلاقة عند تطبيق النصوص وكثرة الدعاوى المتعلقة بالوصية من حيث الشكل والمضمون وتلبية لمقتضيات العدالة وتحقيق المساواة والإنصاف في توزيع التركة وبالذات فيما يتعلق بأحكام الوصية الواجبة .
ولمن يرغب في معرفة كل ما يتعلق في الوصية الواجبة عليه إن يطلع على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ ( الباب الثامن / الفصل الأول من المادة 64 ـ 85 ) وعلى نصوص المواد التي أشرنا إليها في أعلاه من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 .