لجنة الشباب و الرياضة

صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية

صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية

الحلقة الرابعة

الدورة الثالثة … سانت لويس 1904

أ. د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة

   كان المؤتمر الدولي الذي انعقد في باريس عام 1894 قد أقر ضمناً باتفاق غير معلن إسناد التنظيم الثالث للولايات المتحدة الأمريكية وفي هذا السياق جاء قرار المؤتمر الأولمبي الرابع إقامة الأولمبياد في مدينة ( شيكاغو ) في الفترة من ( 10 – 25 / أيلول / 1904 ) إلا أن معضلة برزت لاحقاُ بصراع داخلي بين المدن على الاستضافة إذ أبدت مدن أخرى رغبتها في التنظيم لاسيما سانت لويس التي أجّلت معرضاً عالمياً كان سيقام فيها من عام 1903 إلى السنة التالية لاعتبارات مادية ، وهددت مدينة شيكاغو أنها ستنظم بالتوازي مع الأولمبياد مهرجاناً رياضياً في فترة الأولمبياد ذاتها وأن بإمكان مسؤولي المدينة استقطاب كبار الرياضيين للمشاركة فيه .

اقترحت شيكاغو تأجيل تنظيم الأولمبياد إلى عام 1905 إلا أن البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان المولع بالتنظيم الاحترافي الدقيق أبى إلا بالمضي بالنسخة الثالثة في موعدها فكان الحلّ باللجوء إلى رئيس الولايات المتحدة وقتها ثيودور روزفلت الذي كان مولعاً بالرياضة ليقوم هو بالاختيار فاختار سانت لويس لاسيما وأنها ستكون قبلة العالم بمعرضها الدولي .

قبلت اللجنة الاولمبية الأمر بتصويت داخلي وافق فيه على قرار روزفلت 14 عضواً مقابل صوتين معارضين مع تخوف أعضاءها من أن الألعاب ستكون مصاحبة للمعرض الدولي للمرة الثانية وفي بالهم ما حل بالدورة الماضية من نتائج كارثية ، وجاءت فيما بعد مخاوفهم في محلها إذ استمرت الدورة ( 4 أشهر ونصف )  وجاء افتتاحها باهتاً غير ذي أهمية وسعى المسؤولون وقتها لتنظيم مسابقة واحدة يومياً ولو كتصفيات كي تمتد الأحداث طوال فترة المعرض وتضفي جواً ترفيهياً عليه فضاعت الهوية الأولمبية للدورة مرة أخرى . وكما حل بأولمبياد باريس جاءت النسخة الثالثة جزءاً من معرض لويزيانا الدولي فتكرر الخطأ لتلقى الدورة الجديدة المصير الفرنسي ذاته من الإخفاق لا بل أسوأ منه على الصعد كافة .

انسحب الفشل التنظيمي وبعد المسافة وصعوبة الانتقال عبر الأطلسي على الحضور الأوربي فانخفض من 24 دولة في باريس إلى 12 دولة فغابت بريطانيا و فرنسا رسمياً ، وبطبيعة الحال تدنى عدد الرياضيين إذ لم يشارك سوى ( 651 لاعباً من بينهم 8 لاعبات ) أغلبهم من أمريكا ، وجاءت مشاركة بعض الدول رمزية ونافست في رياضات استعراضية غير مدرجة رسمياً مثل البيسبول وكرة السلة .

اشتمل برنامج الدورة على رياضات ألعاب الماء وتضمنت السباحة والغطس وكرة الماء ، بالإضافة إلى القوس والنشاب وكرة السلة والملاكمة والدراجات والمصارعة والمبارزة وكرة القدم والغولف والجمباز والتجذيف وكرة المضرب ورفع الأثقال و شد الحبل وألعاب القوى .

ظهرت العديد من الرياضات للمرة الأولى في دورة سانت لويس وهي كرة السلة التي كانت استعراضية والملاكمة حيث شارك ملاكمين من الولايات المتحدة الأميركية فقط ، والغطس كجزء من ألعاب الماء ، في حين أدرجت المصارعة الحرة لأول مرة علماً أن المصارعة الرومانية كانت موجودة منذ أول دورة مع اعتماد المنافسات على أساس الأوزان للمرة الأولى بخلاف ما سبق . ( ليس المقصود هنا بالمصارعة الحرة مصارعة المحترفين الاستعراضية التي نشاهدها بل هي المصارعة التي تطبق فيها مسكات المصارعة على الجسم بأكمله عكس المصارعة الرومانية التي تطبق فيها المسكات على الجزء العلوي من الجسم فقط ) .

كما شكلت هذه الدورة الظهور الثاني والأخير أولمبياً لرياضة الغولف ، ورياضة لاكروس التي عادت وظهرت استعراضياً فقط في دورات أخرى . أما كرة القدم فكانت استعراضية إلى أن عادت اللجنة الاولمبية الدولية واعتمدتها لعبة رسمية وزادت ميدالياتها في الترتيب . وشهدت هذه الدورة الظهور الوحيد لرياضة  روك في التاريخ الأولمبي وقد نازل فيها أميركيون فقط .

سيطرت الولايات المتحدة على معظم السباقات وكان هذا طبيعياً قياساً على نسبة المشاركة فاستطاعت مثلاً في ألعاب القوى التي شهدت 25 منافسة بينها 3 مسابقات جديدة أبرزها الديكاتلون والترياتلون أن تحصد ما مجموعه 68 ميدالية من بينها 23 ميدالية ذهبية وأفلتت منها ذهبيتان فقط ، فذهبت ذهبية مسابقة رمي الـ56 باوند وهي مسابقة ظهرت للمرة الأولى إلى الكندي ( إتيان ديمارتو ) كما نالت بريطانيا ذهبية الديكاتلون ( تتكون من عشر فعاليات ) وكانت مسابقاتها مختلفة عن اليوم ، وكانت تشمل دفع الكرة الحديدية والوثب العالي و880 ياردة مشياً ورمي المطرقة والوثب بالزانة و120 ياردة حواجز ورمي وزن الـ56 باوند والوثب الطويل وجري الميل وجري الـ100 ياردة .

وفي ألعاب القوى أيضاً حافظ ( جون فلاناغان ) على ذهبية المطرقة التي أحرزها في دورة باريس وحافظ ( راي أيوري ) على ذهبياته الثلاث في مسابقات الوثب العالي والطويل والثلاثي من وضع الوقوف مسجلاً ( 1.50م و3.47م و 10.55م ) على التوالي علماً أن المسافة كانت تقاس بالقدم وليس بالمتر . كما برز رياضيون أميركيون آخرون استطاع كل منهم الفوز بثلاث ذهبيات هم ( أرشي هان ) في الـ ( 60م و100م و200م ) و ( جايمس دايفس ) الاسكتلندي الأصل و (هاري هيلمان ) .

من أغرب وأطرف الأحداث التي شهدتها ألعاب القوى في الألعاب الاولمبية ما حصل في سباق الماراثون  فعلى الرغم من فوز العداء الأميركي ( فريد لورز ) في السباق والاحتفال به وتصويره من قبل ابنة الرئيس الأميركي ( أليس روزفلت ) وحلول ( توماس هيكس ) ثانياً بفارق 45 دقيقة تم منح الذهبية لهيكس وتجريد لورز من ذهبتيه حيث اتضح فيما بعد أن لورز استقل سيارة أثناء السباق لكن التحقيق أثبت أن لورز لم يكن يريد الغش لكنه تعرض أثناء الجري لشد عضلي جعله عاجزاً عن العدو فما كان منه إلا أن استقل سيارة للوصول إلى نقطة النهاية لكن في الطريق تعطلت السيارة وكان وضع لورز تحسن فقرر وعلى سبيل المزاح استكمال السباق فوصل أولاً بفارق كبير عن الثاني واستقبل استقبال الأبطال . وعند التبليغ من المراقبين على الطرق عما فعله لورز جرد من المركز الأول .

وفي باقي المسابقات سيطرت الولايات المتحدة على رياضة الجمباز بحصولها على ( 12 ) ميدالية ذهبية . وفي السباحة دانت السيطرة لألمانيا التي فاز سباحوها بأربع ذهبيات مقابل ثلاث للولايات المتحدة الامريكية .  أما في الملاكمة فقد جرت منافسات سبع أوزان حسمتها الولايات المتحدة كلها كونها الدولة الوحيدة التي شاركت فيها . وفي كرة القدم أحرزت كندا الذهبية بفوزها على الولايات المتحدة ، وفي كرة المضرب جرت مسابقتان لدى الرجال فقط فازت بهما الولايات المتحدة . وفي المصارعة سيطرت الولايات المتحدة أيضاً على الأوزان السبعة بسبب عدم مشاركة الدول الأخرى فيها ، وفازت الأمريكية ( ماري هوويل ) بثلاث ذهبيات في رمي السهام ، وحصل مواطنها الأمريكي ( هايد )  على خمس ميداليات ذهبية و واحدة فضية ، كما برز الكوبي ( رامون فونست ) أبرز لاعب سيف في المبارزة وما زال اسمه خالدا حتى الآن كأول رياضي من أميركا اللاتينية يحرز ميدالية أولمبية بعد أن حقق ثلاث ذهبيات لكوبا اثنتين في فردي المبارزة وواحدة في الفرق من أصل خمس ميداليات نالتها كوبا في المبارزة . وبعد نهاية مسيرته الرياضية أصبح رئيساً للجنة الأولمبية الكوبية . في لعبة الملاكمة فاز ( أوليفير كيرك ) بذهبيتي وزني الديك والريشة ، و (شارلز ماير ) بذهبية وزن المتوسط وفضية الوزن الثقيل حيث كانت اللوائح حينها تسمح للملاكم المشاركة في أكثر من وزن .

لأول مرة في الأولمبياد جرى توزيع الميداليات الذهبية و الفضية و البرونزية على الثلاثة الأوائل في كل مسابقة . تصدرت الولايات المتحدة جدول الميداليات بحصولها على ( 78 ) ميدالية ذهبية و ( 82 ) فضية و ( 79 ) برونزية وحلت ألمانيا في المركز الثاني بـ (4ذهبيات و4ففضيات و5برونزيات ) وكوبا ثالثة بـ (4ذهبيات و فضيتان و3برونزيات )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى