لجنة الشباب و الرياضة

صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية – الحلقة العاشرة

الدورة العاشرة … لوس انجلوس 1932

أ. د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة

   لم يجد طلب امريكا استضافة الدورة آذانا صاغية في البداية، فالولايات المتحدة لم تكن بظروف مثالية أو أفضل من غيرها وبورصتها متدهورة لكن المسؤول عن الملف الأميركي ( وليم ماي غارلاند ) استعان بطلب رسمي من عمدة الولاية الأميركية لاستضافة الأولمبياد ، فساهم ذلك الطلب إلى جانب تأثر أعضاء اللجنة الاولمبية الدولية بالحماسة والإلحاح الشديدين لدى ( غارلاند ) في الموافقة على تكليف ( لوس أنجليس ) تنظيم الأولمبياد في المؤتمر الأولمبي السنوي الذي عقد في روما عام 1923.

فور إعلان تكليف ( لوس انجليس ) بدء ( غارلاند ) التحضير للحدث العظيم فتم تشكيل لجنة مدنية كانت النواة فيما بعد للجنة الاولمبية المنظمة ، وجرى الانتهاء من بناء الصرح الاولمبي ( لوس انجليس ميموريال كولوزيوم ) الذي كان العمل به قد بدء العام 1921 ، واعتبر من أضخم الصروح العالمية وقتها بسعة ( مئة ألف ) متفرج وجرى فيه حفلا الافتتاح والختام ومسابقات ألعاب القوى وكرة القدم والسباحة والغطس وكرة الماء والجمباز والمبارزة ، وكان المسبح يتسع لعشرة آلاف متفرج . كما تم بناء أول قرية أولمبية غير مختلطة للرياضيين بكامل التجهيزات حيث نزل فيها الرجال ، فيما نزلت النساء في فندق   ( شابمان بارك اوتيل ) . وكانت القرية تتألف من مئات المباني ومحروسة ليلاً نهاراً وقد أزيلت القرية بعد نهاية الألعاب .

أقيمت الدورة الأولمبية العاشرة في مدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية من ( 30 تموز لغاية 14 أب عام 1932 ) بمشاركة ( 1332 ) رياضيًا من بينهم ( 126 ) رياضية من ( 37 ) دولة ، ويعود سبب تراجع عدد اللاعبين المشاركين في الدورة مقارنة بالدورة السابقة إلى صعوبات عديدة منها اقتصادية ومنها جغرافية تمثلت ببعد لوس أنجليس عن دول أوروبا وسائر القارات والكلفة العالية التي كانت تتطلبها الرحلة إلى أميركا  وعلى الرغم من ذلك بقيت القارات الخمس ممثلة وشهدت الدورة مشاركة دولتين جديدتين هما الصين وكولومبيا .

ولأول مرة يتخلف رئيس البلد المنظم للدورة الأولمبية عن حضور حفل الافتتاح إذ غاب الرئيس الأمريكي ( هربرت هوفر ) لانشغاله بحملته الانتخابية . حضر الدورة رئيس اللجنة الاولمبية البلجيكي ( هنري دي باييه لاتور ) وافتتحها نائب الرئيس الأميركي ( شارل كورتيس ) ، أما قسم الرياضيين فردده لاعب السلاح الاميركي ( جورج شارل ) . وعاشت الدورة على إيقاع هوليوود القريبة وحضرها نجوم الشاشة من أمثال ( غاري كوبر وشارلي شابلن ) .

تضمن منهاج الدورة ( 14 ) لعبة هي : ألعاب الماء ( سباحة ، غطس ، كرة ماء ) ، ألعاب قوى ، الملاكمة ، الدراجات الهوائية ، الفروسية ، السلاح ، الجمباز ، الهوكي على العشب ، التجذيف ، الخماسي الحديث ، الإبحار ، الرماية ، رفع أثقال و المصارعة . لم تشهد المسابقات الرياضية أي رياضة جديدة إنما منافسات جديدة مثل إدراج سباق ( 50 كيلومتراً ) مشياً للرجال ومسابقة ( رمي الرمح ) للسيدات ، علماً أن 6 مسابقات اعتمدت للسيدات في ألعاب القوى هي ( 100م ، 80م حواجز ، 4×100م ، رمي الرمح ، رمي القرص ، الوثب العالي ) ، مقابل 23 مسابقة للرجال .

 

على الرغم من الصعوبات التي واجهتها الدورة ومنها انخفاض عدد المشاركين لارتفاع تكاليف السفر وبعد المسافة إلا أنها تميزت بأمور عدة منها :

– أن الانخفاض في عدد المشاركين قابله ارتفاع في المستوى على جميع الأصعدة فجماهيرياً حضر الافتتاح ما يزيد عن مئة ألف شخص ، وبلغ عدد الذين شاهدوا الألعاب ما يزيد عن المليون شخص ، ومالياً قاربت عائدات الدورة من المليون دولاراً ، وفنياً جرى تحطيم ( 16 ) رقماً قياسياً عالمياً ومعادلة اثنين ، بالإضافة إلى تحطيم ( 37 ) رقما أولمبياً .

– استغرقت الدورة ( 16 ) يوماً فقط ، فيما استغرقت أقصر دورة  قبل ذلك ( 79 ) يوماً . ومنذ ذلك الحين باتت مدة الدورة تتراوح بين ( 15 إلى18 ) يوماً .

– تم اعتماد آلة التوقيت التي تحسب الزمن ( بـ 1/100 ) جزء من الثانية والصورة النهائية في سباقات السرعة وقد استعين بها لتحديد بطل سباق المئة متر في هذه الدورة بعد التباس حول هوية الفائز .

– جرى ولأول مرة تتويج الفائزين على منصة خاصة مع رفع علم بلد الفائز وعزف النشيد الوطني ، كما تم منذ ذلك الوقت تحديد عدد اللاعبين الذين يحق لكل دولة اشراكهم في مسابقة ما بثلاثة فقط .

أبرز نجوم الدورة : برز عدة رياضيين في هذه الدورة مثل الياباني ( كوسيو كيتامورا ) الذي فاز بذهبية ( الـ1500م حرة ) سباحة عن عمر ( 14 عاماً ) ، والأميركية ( بايبي ديدريكسون ) التي تألقت في ألعاب القوى والسويدي ( إيفار يوهانسون ) الذي فاز بذهبيتين في فئتي المصارعة الحرة واليونانية الرومانية .

وفي سباقات السرعة برز الأمريكي ( إيدي تولان )  الذي فاز بذهبيتي ( 100 و 200 متر ) وهو الوحيد الذي حقق لقبين في ألعاب القوى بين الرجال . وفازت السباحة الأميركية ( هيلين ماديسون ) بثلاث ميداليات ذهبية في السباحة الحرة ( مئة متر ، 400م ، والبدل 4×100م ) . ( سباق البدل هو سباق التتابع ) .

واعتبرت ( بايبي ديدريكسون ) من أعظم الرياضيات في التاريخ بعد أن فازت بمسابقات ( رمي الرمح والـ80 متراً حواجز وفضية الوثب العالي ) وكان بمقدورها أن تنافس بأكثر من ثلاث مسابقات إلا أن القانون وقتها لم يكن يسمح بذلك إذ كان باستطاعتها أن تحصد ميداليات في رمي القرص والوثب الطويل وجري البدل .

وأظهرت البريطانية ( جودي غينيس ) روحا رياضية عالية حين أعلمت القضاة أنها لم تلمس منافستها أثناء المباراة النهائية في المبارزة أمام النمسوية ( إلين برايس ) لتفوز الأخيرة بالذهب بعدما كان القضاة أعلنوا نتيجة مغايرة .

في باقي الرياضات نالت كل من الأرجنتين والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا ذهبيتين في الملاكمة مع تفوق للأولى بفارق الفضة ، وتصدرت إيطاليا ذهب الدراجات بحصدها ثلاثة ألقاب من ستة ، واكتسحت الولايات المتحدة ميداليات الغطس بكافة ألوانها الأربعة رجالاً وسيدات . كما تألق لاعبو الدولة المضيفة في الجمباز بحصدهم 16 ميدالية بينها 5 ذهبيات مقابل 4 لإيطاليا . ونالت فرنسا صدارة رفع الأثقال مع ثلاث ذهبيات فيما غاب رباعو الولايات المتحدة كلياً عن الجدول . وانتزعت السويد صدارة المصارعة بـ6 ذهبيات مقابل ثلاث للولايات المتحدة ، وتقاسمت إيطاليا وفرنسا والمجر ذهبيات السلاح الست ، وحافظت الهند على ذهبتيها الأولمبية في الهوكي على العشب أمام اليابان والولايات المتحدة .

فى مسابقه الفروسية حصل ( الياباني تاكيشي نيشي ) على الميداليه الذهب . وحذا رجال اليابان في السباحة حذو الأميركيين في ألعاب القوى حيث دانت لهم السيطرة على 5 سباقات من 6، في حين سيطرت سباحات الولايات المتحدة على فئة السيدات حاصدات أربع ذهبيات في خمس منافسات . واكتسحت الولايات المتحدة ألعاب القوى بـ 16 ذهبية مقابل ثلاثة لفنلندا .

نوادر و طرائف : برونزية كارثية : في مسابقة الهوكي على الحشيش شاركت ثلاث دول فقط بينها أمريكا التي خسرت مباراتيها بنتيجتين كارثيتين ( 1-24 أمام الهند و2-9 امام اليابان ) ، لكنها توجت بالبرونزية.

خطأ تاريخي يهدي الفضية للإنجليز : رغم استخدام الأدوات الحديثة في التحكيم لأول مرة إلا أن الحكام أخطأوا في سباق الـ3 آلاف متر وجاء الخطأ على حساب المتسابقين الذين استمروا في الجري دورة إضافية حول الملعب ، لكن الفنلندي ( فوماري إيزوهولو ) لم يتأثر بهذا الخطأ وفاز بالذهبية بينما تأثر به الأمريكي ( جو ماكلوسي ) الذي خسر الميدالية الفضية بعد أن لحق به الإنجليزي ( توم إيفنسون ) وتخطاه في الدورة الاضافية .

أفلت لقب 400م حرة فقط من بين سباقات السرعة من قبضة السباحين اليابانيين وحفظ من خلاله الاميركيون ماء الوجه بفضل ( بوستر كرابه ) الذي تفوق على الفرنسي ( جان تاريس ) حامل الرقم القياسي العالمي بنحو عشر من الثانية ، ودفع الأخير ثمن تركيزه على الممرات التي ضمت يابانيين ، فغافله كرابه في الممر الأول وفاجأه عند خط النهاية .

ترتيب الميداليات :

تصدرت الولايات المتحدة الأميركية جدول الميداليات في الدورة برصيد (41 ميدالية ذهبية و32 فضية و30 برونزية ) أمام إيطاليا التي نالت (12 ذهبية و12 فضية و12برونزية ) وحصلت فرنسا على (10 ذهبيات و5 فضيات و4 برونزيات ) ثم السويد ونالت (9 ذهبيات و5 فضيات و9برونزيات ) تلتها المجر بـ (6 ذهبيات و4 فضيات وبرونزيات 5) .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى