العمل الطوعي في الهيئات الرياضية حقيقة أم وهم ؟
العمل الطوعي في الهيئات الرياضية حقيقة أم وهم ؟
أ . د إسماعيل خليل إبراهيم
عضو لجنة الرياضة والشباب
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
الطوعي في اللغة : طوعي : يتم بملء الإرادة ، تلقائي ، غير ناتج عن إكراه . وهو تقديم المساعدة والعون والجهد من أجل العمل على تحقيق الخير في المجتمع عموماً ولأفراده خاصة ، وأطلق عليه طوعي لأن الإنسان يقوم به طواعية دون إجبار من الأخرين على فعله ، فهو إرادة داخلية .
إذاً هو عمل يقوم به فرد دون مقابل هدفه تقديم المساعدة والدعم والعون للأخرين أفراد كانوا أم هيئات أم منظمات لتمكينها من تحسين أدائها وتجاوز إخفاقاتها وتحقيق أهدافها ، وهو عمل يقوم به الفرد دون إجبار أو طلب من الأخرين بل يقوم به من تلقاء نفسه بعد أن يجد أنه يمتلك من المؤهلات والخبرات والمعارف والمعلومات والأفكار ما يساعده على المساهمة في تغيير الواقع لما هو أفضل ، وهو بهذا يكون بعيداً عن المصلحة الذاتية أي كان نوعها .
والعمل الطوعي في الرياضة نصت عليه المادة – 12 – من قانون اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية رقم ( 29 ) لسنة ( 2019 ) ( لا يتقاضى رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي المنتخبون أي راتب ومخصصات لقاء أداء واجباتهم ويكون عملهم طوعياً عدا نفقات السفر والإقامة وأية نفقات أخرى عن الأعمال الموكلة لهم ) . ما يهمنا هنا عبارة ( ويكون عملهم طوعياً ) وهذا النص يسري على الهيئات الرياضية كافة من أندية واتحادات ، وبذلك فإن من يتصدى للعمل الطوعي لا يفكر في مال أو وجاهة اجتماعية أو مواقع ، ولا يفكر في احتكار موقعه إلى ما شاء الله لأن هناك دائما الأجدر والأقدر والأكفأ وليس بالضرورة أن من يبدأ عملاً أو يشارك فيه أن يستمر محتكراً له سنوات وسنوات لأنه يخالف بذلك ماهية العمل الطوعي ومنطق الحياة . ودليل النجاح في العمل الطوعي هو التغيير الإيجابي الذي يحدثه المتطوع في أداء الجهة التي تطوع للعمل فيها . عندما نقارن بين هذه المقدمة وما يجري على أرض الواقع الرياضي نجد أنها تتقاطع معه إلى حد كبير وفي مواطن عديدة منها :
1 – إن الكثير ممن يترشحون لعضوية الهيئات الإدارية الرياضية يقولون أنهم فعلوا ذلك استجابة لطلب الجمهور أو لأن مجموعة من الرياضيين طلبوا منهم الترشح وعليه فإن الترشح لم يكن بدافع ذاتي بل بطلب من الأخرين . فالجمهور قد يعتقد أن شخصاً ما مؤهل لهذه المهمة وربما كان اعتقاده في غير محله لكن الشخص ذاته أعرف بإمكاناته وبمدى صلاحيته لهذه المهمة ، وهل يمتلك ما يقدمه لهذ الهيئة للارتقاء بها بعيداً عن الشعارات والوعود ؟ لكن السؤال هو إن كان يمتلك تلك المؤهلات فلماذا لم يتقدم للترشح من تلقاء نفسه ؟ وإن لم يكن يمتلكها فلماذا لم يعتذر عنها ؟ وهنا نكون قد تقاطعنا مع أحد مرتكزات المهمة الطوعية وهو أن يتم العمل الطوعي بملء الإرادة .
2 – عندما نجد أن هناك من يسعى للحصول دون وجه حق على كتاب من اتحاد رياضي يؤيد أنه خبير بهذه اللعبة من أجل ضمان الموافقة على ترشحه للانتخابات وحجز مقعد في الهيئة الإدارية وهو أبعد ما يكون عن تلك اللعبة ولا دراية له بها فهل يدخل هذا في نطاق مفهوم العمل الطوعي أم من أجل تحقيق منفعة شخصية ؟ لا شك في أن عملاً كهذا بعيد تماماً عن العمل الطوعي لأنه يخل بشرط من شروطه فهنا تقدمت المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وباتت هي الأساس بدليل السعي لها بوسائل غير مشروعة ، ثم ألا يجدر بمن يريد تقديم خدمة للرياضة ان يكون صادقاً مع نفسه أولاً ؟ ولماذا لم يحصل من ينتهج هذا الأسلوب على كتاب خبرة من الاتحادات التي تعنى باللعبة التي كانوا يمارسونها ؟
3 – إن كان التوجه للعمل الطوعي نابع من ثقة المرشح بنفسه وبكفاءته وجدارته فهل يحتاج إلى أن يطلب من البعض أن يقسموا له أنهم سينتخبونه أم إن القسم هو من أجل إلزامهم بانتخابه خوفاً من فشله وعجزه عن الفوز لعدم ثقته بمؤهلاته وكفاءته ؟ وهذا تقاطع جديد مع مفهوم العمل الطوعي .
4 – العمل الطوعي عمل مؤقت مهما طال زمنه وعليه فإن الإصرار على التمسك بالموقع والمكانة لسنوات ورفض التخلي عنه ليس من صفات العمل الطوعي بل هو تمسك بالمنصب لغايات ومصالح ومنافع شخصية ، علماً إن البعض يرفض تحديد عدد مرات الترشح بدورتين انتخابيتين فقط ؟ وهنا نكون أمام تقاطع رابع .
5 – إن كان الهدف من العمل الطوعي مساعدة الأخرين على النجاح ألا يفترض بالمتطوع بعد أن ثبت فشله خلال دورة أو دورتين انتخابيتين أن يتنحى من تلقاء نفسه لأن التصرف خلاف ذلك يؤكد أن الهدف من التطوع كان من أجل الوجاهة والمكانة الاجتماعية ليس إلا ؟ وهذا تقاطع جديد .
6 – هل يجوز لمن يعمل متطوعاً أن تتعدد مناصبه ومواقعه وأن يتواجد في أكثر من هيئة رياضية واحدة في وقت واحد ، أي أن يكون عضو هيئة إدارية لنادي و اتحاد و مكتب تنفيذي في اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية ؟ كيف سيوفق هذا العضو بين هذه المواقع ولكل منها خصوصيته ؟ ألا يقود هذا إلى تضارب المصالح ؟ أليس في هذا احتكار غير مبرر لمواقع و حرمان الأخرين من التواجد فيها وربما كانوا أكثر جدارة منه لإشغالها ؟ إذاً الهدف أصبح شخصي بحت ولا علاقة له بالعمل الطوعي علماً أن هناك من يرفض تضمين القوانين الرياضية مادة تَحول دون الجمع بين موقعين . وفي هذا تقاطع أخر .
7 – هل من صفات العمل الطوعي التناحر بين المرشحين وكيل الاتهامات لبعضهم البعض ؟ لا شك أن هذا أبعد ما يكون عن غايات العمل الطوعي وأهدافه وسلوكياته . وهذا تقاطع جديد .
خلاصة الأمر إن العمل الطوعي في الهيئات الرياضية العراقية موجود في القوانين فقط ولا تطبيق له على أرض الواقع وفي ما ذكرناه دليل على ذلك ، ترى متى سنشاهد في هيئاتنا الرياضية متطوعون حقيقيون ؟
أخيراً نقول ألا يفترض بالاتحادات الرياضية التي تمنح كتب الخبرة من خلال العلاقات والمصالح الشخصية المتبادلة ، ألا يفترض بها أن تدرك أنها تسيء لنفسها وللرياضة العراقية ؟ ألا يشعر بالحرج من نفسه ومن الأخرين من يحصل على كتاب خبرة من اتحاد وهو يجهل كل شيء عن اللعبة المسؤول عنها ذلك الاتحاد ؟ ألا يفترض أن يرفق بكتاب الخبرة السيرة الذاتية لهذا الخبير في مجال اللعبة أم إن الأمر مجرد كتاب لا غير ؟ ألا يشعر أعضاء الهيئات العامة بالحرج وهم ينتخبون من يدعي لنفسه شيئاً لا يمتلكه ؟ ألا يفترض باللجان المشرفة على الانتخابات أن تدقق في ما يقدمه المرشحون من وثائق و مستندات ؟ ألا يفترض أن تتضمن القوانين الرياضية نصاً يحول دون هذا الأمر ؟ أسئلة عديدة لا ندري إن كان هناك من سيجيب عنها أم إنها ستبقى دون إجابات .