صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية – الحلقة الخامسة عشرة
الدورة السابعة عشرة … روما … 1960
أ. د إسماعيل خليل إبراهيم
نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة
لم تجمع دورة اولمبية سابقة من اللاعبين والدول كما جمعت دورة روما عام 1960 التي أقيمت من ( 25 آب لغاية 11 أيلول ) بمشاركة ( 5338 ) رياضيا بينهم ( 611 ) لاعبة من ( 83 ) بلدا بينها جنوب أفريقيا التي غابت بعدها عن المشاركة في الألعاب الأولمبية بسبب الحظر الذي فرض عليها لاعتمادها سياسة التمييز العنصري ولم تعد إلى الدورات الاولمبية إلا عام 1992 في دورة برشلونة .
وحضر الألمان ضمن بعثة موحدة ، وشارك للمرة الأولى رياضيون من ( المغرب والسودان وتونس والجمهورية العربية المتحدة – سوريا ومصر – وسان مارينو ) وتبارى المشاركون في ( 17 ) لعبة هي ( ألعاب القوى و التجذيف و كرة السلة و الملاكمة و الكانوي كاياك و الدراجات و الفروسية و المبارزة و كرة القدم و الجمباز و رقع الأثقال و الهوكي على العشب و المصارعة و السباحة و الخماسي الحديث و الرماية و اليخوت ) . وعرفت الألعاب نجاحا كبيرا ولا سيما من خلال النقل التلفزيوني المباشر أو المسجل ونقلت وقائع حفل الافتتاح مباشرة إلى ( 20 ) دولة أوروبية ، وتابع مسابقات الدورة مواطنو ( 100 ) دولة بينها اليابان والولايات المتحدة وكندا .
ابرز نجوم الدورة : فازت الاميركية ( ويلما رودولف ) ابنة الـ ( 20 ) عاماً والتي لقبت بـ ( الغزالة السمراء ) بذهبيات ( 100 م و200 م والتتابع 4 × 100 م ) . وتوج الألماني الغربي ( أرمين هاري والإيطالي ليفيو بيروتي ) ببطولة سباقي ( 100 و200 متر ) ، وفاز الألماني ( كارل كوفمان ) في سباق ركض ( 400 م ) وهي المسابقات التي كان الفوز فيها حكراً على العدائين الامريكان . وبرز في المسافات المتوسطة النيوزيلندي ( بيتر سنيل والأسترالي هيرب إيليوت ) وتألق الأثيوبي حافي القدمين ( آبيبي بيكيلا ) الذي فاز بالماراثون وأهدى لأفريقيا لقبها الكبير الأول في ألعاب القوى .
وتعرف الناس على وجه جديد في الملاكمة هو الامريكي ( كاسيوس مارسيليوس كلاي ) الذي اعتنق الاسلام فيما بعد وغير اسمه إلى ( محمد علي كلاي ) ليصبح أسطورة الملاكمة على مدار تأريخها . وهو لفت الأنظار إليه منذ بدء الألعاب إذ كان يختلط بالجميع يحادثهم ويقدم لهم ( دبابيس تذكارية ) ، وفي غرفة تغيير الملابس لا يكف من المزاح والقفز وفق ما كان يعتمده على الحلقة ، وتوج مسيرته بالفوز بالميدالية الذهبية بفوزه في النهائي على البولندي ( زبيغينيو بيترزيكوسكي ) بطل أوروبا ثلاث مرات وثالث دورة ملبورن 1956 بالضربة القاضية .
وفي هذه الدورة حصل العرب على ( فضيتين وبرونزيتين ) إذ إحرز المغربي ( عبد السلام الراضي ) المركز الثاني في سباق الماراتون ، والمصري ( عثمان السيد ) المركز الثاني في المصارعة الرومانية بوزن الذبابة ، ومواطنه ( عبد المنعم الجندي ) المركز الثالث في الملاكمة بوزن الذبابة ، والعراقي ( عبد الواحد عزيز ) المركز الثالث في رفع الأثقال بوزن الخفيف
في السباحة سيطرت استراليا على العديد من سباقاتها حيث حصدت الاسترالية ( دون فرايز ) ذهبية سباق ( 100 م حرة ) ، وفاز ( موري روز ) في سباق ( 400 م ) و ( ديفيد تهايل ) في سباق ( 100 م ظهرا ) ، و ( جون كونراد البالغ من العمر 18 عاماً ) في سباق ( 1500 م ) .
غرائب و طرائف : شهدت نهاية سباق ( 100 م ) سباحة حرة جدلا كبيراً إذ منح حكمان من أصل ثلاثة مكلفين بتحديد صاحب المركز الأول الفوز للاسترالي ( جون ديفيت ) فيما اعتبر الحكم الثالث السباح الاميركي ( لانس لارسن ) فائزا ، وأعلن حكمان من الثلاثة المكلفين بتحديد صاحب المركز الثاني أن ( ديفيت ) حل ثانيا ، وأكد الثالث أن ( لارسن ) هو الوصيف وقرر الحكم الرئيس منح الفوز للسباح الاسترالي علما أن الصورة النهائية أكدت فوز الامريكي ( لارسن ) .
لم يسبق للرياضيين الإيطاليين تحقيق إنجازات مميزة في الدورات السابقة لكنهم تألقوا على أرضهم حيث استطاع ( بيروتي ) تحطيم الرقم العالمي في سباق ركض ( 200 م ) . والنجم الإيطالي الأخر كان الملاكم ( نينو بنفونيتي ) الذي إستقطب الأضواء وفاز بالذهبية بعد أن فاز على خمسة ملاكمين تباعا .
اعتبرت البعثة الفرنسية الكبيرة المؤلفة من (237 رياضياً ) من أبرز الفاشلين في دورة روما حيث لم تحصل إلا على ( فضيتين وثلاث برونزيات ) وهو ما جعل صحيفة ( الفيجارو ) الفرنسية تنشر رسماً كاريكاتورا تهكمياً يظهر الجنرال ( شارل ديجول ) غاضباً موجهاً لومه إلى مسؤولي الرياضة الفرنسيين، قائلاً لهم ( حتى في الرياضة علي أن أشمر عن ساعدي وانزل إلى الميدان ) ، وحل أبرز أبطالهم العداء ( ميشال جازي ) ثانيا في سباق ( 1500 م ) خلف الاسترالي ( هيربرت إليوت ) .
في جدول الميداليات حل الاتحاد السوفييتي في المركز الأول برصيد ( 103 ميدالية منها 43 ذهبية ، فيما حصلت الولايات المتحدة على ( 71 ميدالية منها 34 ذهبية ) ، وحلت ايطاليا ثالثة بحصولها على ( 36 ميدالية منها 13 ذهبية ) .
في هذه الدورة حصل العراق على ميداليته الأولمبية الوحيدة لغاية الأن عن طريق الرباع ( عبد الواحد عزيز ) ، فمن هو ( عبد الواحد عزيز ) ؟ ولد عبد الواحد عزيز في مدينة البصرة عام 1931 وبدأ حياته الرياضية في عام 1950 حيث مارس العاب كرة القدم و كرة السلة و الكرة الطائرة و السباحة قبل أن يستقر على ممارسة رفع الاثقال . في عام 1951 شارك في بطولة العراق لرفع الاثقال لوزن الديك (56) كغم واحتل المرتبة الثانية في البطولة . وفي عام 1953 شارك ( عبد الواحد عزيز ) في دورة الألعاب العربية الأولى في الإسكندرية ونال الميدالية الفضية في وزن الريشة . وفي الدورة العربية الثانية في بيروت عام 1957 فاز ( عبد الواحد عزيز ) بالمركز الأول والميدالية الذهبية في وزن المتوسط.
في عام 1957 أيضا شارك ( عبد الواحد عزيز ) في بطولة آسيا برفع الاثقال التي أقيمت في طهران والمتداخلة مع بطولة العالم ، حيث شارك في فعالية وزن الخفيف (67.5) كغم وتمكن من احتلال المركز الأول بمجموع رفعات بلغ (362.5) كغم ليكون الرباع الوحيد في آسيا والشرق الأوسط الذي يتجاوز حاجز ال (360) كغم ضمن فئة الوزن الخفيف .
شارك ( عبد الواحد عزيز ) في ثلاث بطولات للعالم برفع الاثقال الأولى كانت في طهران عام 1957 وتمكن فيها من احتلال المركز الرابع بمجموعته (362.5) كغم ، اما مشاركته الثانية وهي الابرز فكانت في وارشو عام 1959 ونال بها المركز الثالث وهي أفضل نتيجة لرباع عراقي على مدار التاريخ وجاءت مشاركته الثالثة في فيينا عام 1961 ورفع فيها (377.5) كغم واحتل بها المركز الرابع . كان بإمكان عزيز احتلال المركز الثاني على الاقل في بطولة العالم التي اقيمت في ستوكهولهم عام 1958 وتحقيق أفضل نتيجة رياضية في تاريخ رفع الاثقال العراقية لكن قيام ثورة 14 تموز 1958 والظروف التي مرت بالعراق حالت دون مشاركته في تلك الدورة التي امتازت بارقامها التاهيلية الضعيفة .
شارك ( عبد الواحد عزيز ) في دورة أولمبية واحدة هي دورة روما عام 1960 وحقق فيها الوسام الأولمبي الوحيد للعراق من خلال نيله برونزية وزن الخفيف (67.5) بعد أن بلغ مجموع رفعاته الثلاثة (380) كغم وضعته بالمركز الثالث خلف السنغافوري ( تان هو ليانغ ) الذي بلغ مجموع رفعاته (380) كغم أيضاً لكن زيادة مقدارها (400) غرام في الوزن الشخصي لـ ( عبد الواحد عزيز ) منحت الرباع السنغافوري المركز الثاني و الميدالية الفضية ليحتل ( عبد الواحد عزيز ) المركز الثالث بحسب اللوائح الأولمبية المعتمدة . يُذكر أن أرقام ( عبد الواحد ) التاهيلية قبل أنطلاق الدورة كانت تؤهله لاحتلال المركز الأول أو الثاني إلا أن وعكة صحية المت به قبل المسابقة كانت السبب في عدم نيله أكثر من البرونزية .