محطات من تأريخ الرياضة الفلسطينية
أ . د إسماعيل خليل إبراهيم
نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
كانت الرياضة وستبقى من بين أبرز الشواهد على تأريخ المجتمعات وحضارتها وقيمها وثقافتها لاسيما وأن الرياضة قرينة الإنسان منذ بداية وجوده على الأرض ، ولا يخرج عن هذا الإطار الشعب الفلسطيني الذي سنعرض بعضاً من أبرز المحطات الرياضية التي أقامها على أرضه فلسطين .
قبل عام 1948 برز الاهتمام بالأنشطة الرياضية في فلسطين حيث ظهرت الأندية وتأسست الاتحادات الرياضية لبعض الألعاب وأنشأت الجمعيات التي تُعنى بشؤون الشباب . وتميّزت الحركة الرياضية الفلسطينية بأنها أُقيمت على أسس وطنية واجتماعية ولعبت دورًا هامًا في دعم الحركة الوطنية وساهمت في بناء صروح للثقافة الفلسطينية التي كان النشاط الرياضي جزءًا هامًا منها من خلال الفعاليات والأنشطة التي كانت تقيمها الأندية الرياضية في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي .
في عام 1908 شكّلت كلية المعارف فريقًا لكرة القدم ، وشهد العام ذاته تأسيس أول فريق مدرسي لكرة القدم في مدرسة المطران سان جورج في القدس والذي تغلّب على فريق الجامعة الأمريكية في بيروت في عقر داره عام 1909، وفي عام 1909 أسس خليل السكاكيني المدرسة الدستورية في القدس وقد نهج أسلوب خاص بالتعليم وهو الخلو من الدرجات ومنع العقاب والتركيز على الموسيقى والرياضة لقناعته بأهمية الرياضة والتمارين البدنية للجسد والعقل وممارستها بشكل يومي ، وعمل على أن تدخل المصارعة والملاكمة واستعمال السلاح في مناهجها في المستقبل .
وفي عام 1910 أقدم عدد من الشباب على تشكيل فريق لكرة القدم يباري فرقًا أجنبية كانت تزور فلسطين في تلك الفترة ، ثم بدأت كرة القدم بالانتشار في فلسطين لا سيما في مدارس القدس ، فقد ورد في صحيفة ” فلسطين ” بتاريخ 13 نيسان/ أبريل عام 1912 خبرٌ حول مباراة في كرة القدم . ويذكر أن أول مباراة بكرة القدم بين فريقين من بلدين في الشرق الأوسط جرت عام 1912 عندما جاء فريق الكلية الإنجيلية في بيروت (عرفت فيما بعد بالجامعة الأمريكية) إلى القدس ليلعب مع مختلف فرق كرة القدم في المدينة المقدسة وهي : السي أم إس ، والشبان المسيحية ، ومدرسة سان جورج ، ومنتخب القدس ، وفي عام 1913 سافر فريق القدس إلى بيروت لمواجهة فريق الكلية فلعب 4 مباريات ، وفي 1914 عاد فريق الكلية لفلسطين لمواجهة فريق القدس .
أُسِسَ أول نادٍ رياضي ثقافي اجتماعي في فلسطين في تشرين الأول 1911 في يافا وأطلق عليه اسم المنتدى الرياضي ، ثم تحول اسمه الى ” النادي الرياضي في يافا ” خلال الثلاثينات ، ونظم النادي أول
سباق للجري يقام في فلسطين . وبعد وعد بلفور شهدت فلسطين زيادةً مطردةً في تأسيس الأندية والجمعيات الخيرية والكشفية والنسائية وبات تأسيسها مطلبًا وطنيًا ملحًّا من أجل الرد على الخطر الصهيوني ووجود الانتداب البريطاني في فلسطين فكان نشاط الأندية في تلك الفترة يأخذ طابعًا وطنيًا اجتماعيًا .
يعتبر تأسيس صحيفة ” فلسطين ” حجرا أساسيا للصحافة الرياضية في فلسطين فبعد ظهورها عام 1911 بدأت تبرز بعض الأخبار الرياضية برغم قصرها وندرتها ومن بينها الخبر الذي أوردته في 13 نيسان 1912 حول مباراة في كرة القدم بين الفرقة الزائرة من لبنان والمدارس في فلسطين .
واستمرت الحياة الرياضية في الازدهار رويداً رويداً، حتى أصبحت فلسطين تعد ضمن خمس دول عربية هي الأكثر اهتماماً بالرياضة .
في منتصف العشرينيات أخذ النشاط الرياضي في النمو وأصبحت الرياضة تشكل جزءًا من الوعي الاجتماعي لدى فئات مختلفة من السكان فظهرت العديد من الأندية التي كان النشاط الرياضي الجزء الأكبر من نشاطاتها (مثل النادي الرياضي الإسلامي في يافا والنادي الرياضي العربي في القدس) . وكان لهذه الأندية دورها التربوي والتعليمي فقد كان لكل نادٍ مكتبةٌ ولجان ثقافية واجتماعية ورياضية وبعضها كان له لجنة سياسية كما أن معظم المثقفين العرب كانوا أعضاء في هذه الأندية كما أنّ اللجان الثقافية التابعة للأندية عملت على تنظيم المحاضرات التي كانت تهاجم الصهيونية وتنبّه لأخطارها . وتشكل عدد كبير من الأندية الفلسطينية خلال عام 1927 ، وخاصة في مدن حيفا والقدس ويافا ونابلس ومدن فلسطينية أخرى ، وتبعاً لذلك تشكل الاتحاد الرياضي الفلسطيني في عام 1944 ، لتنضوي تحت لوائه كافة الألعاب والاندية الرياضية الفلسطينية فيما بعد .
وشهد عام 1934 أبرز نشاط رياضي تمثل في مشاركة المنتخب الوطني الفلسطيني في تصفيات كأس العالم الثانيـة التي نظمتها إيطاليا حيث لعب المنتخب الفلسطيني أمام المنتخب المصري مباراتين في القدس و القاهرة . غير أنه هزم فيهما . وشاركت فلسطين في تصفيات كأس العالم 1938 وعلى ضوء ذلك كان المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم أول منتخب عربي آسيوي يشارك في تصفيات كأس العالم وهي حقيقة تغيب عن بال الكثيرين . وتأسس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عام 1928 في مدينة القدس ، وانضمت فلسطين رسمياً للاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1929، لتكون من أوائل الدول العربية والأسيوية المنظمة للاتحاد الدولي لكرة القدم . وتأسس الاتحاد الفلسطيني لألعاب القوى عام 1932 في القدس .
في آب عام 1932 تأسس نادي الروضة في القدس الذي كان مشمولاً برعاية جلالة الملك غازي ملك العراق .
إن المتتبع لتاريخ الرياضة في فلسطين قبل عام 1948 يلاحظ التطور في ثلاثة أنواع من الرياضة وهي الملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال حيث كانت (هذه الأنواع الثلاثة) تأتي في المرتبة الثانية بعد كرة القدم لأنها كانت تعتمد على المهارات الفردية ، بالإضافة إلى أن هذا النوع كان قد لاقى رواجا في العديد من الدول العربية المجاورة وخاصة في مصر
وأعطت الرياضة المدرسية رصيدا هاما لمجمل التطور الرياضي العربي في فلسطين وساهمت اللقاءات المدرسية في تمتين الترابط العضوي بين أبناء فلسطين وقد ظهر واضحا النمو الرياضي في المدارس من خلال المهرجانات السنوية التي كانت تقام في جميع أنحاء فلسطين والتي بدأت في اوائل العشرينات ، ومن خلال تشكيل معظم المدارس لفرق رياضية خاصة بها في كرة القدم وكرة السلة والتباري مع الفرق المدرسية الأخرى وحتى مع الفرق الرياضية في الأندية المختلفة . كانت اللقاءات المدرسية الودية تجرى ضمن بطولات تنظمها دائرة المعارف للمدارس الحكومية ، أو دائرة الأوقاف للمدارس التي كانت تابعة لها مثل مدرسة النهضة ودار العلوم بيافا ودار الأيتام الاسلامية في القدس والمدرسة العباسية بالرملة ومدرسة الفلاح في غزة .
ستبقى الرياضة شاهداً مضافاً على عروبة فلسطين رغم أنف الصهاينة ومن يدعمهم ، وإن يوم عودتها لعالمها العربي دولة مستقلة موحدة قريب إن شاء الله ، النصر للمجاهدين في غزة وعموم فلسطين والخذلان لأعدائهم ، ( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) ذلك وعد الله الذي لا يخلف وعده .