لجنة الصناعة و الطاقة

مصفى الدورة.. آن للفارس ان يستريح

الاستاذ سعد الله الفتحي

العضو المؤسس في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

لجنة الصناعة والطاقة

(رئيس المؤسسة العامة لتصفية النفط وصناعة الغاز سابقا)

 

ورد في الانباء ان وزارة النفط وبناء على رغبة رئيس مجلس الوزراء ستقوم «بنقل» مصفى الدورة الى منطقة جرف الصخر وكأن القرار قد اتخذ فعلا. كما ورد لاحقا ما يخفف من ذلك من حيث ان الفكرة قيد الدراسة كما اعترض بعض النواب على ذلك من حيث ان الموضوع لم يطرح عليهم ولا على مجلس الوزراء.

ابتداء، دعوني اقول ان هذه الفكرة قديمة جدا وان وزارة النفط لو مضت بتطبيق خطة المصافي الموضوعة منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي لما كان هناك مصفى الدورة اليوم. ومساهمة في النقاش اود ان اقتبس الكثير مما جاء في كتابي «من برج التكرير.. ثانية» الصادر في 2022 حول تاريخ مصفى الدورة وما جاء في 1983 من حيث ضرورة ايجاد البديل له وايقافه عن العمل تدريجيا لنفس الاسباب المطروحة اليوم.

***

المؤسف اننا لا نهتم كثيرا بتاريخ منشآتنا الصناعية منذ كونها فكرة وحتى انتهاء عمرها وما مرت به من احداث وما انجزته من انتاج ومهمات. فحتى انا الذي قضيت ما يقرب من اربعين سنة في وزارة النفط وخاصة في المصافي لا اعلم على وجه التحديد كيف ولماذا بني مصفى الدورة في موقعه الحالي. الا انني قرأت مؤخرا كتابين يشيران الى بعض المعلومات المهمة.

ورد في كتاب – صالح جبر سيرة سياسية – الذي الفه نجدت فتحي صفوة «تعتزم الحكومة تنفيذ مشروع تأسيس مصافي النفط في بيجي بأقرب فرصة ممكنة» وكان ذلك في المنهاج الوزاري لحكومة صالح جبر في 1947. وفي مكان اخر من نفس الكتاب يقول المؤلف ان صالح جبر سعى لتأسيس البنك المركزي وبناء مصافي النفط «وهما مشروعان كانا على الدوام يلقيان معارضة السفارة البريطانية وشركة النفط العراقية». ويبدو ان موضوع انشاء مصفى للنفط كان مطروحا منذ بداية الاربعينات وفي عهد حكومة توفيق السويدي اذ يشير في كتابه «مذكراتي: نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية» ان الحكومة كانت ترغب بإقامة المصفى في بيجي لأسباب فنية وتنموية الا ان تدخل الجيش اصر على ان يكون المصفى في بغداد وهو خطأ قد يعرض العاصمة للقصف بسبب وجود المصفى اضافة الى الانبعاثات من المصفى التي تضر ببيئة العاصمة. كما ان السويدي فاوض البنك الدولي في 1948 للحصول على قرض بخمسة ملايين جنيه استرليني لبناء المصفى الا ان البنك لم يستجب لذلك.

وعلى كل حال فأنني لا اتذكر احدا من ابناء جيلي يفتخر بمنشأة صناعية في العراق كما كنا نفتخر بمصفى الدورة. ذلك الصرح الذي بدء انشاؤه في 1952 ومازال يقاوم عوادي الزمن وحتى المنطق. لقد كان مدرسة متقدمة لمئات من المهندسين والكيميائيين والفيزيائيين والمحاسبين والاداريين وعموم الفنيين والعمال المهرة الذين رفدوا بقية منشآت المصافي وحتى بعض مرافق وزارة النفط الاخرى لابل عددا من منشآت الصناعة بفنيين اما عن طريق التدريب او النقل او حتى الترقية.

وربما يذكر البعض فعاليات تلك الاحتفالات الرائعة في 1980 بمناسبة اليوبيل الفضي بمرور 25 سنة على اشتغال المصفى واهتمام المسؤولين والصحافة بذلك. وتمر السنين ويأتي موعد اليوبيل الذهبي لمصفى الدورة في 2005 بدون حتى ولو ذكر بسيط هنا او هناك. وحزنا كتبت مقالة نشرتها في صحيفة الحياة بالعربية وفي صحيفة (كلف نيوز) بالإنكليزية وقلت فيها:

 

تحية إلى مصفاة تكرير وأهلها

«قبل 50 سنة، وبالتحديد في أيار (مايو) 1955، بدأت مصفاة الدورة في بغداد بالعمل وبطاقة 25 ألف برميل في اليوم. ولم تكن هذه طاقة صغيرة بمقياس المنطقة في تلك الأيام. وكانت هذه المصفاة الأولى التي تملكها حكومة العراق وتشغلها، وأعقد مشروع صناعي فيه في ذلك الوقت حيث لم يكن هناك حتى محطة كهربائية حديثة، ما أدى إلى قيام المصفاة بتوليد الكهرباء ذاتياً.

وقبل ذلك اعتمد العراق بصورة عامة على تجهيز المنتجات النفطية من مصفاة صغيرة (الوند) تقع قرب الحدود مع إيران كانت بنيت في 1924 وكذلك على وحدات تكرير أصغر تعود لشركات النفط إضافة إلى استيراد منتجات أخرى من عبادان حيث كانت فيها أكبر مصفاة في المنطقة في ذلك الوقت.

 

وحدات تشغيل

واليوم تبلغ طاقة التكرير في مصفاة الدورة 110 ألف برميل في اليوم. وعلى مدار السنين حدثت توسعات عدة وأضيفت مجموعة من وحدات التشغيل لتحسين نوعية المنتجات وإنتاج أنواع عدة من الوقود وأكثر من 120 ألف طن في السنة من زيوت التزييت و300 ألف طن في السنة من الإسفلت. وليس هناك أدنى شك في أن أكثر من بليون برميل من النفط الخام قد مرت عبر هذه المصفاة التي ما زالت تشكل جزءاً مهماً من صناعة التكرير في العراق. ومن الصعب التقليل من أهميتها بالنسبة الى الاقتصاد العراقي حتى بعد تشغيل مصفاة البصرة (160 ألف برميل في اليوم) في 1972 أو مصفاة بيجي (310 آلاف برميل في اليوم) في 1982. ومن الطبيعي أن تكون مصفاتا البصرة وبيـــجي أكثر تطوراً، ولكن الدورة بقيـــت مصــدراً للإلهام والمعرفة.

وعندما بدأت المصفاة بالعمل لم يكن في العراق ما يكفي من المهندسين والفنيين المتخصصين واضطرت الحكومة لتوقيع عقد تشغيل مع شركة أميركية قامت بإنهاء العقد بعد ثورة 1958 لأسباب سياسية. وكان العراق زج بما استطاع من العراقيين من أي خلفية علمية ممكنة وبخاصة من المهندسين والكيماويين والفيزيائيين للتدرب والاستعداد لتسلم المصفاة مستقبلاً.

ولاندهاش الكثيرين وخلال فترة قصيرة بعد مغادرة الأميركيين العراق، تمكن العراقيون ليس من تشغيل المصفاة فحسب وإنما قاموا بتشغيل توسعات كبيرة كانت على وشك الاشتغال في 1959. وهكذا أصبحت مصفاة الدورة رمزاً للتحدي الذي سيواجه الصناعة مستقبلاً وازداد من خلال ذلك دعم الحكومة لها. وأصبحت الدورة مدرسة، خصوصاً لعمليات معالجة النفط والغاز. وكان هناك دائماً عدد من المهندسين والفنيين قيد التدريب لمشاريع أخرى. وكانت المصفاة دائماً في المقدمة لمساعدة صناعات أخرى في أعمال الصيانة والفحص الهندسي والخدمات الأخرى. وتحملت بشجاعة تشغيل مصفاة البصرة في 1972 من خلال نقل عناصر حاكمة لإدارة المصفاة الجديدة وتدريب المشغلين وفنيي الصيانة وحدث الشيء ذاته في تشغيل مصفاة بيجي في 1982، ولكن بمساعدة كبيرة من مصفاة البصرة أيضاً هذه المرة.

قد تكون مصفاة بعمر 50 سنة أثرية إن صح التعبير. ولكن الوضع في العراق وكون البلد قد مر بمراحل طويلة من الحرب والحصار وتوقف الاستثمار والاحتلال قد جعل استمرار اشتغال هذه المصفاة ضرورة قصوى. وليس هناك شك في أن الوقت سيحين لاتخاذ القرارات اللازمة لتحديث المصفاة أو لإخراجها تدريجاً من العمل وبخاصة بعد إنشاء مصاف جديدة وتشغيلها. ولأسفي أرى أن المصفاة ستتوقف عن العمل في وقت ما وبخاصة أنها الآن قريبة من وسط بغداد وإحيائها السكنية. وفي أيار (مايو) 1980 احتفلت المصفاة في شكل مبهر بيوبيلها الفضي. واستمرت احتفالاتها على مدار أسبوع بما في ذلك مؤتمر فني لمدة ثلاثة أيام دعيت إليه كل الشركات التي ساهمت في إنشاء مرافق المصفاة وتحديداً ممثلين عن الشركة المقاولة الأولى. واهتمت الصحافة المحلية بهذا الحدث واستطلعت بصورة خاصة مشاعر أولئك المنتسبين الذين عملوا في المصفاة منذ إنشائها في 1952. كان بعضهم فلاحين من المزارع القريبة من المنطقة والذين اشتغلوا أولاً بأعمال بسيطة ثم تحولوا إلى مشغلين أو فنيي صيانة. أما اليوم وبمناسبة اليوبيل الذهبي للمصفاة وفي وقت يكون العراق بأمس الحاجة لها فليس هناك من يحتفل على حد علمي وأن المناسبة ستذهب من دون أن يحس بها أحد.  فمن سوء الحظ أن الوضع العام في العراق وبخاصة تردي الأوضاع الأمنية إضافة إلى الهبوط العام في أحوال الصناعة بعيد الغزو والاحتلال… لا تدعو إلى تذكر هذه المناسبات الجميلة، بل اعتبارها نوعاً من الترف الذي لا يجرؤ أحد على التفكير فيه. وقال لي بعض الأصدقاء «عندما يحترق بيتك فإنك لا تجلس لكتابة الشعر». هؤلاء الأصدقاء على حق، ولذلك فإن هذا العمود تحية إلى مصفاة الدورة والمنتسبين إليها وما دربته وعلمته من قادة الصناعة في العراق والذين خدموا بلدهم ومهنتهم بإخلاص. إنني أتشرف وأفتخر بأنني كنت واحداً منهم».

 

***

اولا دعوني اطلب من الله الرحمة لصالح جبر وتوفيق السويدي ليس لأنني اتفق معهم في كل شيء بل لأنني اكتشفت ولو متأخرا ان وطينتهم قد طمست بفعل معارضتنا الغوغائية التي لم تستند الى ادلة. نعم كانا صديقين للإنكليز بحكم الواقعية، ولكنهما لم يوقعا عرائضا طالبين احتلال العراق كما حدث بعد نصف قرن من زمانهم.

والسؤال هنا.. هل كان مخططو الاربعينات ابعد نظرا في مسألة اختيار موقع المصفى؟ ربما.. وما ذهابنا لإنشاء مصافي بيجي في الثمانينات الا دليلا على ذلك. ولكن دعوني لا اخوض في التكهنات فمصفى الدورة أصبح واقع حال من البدء بإنشائه في 1952. ولكن هل علينا بعد سبعين سنة ان نستمر وكأن هذا الموقع قدرنا؟

في سنة 1983 – وانا رئيسا لمؤسسة المصافي – طلبت من مجموعة من خيرة فنينا – برئاسة دراسة تصور عن مستقبل مصفى الدورة وقد اتفقت المجموعة في تقريرها ان علينا ان لا نجري اية توسعات في المصفى، بل نسعى تدريجيا لإيقاف المصفى خاصة بعد اكتمال مصافي بيجي وما كان يسمى مصفى الوسط في حينه الواقع بين اليوسفية والاسكندرية في جرف الصخر والذي خطط اساسا ليكون بديلا عن الدورة اضافة الى وقوعه بين محطتين حراريتين كبيرتين لتصريف زيت الوقود. وبما ان أحدث منشآت الدورة مصفى الدهون الثالث فقد اتفقت المجموعة ان بالإمكان الاستمرار في تشغيله فترة اطول بنقل المادة المغذية من مصفى الوسط اليه. وبما ان مصفى الوسط سيرتبط بشبكة نقل خطوط الانابيب فبالإمكان تحول عدد كبير من خزانات مصفى الدورة الى مستودع خزن يضاف الى مستودع خطوط الانابيب الملاصق لمصفى الدورة.

كان خطأنا الوحيد اننا لم نضع كامل هذا التصور رسميا امام الوزارة لكي يلتزم به لاحقا حيث كنا واثقين ان كل اجهزة الوزارة متفقة ضمنيا على انهاء تشغيل مصفى الدورة بأقرب فرصة بسبب وقوعه قريبا من وسط بغداد التي ازداد عدد سكانها ربما أكثر من خمسة اضعاف منذ بناء المصفى لغاية 1983 والان ربما عشرة اضعاف لغاية كتابة هذه السطور في 2021.

في سنة 1998 على اغلب الضن اتصل بي موفق خليل ابراهيم – معاون مدير عام المصفى آنذاك – قائلا انه يتذكر جيدا ما اتفقنا عليه في 1983 ولكن ظروف الحصار على العراق قد غيرت كثيرا من المعطيات وان مصفى الوسط لم ينجز وربما لن ينجز في ضل الحصار لذا سألني رأيي في امكانية الاستفادة من مذكرة التفاهم مع الامم المتحدة في ادراج مشروع وحدة تكرير بطاقة 70 الف برميل باليوم لتعوض عن وحدات التكرير القديمة في مصفى الدورة. واتفقت معه على مضض ولم يكن لي اية سلطة على ما يدرج في مشاريع ومشتريات مذكرة التفاهم التي كانت متعثرة على طول بسبب تعنت الامريكان والبريطانيين الذين قالوا بصراحة ان الغرض من مذكرة التفاهم ليس لتحسين الاقتصاد العراقي. كانت عاطفتي اقوى من عقلي في تلك الفترة وربما قلت لنفسي ان الامم المتحدة ربما لن توافق او ربما يمكننا نقل الوحدة الى اماكن اخرى ان وافقت وتحسنت الظروف.

وعلى كل حال فقد كان غزو واحتلال العراق في 2003 ودفاع منتسبي المصفى بقيادة مديرهم العام دثار الخشاب بالسلاح بالضد من اعمال التخريب والاعتداء على ممتلكات المصفى ربما كانت عملية رائعة لم يشهدها اي موقع اخر في العراق. ولمن لا يعرف دثار الخشاب فهو ذاك الوطني العراقي العروبي زميلي وصديقي وقريبي بالمصاهرة منذ 1968 وكلانا مهندسا حديثا في مصفى الدورة ولا ينكر احدا دوره عبر السنين في خدمة المصفى ومشاريعه المختلفة وانه من خيرة المهندسين. ولكنه بقي ملتصقا بمصفى الدورة وحسب وغابت عنه النظرة البعيدة بسبب حبه الشديد لمكان واحد تدرج فيه من مهندس متدرب الى مدير عام وفي حديث لي معه حول هذا الموضوع قال لي «لولا مصفى الدورة لانتهى العراق» وانا لا اعتقد انه كان يبالغ، بل كان مؤمنا بذلك حقا. هذه الحالة قادته للتعاون مع من لم يكن يتصورهم من الامريكان الى الاحزاب الحاكمة كلها دفاعا عن مصفى الدورة ومنتسبيه. كل ذلك ادى الى تعاقده ليس على وحدة تكرير بطاقة 70 ألف برميل باليوم لتعويض الوحدات القديمة وانما على وحدتين دون الالتفات الى وحدات المعالجة من بعدها باستثناء التعاقد على وحدة لتحسين البنزين ما زالت متعثرة الى اليوم. كل ذلك لم يكن ضروريا في ضوء انتهاء الحصار وتوفر موارد كافية للعراق لإنشاء مصافي حديثة متكاملة في مواقع جغرافية منتقاة بعناية بعيدا عن مراكز المدن. الم يكن باستطاعة وزارة النفط وقف هذا الصرف على مصفى قديم أصبح في وسط بغداد مؤذيا لأهلها؟ هل اعتمدت الوزارة ابسط الحلول مستغلة بذلك حماس مصفى الدورة مديرا ومنتسبين دون النظر الى عواقب ذلك؟

ولبعض الاعمال استمرارية فقد تم مؤخرا تشغيل وحدة ازمرة لتحسين نوعية الغازولين (وهذا عمل جيد جدا لا بل متأخرا لسنوات) ولكنها الحقت بوحدة لإنتاج الهيدروجين لا أحد أقنعني بضرورتها. وقبل سنوات سألني أحد الاصدقاء وانا في دبي عن نوعية الحديد الذي يستخدم لصنع خزانات الهيدروجين. وفي معرض اجابتي له قلت اياك ان تبني خران هيدروجين ثابت فهذا من تكنولوجيا الماضي وهو مكلف جدا وغير عملي خاصة لبلد يملك عددا كبيرا من وحدات تحسين الغازولين المنتجة للهيدروجين كناتج عرضي ونصحت بخزن الهيدروجين في حاويات تحمل انابيب للخزن كما عهدناها منذ 1983 في مصفى الشمال في بيجي. ولكن على الاغلب كانت نصيحتي متأخرة او لم يأبه لها أحد.

اقول كل ذلك وانا اطالع في وسائل الاعلام عن طلب مقدم للادعاء العام من قبل المفوضية العليا لحقوق الانسان، في 24/6/2021 للتحقيق في مخالفات بيئية واخرى تتعلق بسلامة العاملين في مصفى الدورة.

 

ونص تقرير الانتهاكات على مخالفة تنظيمية تتعلق بعدم دمج اقسام السلامة والبيئة والصحة، وقلة عدد اجهزة قياس الغازات المنبعثة، وعدم وجود منظومة إنذار مبكر للكشف عن التلوث الغازي اضافة لعدم وجود منظومة إغلاق طوارئ والتي تقوم بإيقاف الوحدة الإنتاجية ذاتيا في حال حدوث ارتفاع في نسب الملوثات المطروحة وافتقار المصفى إلى وجود البنى التحتية الخاصة بتطوير شبكة المتحسسات لمراقبة القيود المسجلة من انبعاث الغازات ومعالجتها.

ويشكو التقرير من كون زيت الوقود المستعمل في افران المصفى غير معالج، الأمر الذي زاد من تأثيره السلبي على الأفران والمراجل وبالتالي زيادة كية الانبعاثات الغازية المطروحة والتي تأثرت ايضا بوجود نضاحات للبخار من الشبكة. عدم كفاية طاقة وحدة معالجة المياه الصناعية خصوصا موسم الأمطار وأثناء إجراء الصيانات الدورية الأمر الذي يضطر العاملين التخلص من الكميات الفائضة دون معالجة. مع حاجة تلك الشبكة ومعداتها الى صيانة جذرية.

ويشير التقرير الى ان قيام المصفى بحرق النفايات الصلبة والمائعة بحفر خارج المصفى يعد مخالفا لقانون حماية وتحسين البيئة مما ادى الى فرض غرامة مالية على مصفى الدورة من قبل وزارة البيئة ولأكثر من مرة. ويشير ايضا الى نقاط اخرى كثيرة تتعلق بقدم بعض المعدات وكثرة صيانتها والى عدم اصدار شهادات الفحص الهندسي للوحدات الإنتاجية وزيادة الحوادث والاصابات الصناعية وعدم اجراء الفحص الدوري للعاملين وغيره كثير.

 

***

لقد نشر وزيرنا الاسبق عصام الجلبي نص المذكرة على صفحته في الفيسبوك والذي يؤلم أكثر من المذكرة تلك التعليقات عليها وهي ليست مؤيدة فحسب، بل مضيفة اليها. وأكثر ما وجدته مؤلما وغريبا ان ادارة المصفى قد وزعت اراضي محرمات المصفى على العاملين وتم بناؤها دورا سكنية وهذا ما لا يمكن تصور حدوثه سابقا لا من ناحيتي الامن والسلامة ولا من ناحية صحة العاملين وعوائلهم.

وبدون الدخول بالتفاصيل او الاتفاق الكامل مع ما جاء في مذكرة الادعاء العام – اقول ان اية معالجات لن تكون كافية ولا شافية بسبب قدم معدات المصفى واجهزته فهو مع الاسف كالمصاب بمرض خطير كل علاجه جزئي ومؤقت. والسؤال الاهم هو هل تجرؤ وزارة الصحة (البيئة سابقا) على الطلب من وزارة النفط والحكومة انشاء المصافي الحديثة وتحديد تاريخ واضح لوقف تشغيل مصفى الدورة والاستفادة منه ومن معداته الصالحة في اماكن اخرى؟

في مراسلات لاحقة مع موفق خليل ابراهيم ودثار الخشاب تبين ان تقرير 1983 كان متفقا عليه من الجميع الا ان ذلك لم يمنع قيام المصفى والمؤسسة بالتوسع بمشاريع تحسين البيئة وخاصة معالجة المياه المطروحة ولاحقا مشروع استعادة غازات الشعلة وتحديث بعض نظم السيطرة.

اما دثار الخشاب فقد كتب لي رسالة طويلة قمة في الروعة سالت لها دموعي وربما ستسيل دموع كل من يقرأها ولا اريد ان أدرجها هنا لأنه وعدني بكتابة كتاب عن مسيرته ومعاناته وخاصة في الدفاع المسلح عن المصفى وبقية المنشآت النفطية في المنطقة ابان الاحتلال وكيف سلم الاسلحة للأمريكان فقط بعد موافقتهم على طلبه بحماية المصفى. ويقول ان الوزارة كان لديها عروض لإنشاء وحدة التكرير في الدورة وان وزير النفط ابراهيم بحر العلوم طلب منه استكمال الاحالة وان الوزير حسين الشهرستاني طلب منه التفاوض على وحدة ثانية للدورة واخرى للبصرة. وبالطبع دثار لم يكن ليعارض ذلك متعللا بتغير الظروف ولاقتناعه ان لا جدية موجودة لإنشاء مصافي كبيرة متطورة وخاصة مصفى الوسط وليته لم يفعل.

اما بخصوص توزيع اراضي محرمات المصفى فيقول انه شعر ان جهات متنفذة كانت تريد الاستحواذ عليها لذلك أسرع بتوزيعها للمنتسبين وان المسألة الصحية والبيئية مبالغ فيها بسبب اتجاه الرياح العام وإنها لا تختلف عن دور المهندسين والعمال المشيدة منذ انشاء المصفى في 1952. واذ يعتقد ان مذكرة الادعاء العام فيها مبالغة الا انه ترك المصفى في 2010 وليس لديه اطلاع على ما حدث لاحقا. طبعا ومع تقديري لدثار الخشاب الا ان ذلك لا يعني انني موافق على تبريراته وننتظر كتابه.

 

***

ومع كل ما ورد اعلاه اقول دعونا نحتفظ بالذكرى الجميلة لمصفى الدورة بدلا من ان يصبح مصدرا للهدر والاذى. واود ان اقول ان توفير البديل عن مصفى الدورة، لن يكون الا مصفى حديثا متكاملا بنفس السعة وربما أكبر. وان ليس هناك ما يسمى «نقل» مصفى الدورة اذ ربما بعد توفير البديل يمكن الاستفادة من بعض الوحدات الانتاجية الحديثة فقط ولو ان ذلك سيكون صعبا ومكلفا وبحاجة الى خبرات شركات متخصصة تساعد منتسبينا. وإذا كانت الفكرة قائمة بإحياء مشروع المصفى في جرف الصخر، اليس ذلك مدعاة لمحاسبة من ألغى المشروع في 2004 او 2005 وأدى قراره الى اهدار ملايين الملايين التي صرفت على الموقع والمنشآت الاساسية والمواد والاجهزة المستوردة قبل الغزو والاحتلال؟

 

منقول من جريدة الزمان بتاريخ 17 تموز 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى