ماذا بعد فوز اردوغان في الانتخابات التركية ؟
ماذا بعد فوز اردوغان في الانتخابات التركية ؟
الدكتور هاني الحديثي
عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
الفوز الصعب للسيد اردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات التركية يثير العديد من الاسئلة حول تداعيات ذلك على السلوك السياسي التركي اتجاه عديد من القضايا داخليا واقليميا ودوليا
داخليا ؛ اكد الاغلبية من ابناء الشعوب التركية تمسكها بقيادة اردوغان وحزبه لفترة الخمس سنوات المقبلة ،ورفضها للنهج القومي العنصري لحزب الشعب التركي والقوى المؤتلفة معه والذي ،رفع شعار طرد اللاجئين العرب وخاصة السوريين الذين يقارب عددهم خمسة ملايين عربي يقيمون في تركيا ويعملون ايد عاملة نشطة في جميع قطاعات العمل التركي.
ويأمل الشعب التركي بإيجاد حلول ناجحة لمعالجة انخفاض سعر الليرة التركية والنهوض بالاقتصاد الوطني ومعالجة تداعيات الزلازل التي عصفت بتركيا .
ان الطيب اردوغان عليه مهمة حسم التعامل مع حزب العمال الكوردي ال BKK المصنف في قائمة الارهاب ‘ بذات الوقت الذي تنتظره مهمة وطنية تعالج المشكلة الكوردية بشكل شامل وفق تطوير اسس المواطنة والاقرار بالحقوق القومية والثقافية بما يحقق لبلده الاستقرار بعيدا عن اجراءات العنف المسلح الذي تم توظيفه دوليا و إقليميا لزعزعة استقرار وتطور تركيا دون ان يحقق نتائج ايجابية للنظام السياسي .
من جانب اخر ، فان الفترة المقبلة ستشهد فعلا تركيا اتجاه المضائق والممرات البحرية في بحر البلطيق والبسفور ضمن مساعي اردوغان لاستعادة سيادة تركيا عليها بعد انقضاء مئة عام على معاهدة لوزان التي كبلت حرية تركيا في التصرف السيادي وهو الامر الذي يتيح لاردوغان حرية التصرف في استثمار مناطق الغاز والنفط وفرض السيادة التركية في هذه المنطقة عبر وسائل التحكيم الدولي او غيرها من الوسائل ، فضلا عن شواطىء البحر المتوسط .
وعلى ذات الصعيد الاقليمي فان أمام السيد اردوغان مهمات صعبة عليه تفكيكها ، منها التدخلات التركية شمال سوريا والعراق تحت اطار مجابهة العمليات العسكرية مع حزب ال BKK الكوردي والتي ادت الى تواجد عسكري ونفوذ امني لتركيا في اراضي البلدين والتي تهدد الامن وألاستقرار في عموم المناطق المتاخمة للحدود التركية ذات التداخلات الأثنية والتي تؤرق العقل السياسي التركي .
ان توجه تركيا منذ فترة قصيرة لتطوير العلاقات التركية مع بلدان الخليج العربي ومنها السعودية فضلا عن مصر انما يمهد في المرحلة القادمة لتنمية وتطوير هذه العلاقات مترافقا مع مساعي ايجاد نوافذ لإعادة النظر في الموقف التركي شمال سوريا وهو الامر الذي تسعى روسيا الاتحادية عبره لتطبيع العلاقات التركية-السورية ،ولعل في مقدمة ما ينبغي العمل عليه هو بالنسبة للعراق الانفتاح على انجاز مشروع القناة الجافة بدءا من ميناء الفاو الكبير الى اوروبا لاعتبارات جيواستراتيجية تحقق التعاون الاقتصادي والاستراتيجي الذي يخدم البلدين فضلا عن بلدان الخليج العربي تحقيقا لتنمية واسعة تؤسس للاستقرار السياسي والامني والتكامل الاقليمي في معالجة قضايا الاقتصاد والامن المشتركة .بيد ان ما تقدم يطرح ضمن الاولويات في سياسة تركيا اتجاه بلدان الحزام العربي المحيط بها موضوع المياه الخطير الذي تمسك به تركيا اثر تحكمها عبر السدود الضخمة على السلامة الاقتصادية والغذائية لبلدان المصب لمياه نهري دجلة والفرات حيث سوريا والعراق .
بيد ان تركيا من الجهة الاخرى ستشهد تطورا في برنامجها الاقليمي نحو بلدان وسط اسيا الاسلامية بعد ان شهد عام 2021 تأسيس منظومة الدول الناطقة باللغة التركية ومقرها اسطنبول ،وهو مشروع استراتيجي وضعت لبناته الاولى من قبل اردوغان وباتجاه تحقيق تكامل وظيفي على غرار المنظومة الاوروبية .
ان ما تقدم ينطلق من واقع ان الاقتصاد والتعاون بين الدول على اساس المنافع المتبادلة وفق منهج وظيفي كفيل بتحقيق التنمية المستدامة بدلا من الاطماع الخارجية والتدخل بالشؤون الداخلية للدول ‘ وتوظيف عناصر القلق من منظمات وتشكيلات مسلحة لفرض الامن بالقوة وهو اسلوب تأكد فشله في تحقيق الامن والاستقرار ،بل انه اسلوب ادى الى استنزاف الموارد القومية وتعريض الشعوب لمخاطر الصراعات والحروب .
وعلى الصعيد الدولي فان اردوغان انتهج سياسة الحياد اتجاه الصراع في اوكرانيا الامر الذي مكنها من لعب دور الوسيط بعد ان رفض اردوغان ان تكون بلاده اداة طيعة بيد الولايات المتحدة كما حصل لبقية بلدان الناتو رغم عضوية تركيا في الناتو.
أن ما تقدم يجعل تركيا مهيأة لتطوير علاقاتها مع الصين ضمن مشروع الصين الاستراتيجي (الحزام والطريق) والذي يمر عبر تركيا من طرفيه البري والبحري نحو العالم ، سواء عبر القناة الجافة التي تمر بالعراق بعد مرورها بموانئ البلدان في جنوب اسيا والخليج العربي ،او عبر طريق الحرير عبر بلدان أوروآسيا .
الموقف هذا انطلق من موقع تركيا الجيوسياسي وعلاقات بلاده متعددة الجوانب مع روسيا والصين وطموحها انف الذكر في اسيا الوسطى بموازاة حرصها على الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الغرب عموما .
ولأجله فان المتوقع والمرغوب من تركيا ان تعزز دورها باتجاه لعب دور فاعل في التوازن بين الشرق والغرب ومعارضة التوجهات الامريكية في اضفاء صفة التبعية على تركيا وهو المنهج الذي ركزت عليه ادارة جوبايدن عبر دعمها لحزب الشعب وحلفائه في الانتخابات بالضد من اردوغان
تأسيسا على ما تقدم فان اردوغان قد يذهب الى خطوات اخرى باتجاه التخلص من الارث الاتاتوركي وتعزيز شخصية تركيا كدولة اقليمية كبرى تتصرف داخليا واقليميا ودوليا وفق مصالحها واولوياتها القومية .