تضارب النصوص الجزائية مع تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق
ا. د براء منذر كمال
رئيس اللجنة القانونية / المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
ا.م. د. نورس رشيد طه.
كلية الحقوق / جامعة النهرين.
المقدمة
أثار تعديل قانون الأحوال الشخصية جدلاً حاداً ما بين الطبقات القانونية المثقفة وبعض أفراد المجتمع من النساء الرافضين للتعديل وأعضاء مجلس النواب ورجال الفقه المؤيدين للتعديل. وقبل البدء بعرض المقال لدينا مجموعة من الأسئلة تثار بخصوص التعديل وهي:
- ما الحكمة من تعديل قانون الأحوال الشخصية.؟
- ماهي آليات إلزام جميع الطوائف المختلفة على الأخذ بالتعديل.؟
- كيف سيتم إلزام الطوائف المختلفة من المذهب الواحد على قبول أستفاء الجهة الدينية العليا إن كان يتعارض مع رأي الأمام أو رجل الدين الذي يعتقدون ويؤمنون برأيه.؟ أليس في هذا مساس بحرية الاعتقاد التي نص عليها الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ.؟
- هل إن جميع الطوائف الدينية الإسلامية في المجتمع موافقة على التعديل الذي قد يلزمها على الأخذ برأي أو استفتاء لا تعتقد فيه ، لتعارضه مع الاستفتاء الذي كانت تعتقد فيه قبل التعديل .؟
- هل أخذ المذهبين الجعفري والسني بالتعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية.؟
بحسب ما لاحظناه من منشورات في إحدى قنوات التلكرام أن الوقف السني في الأيام القليلة الماضية قد أصدر قراراً بمنع إجراء عقود الزواج خارج المحكمة.
أما بالنسبة لنا فنرى بأن التعديل الأخير لا داعي ولا ضرورة له لعدة أسباب سنبينها في ثلاث فقرات، كالآتي:
أولاً: أن نصوص قانون الأحوال الشخصية رقم (١٨٨) لسنة ١٩٥٩ (المعدل) تتسم بالشفافية والوضوح، أما نصوص التعديلات، فقد جاءت مطاطة ومرنة، وتحتمل أكثر من معنى وتفسير، مما يؤثر ذلك على مبدأ استقرار وثبات النص القانوني وحجيته.
ثانياً: الجميع من أفراد المجتمع يعلم أن كلاً من المذهبين الجعفري والسني يتضمن مذاهب متفرعة، وإن لكل مذهب من هذه المذاهب آراء مختلفة ومتشعبة علاوة على ذلك أن لكل مذهب طائفة معينة تعتقد فيه وتتبعه، مما يصعب هذا الأمر على الجهات العليا استفتاء الآراء النهائية التي يمكن تطبيقها على مؤيدي المذاهب المختلفة، فقد لا يقتنع مؤيدو المرجع الصدر باستفتاءات المرجع السيستاني، وقد لا يقتنع مؤيدو المذهب الحنبلي والشافعي والحنفي والمالكي باستفتاءات المرجع السني؛ لأنها قد تتعارض مع آرائهم الخاصة، مما يؤثر ذلك على وحدة الاستفتاءات ورصانتها.
ثالثاً: أن التعديل يتعارض مع النصوص العقابية الواردة في قانون الأحوال الشخصية النافذ، لأن التعديل الأخير يبيح للزوج التزوج بزوجة ثانية وثالثة ورابعة بدون إذن القاضي. أما بالنسبة للقانون، فإنه يحضر على الزوج الزواج بثانية بدون إذن القاضي (باستثناء الأرملة ) فلا بد أن يأذن القاضي بالزواج الثاني بعد تأكده من أن للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة، وإن هناك مصلحة مشروعة من الزواج الثاني، وفي حالة عدم تحقق هذه القيود يعد الزوج مجرماً مسؤولاً عن جريمة الزواج بدون إذن القاضي، ويستحق الحبس الذي لا تزيد مدته عن سنة أو الغرامة أو العقوبتين معا فكيف سيتم حل هذا التضارب.
كما أباح التعديل للزوج أن يجري عقده خارج المحكمة، إذ يُجْرَى العقد من السيد أو الشيخ المخول لذلك، إلا أن هذا التعديل يتعارض مع نص المادة العاشرة / ٥ من القانون النافذ التي حضرت على الرجل إجراء عقد الزواج خارج المحكمة وإلا سيتعرض لعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنة أو بالغرامة، زيادة على ذلك لا يجوز للرجل أن يعقد زواجا آخر خارج المحكمة مع قيام الزوجية وإلا ستفرض عليه عقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات. فلم ينتبه القائمون بالتعديل على هذا التضارب، والذي يستوجب التدخل التشريعي لحله حتى يكون موافقا للتعديل الأخير أو أن يُرْفَض التعديل والإبقاء على القانون كما هو، وهذا ما نؤيده ونراه ملائما للواقع الاجتماعي المحيط بنا فضا للاختلافات الفقهية؛ لأن التعديل سيدخلنا في دوامة الاختلاف العقائدي؛ مما يؤدي إلى الفوضى لعدم إمكانية اعتماد رأي المرجع الأعلى وتطبيقه على المراجع الأدنى لأن هذا بدوره سيخلق النزاع والطائفية والاختلاف والرفض ما بين مؤيدي هذا المذهب والمذاهب الأخرى ، وهذا يتعارض مع ما جاء به دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ بما تضمنه نص المادة ١٤، والتي نصت على ( العراقيين متساوين أمام القانون دون تمييز؛ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.)
في آخر المطاف نود القول بأن المقال يعبر عن وجهة نظر قانونية عملية محايدة، ولا يقصد منه تأييد طائفة دون أخرى وإنما يتعلق بإشكاليات تطبيق الأخذ بالتعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية النافذ.
وَآخِرُ دَعْوانا أَنَّ الحَمْدَ لِلّٰهِ رَبُّ العالَمِينَ.