منصب قاضي القضاة
منصب قاضي القضاة
المستشار: سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يعتبر العصر العباسي من العصور الذهبية في الاسلام ومن مخرجات هذا العصر ظهرت ملامح الحاجة الى استحداث منصب قاضي القضاة الذي يتولى الشؤون الدينية والدنيوية واول من استحدثه الخليفة هارون الرشيد بعد ان بذلت الدولة في حينه جهودا كبيرة لفصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية بسبب اتساع الدولة الاسلامية وازدهارها واناطة الامور الادارية للدولة الى شخص غير القاضي ومضت قدما في تعزيز مبدا استقلال القضاء وابعاده عن شؤون الدولة الاخرى وان اول من شغل هذا المنصب هو ابو يوسف يعقوب الانصاري بعد ان تم تقليده في احتفالية كبيرة وتجمع حضره القضاة ورجالات الدولة واعيانها ثم منح ابو يوسف استقلالية واسعة في ادارة شؤون القضاء في الدولة فهو الذي يعين القضاة ويعزلهم حتى منح لقب قاضي الدنيا واصبح له زي خاص يختلف عن رجالات الدولة والعاملين في ديوان الخلافة .
وبعد اتساع الدولة وتعدد اقاليمها اصبح لكل اقليم قاضي قضاة وعلى سبيل المثال في بغداد والقاهرة ودمشق واما في عهد الدولة الفاطمية فقد الزمت الظروف والاحوال ان يكون لكل مذهب من المذاهب الأربعة المعروفة قاضيا ومن الشروط والمواصفات التي يتوجب توافرها والمتفق عليها في من يتقلد هذا المنصب هي سبعة شروط منها الذكورة والبلوغ والذكاء والحرية والاسلام وسلامة السمع والبصر والعلم والمعرفة بالأحكام الشرعية .
كما اضيفت لقاضي القضاة مهام اخرى مثل امارة الحج والخطابة والنظر في الجوامع والتدريس وكذلك محاكمة الوزراء والافراد الذين يهددون الخلافة وتنظيم عقود البيعة والخلع وعقود الخطبة وزواج الخلفاء والامراء والحسبة والفتوى والنظر في المظالم وبيت المال والجهاد وملازمة الخليفة وقد تناط بعضا منها الى احد القضاة وبتكليف من قاضي القضاة الذي خصص له اجرا لقاء عمله واحيانا يرفض الاجر او التكليف لاعتبارات مختلفة اجتماعية او دينيه او مالية فيتعرض للسجن والتعذيب كالأمام ابو حنيفة النعمان او يهرب خارج الامارة التي هو فيها كما فعل ابوقلايه الذي هرب من مصر عندما طلب للقضاء .
ومنهم من يعتذر ويرفض لمبررات مقنعه يعرضها على الخليفة . في حين يتنافس على هذا المنصب اخرون لأنه منصب كبير ورفيع وان اجره مجزي ويؤمن العيش الكريم و يرتفع الاجر حسب الحالة المعاشية صعودا .
وقد يحصل خلاف بين القضاة انفسهم في امور تتعلق بالهدم والوقف واقصد هنا قاضي القضاة مع اخر من منزلته وكذلك مع بقية الفقهاء في بعض المسائل وعلى قاضي القضاة ان يكون دقيقا جدا في طرح آرائه ومواقفه كي لا يغضب عليه الخليفة والا تعرض للعقوبة .
ومن ثم اصبح منصب قاضي القضاة يورث فقد تقلد بعض افراد العائلة الواحدة لهذا المنصب ومن هذه العوائل عائلة الخليفة محمد بن عبد الملك وعائلة الازدي وعائلة النعمان وغيرهم . ثم بدا قاضي القضاة يضعف تدريجيا من حيث السلطة والمكانة مع ضعف الدولة العباسية ولم يحصل تطور حتى في زمن المماليك كما لم يسترجع قاضي القضاة هيبته ومكانته وسلطته التي كان عليها .
وفي اواخر العصر العثماني ادخلت الكثير من النظم القضائية وصيغ الادارة الجديدة للدولة مع استمرار الشريعة الاسلامية وبقائها اساسية في القوانين العثمانية .
ولم يعد لمنصب قاضي القضاة وجود فقد انتقلت مهامه الى المفتي ووزير العدل فأصبحت المهام التي كان يقوم بها قاضي القضاة سابقا من صلاحية واختصاص المفتي او وزير العدل بدلا منه .
اما في الوقت الحاضر فقد ورد في الفصل الثالث/ الفرع الاول في نص المادة 90 من دستور 2005 يتولى مجلس القضاء الاعلى ادارة شؤون الهيئات القضائية وفي نص المادة 91 تضمن صلاحيات هذا المجلس ( ادارة شؤون القضاء والترشيح لمحكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي واقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية ) لذا فان مجلس القضاء الاعلى في العراق هو الذي يتولى شؤون القضاء والقضاة كما هو الحال في اغلب الدول العربية والاسلامية.