عقوبة التحريض والمساعدة على الانتحار

المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي لنخب والكفاءات
يلاحظ أن الجدول الإحصائي لظاهرة الانتحار أو الشروع فيه تصاعد بشكل مخيف بعد أن روجت القنوات الفضائية لعدد من الحالات خلال السنوات الأخيرة وبالذات في عام 2023 وبدايات عام 2024. ثم تكررت حالات الانتحار خلال الأسابيع الماضية. ولا شك أنها حالات تشكل خطورة على أمن وسلامة المجتمع الذي يحرص على حياة أبنائه ويوفر لهم العيش الرغيد والحياة الآمنة والمستقرة.
يعرف الانتحار على أنه التصرف ألعمدي من قبل شخص ما لإنهاء حياته أو يعرف بأنه قتل للنفس عمدا تخلصا من الحياة. كما أن الانتحار ظاهرة تأثرت بعوامل دينية وسياسية واقتصادية أو إلى غير ذلك من الأسباب والدوافع. وان معظم القوانين الجزائية في العالم لم تعاقب على الانتحار ولا على الشروع فيه واكتفى بتجريم المحرض أو من يساعد على الانتحار.
ولنرى كيف تعامل القانون في العراق مع حالات الانتحار أو الشروع فيه وتقديم المساعدة أو التحريض عليه. نصت المادة 408 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 النافذ بالآتي:
1ـ يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات من حرض شخصا أو ساعده بأية وسيلة على الانتحار أذا تم الانتحار بناء على ذلك. وتكون العقوبة الحبس أذا لم يتم الانتحار، ولكن شرع فيه.
2 ـ أذا كان المنتحر لم يتم الثامنة عشرة من عمره أو كان ناقص الإدراك أو الإرادة عد ذلك ظرفا مشددا. ويعاقب الجاني بعقوبة القتل العمد أوالشروع فيه ـ بحسب الأحوال إذا كان المنتحر فاقد الإدراك أو الإرادة.
3 ـ لا عقاب على من شر ع في الانتحار.
ومفهوم هذا النص أن المشرع العراقي لم يعاقب على الانتحار ولا على الشروع فيه ألا أنه عاقب من يحرض أو يساعد على الانتحار شرط أن تتوفر علاقة سببية بين الانتحار أو الشروع فيه أو المساعدة. وتعد هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي تتطلب توافر العلم والإرادة واللافت للنظر أن النص شدد العقوبة في حالتين الأولى في حالة أن المنتحر لم يتم الثامنة عشر من عمره والثانية أن المنتحر فاقد للإرادة والإدراك وفي كلتا الحالتين لا يقدر نتائج أفعاله ولا يملك الإرادة الحرة.
كما يلاحظ أن المشرع قد تجاوز القواعد العامة التي تقضي بان المساهمة في فعل مباح لا يشكل جريمة. ويبدو أن المشرع على قناعة تامة بأن الانتحار يشكل خطورة عالية على سلامة المجتمع وأمنه.
ولتحقق التحريض أو المساعدة المؤدي إلى الانتحار أو الشروع فيه أن تتواجد العلاقة السببية بينهما وكذلك وجود القصد الجنائي (العلم والإرادة) في حين لا عقوبة لمن يشرع في الانتحار لعدم تحقق الفائدة من العقوبة على وفق وجهة نظر المشرع.
أن حالات الانتحار ارتفعت في هذا العام ومنذ بدايته لأسباب كثيرة تقف في المقدمة منها:
1ـ ارتفاع البطالة وتراجع مستويات المعيشة والفساد بشقيه الإداري والمالي.
2 ـ أسباب نفسية ومرضية مختلفة وغياب التوازن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
3 ـ تواضع وسائل الأعلام في تسليط الضوء على حالات الانتحار وبالتحديد.
4 ـ ارتفاع تعاطي المخدرات بين الشباب العاطلين عن العمل والمتاجرة بها على الرغم من الجهد الأستخباري والأمني لمكافحتها وبكل الوسائل والطرق.
5 ـ غياب الحملات الإعلامية الدينية لمكافحة المخدرات المنظمة على مستوى مراحل التدريس الابتدائي وصولا إلى الجامعات.
6 ـ استحداث مصحات طبية نفسية لإيداع من يفشل في الانتحار كأجراء ضروري ومهم للمعالجة الأمر الذي يحد من حالات الانتحار والشروع فيه.
7 ـ يجب ألا يكتفي بالإخبار عن حالات الانتحار، بل لابد من التعمق في التحقيق للوصول إلى الأسباب الدافعة وراء هذه الحالات.
8 ـ العمل على رفع المستوى ألمعاشي للطبقات الفقيرة وتوفير الاحتياجات الضرورية لها وبأسعار متواضعة من قبل الدولة ومؤسساتها الإنتاجية والخدمية.
9ـ نقترح على مجلس النواب والحكومة متابعة تطبيق النصوص الدستورية بعدالة والتي لها علاقة بحقوق وحريات المواطنين ومنها النصوص ( 15و16 و22 و29 و30 الفقرتان 1و2 و31 32 و33 /أولا و34 ) كما أن هناك الكثير من النصوص ذات الصلة بحالات الانتحار لو طبقت بعدالة وأنصاف لتم التقليل من هذه الحالات وبشكل كبير.
وأخيرا من المناسب الاطلاع على مقالنا الذي سبق أن نشر على موقع المنتدى تحت عنوان (مكافحة المخدرات إجراءات الوقاية وطرق العلاج ) لأن تعاطي المخدرات والمتاجرة بها ظاهرة سامة وقاتلة تشكل نسبة عالية من ارتفاع حالات الانتحار بين المراهقين والشباب وغيرهم . ونأمل من الحكومة وأجهزتها التنفيذية والأمنية المعنية بمكافحة تعاطي المخدرات الجدية والمتابعة في تطبيق قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50 لسنة 2017) بطريقة عادلة ونزيهة ومثالية بغية أنجاز الأهداف التي وردت في هذا القانون.