مؤشرات اولية في مستقبل مابعد حرب غزة
ا.د هاني الحديثي
عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
أستاذ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف الفكري والسياسي مع حركة حماس وطبيعة علاقاتها الاقليمية وخاصة مع ايران ذات الرؤية الاستراتيجية على حساب مصالح الامة العربية واحتراما لقوله جل جلاله (وفضل الله المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجة ….وفضل الله المجاهدين على ألقاعدين أجرا عظيما ) سورة النساء ((95))، ومع الاخذ بنظر الاعتبار الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية أمام الاندفاع الاسرائيلي المقترن بارتكاب جرائم ابادة جماعية يندر مثيلها في حروب الابادات الجماعية عالميا ، فان حرب غزة افردت مجموعة احتمالات تلك التي صارت اكثر وضوحا وملامسة للواقع وامكانية الاستناد عليها في استشراف المستقبل .
من ابرز تلك الاحتمالات الملامسة للواقع محليا واقليميا ودوليا الاتي :
1- ان هذه الحرب هي الاطول زمنيا والاكثر شراسة والاقوى عربيا في المواجهة مع اسرائيل منذ قرار التقسيم 181 لعام 1947/1948.
بل انها الحرب الوحيدة التي استطاعت فيها قوة عربية رغم محدودية جغرافيا الحرب ،وغياب تام لتناسب القدرات التكنولوجية المستخدمة لدى الطرفين ،أن توجه ضربات موجعة ومفاجئة وبتكتيكات حرب العصابات التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية منفردة ،استطاعت بها ولأول مرة ان تكسر ثقة المجتمع الاسرائيلي بقدرات قواه المسلحة التي كانت توصف بانها التي لا تقهر ، بذات الوقت الذي كسرت فيه معنويات وثقة القوات الاسرائيلية بنفسها وثقة العالم بها بدليل الأساطيل البحرية للناتو التي تقاطرت حول فلسطين والوطن العربي .
والاهم من ذلك فقدان الثقة داخليا بالقدرة على تحقيق الاستقرار وضمان المستقبل الآمن للاجيال المقبلة داخل اسرائيل ،وهو الامر الذي عبر عن نفسه باتساع الهجرة المعاكسة من اسرائيل وفق مانشر من ارقام مؤكدة ،فضلا عن النزوح العكسي للمستوطنين الاسرائيليين من مستوطناتهم شمال وجنوب فلسطين وهو بتصوري المؤشر الاخطر على مستقبل اسرائيل بعد ان فقد الاسرائيليين ثقتهم بإمكانيات الرصد والتصدي المتطور للحدود مع محيط فلسطين .
2- عودة القضية الفلسطينية الى الصدارة بين الازمات المهددة للسلم والأمن الدوليين ،وهو الامر الذي يوجب اعادة النظر في مساعي الغرب لتجاهلها ، بل ان ايجاد حل مقبول للجميع، يحقق مصالح للسلم والامن الدوليين وللاقتصاد العالمي بحكم متغير الموقع الجيواستراتيجي للحرب وتأثيره على أمن الطاقة عالميا .
3- انكشاف خطير لضعف وتبعية النظام الرسمي العربي وفشله في معالجة اخطر قضايا العالم العربي على الاطلاق ، وذلك ناتج عن انكشاف التواطىء الرسمي العربي مع الارادات الامريكي-الغربية لصالح اسرائيل على حساب مصالح الامة العربية العليا .
لقد بدا ذلك واضحا في السياسة والمواقف المخزية للأنظمة العربية بعد ان تشدقت طويلا بشعار مركزية القضية الفلسطينية وقدسية الاقداس فيها لدى العرب والمسلمين مقابل مواقف مشرفة ظهرت لدى الراي العام العالمي وقوى مهمة فيه ، وتحول اتجاهاته في بلدان الغرب وفي عقر الدول المؤيدة والداعمة لإسرائيل لصالح القضية الفلسطينية.
4- فك خطوط الاشتباك بين مطلب استعادة الحقوق العربية الفلسطينية من دولة الاحتلال ومزاعم اقليمية بمناصرة القضية الفلسطينية والتي ظلت أيران وفصائلها المنتشرة في بلاد المشرق العربي تتبجح بها ليتضح كذب تلك المزاعم التي استخدمتها بقصد تحقيق مقاصد ايرانية بحتة كورقة ضغط اتجاه القوى المهيمنة على قرار فرض الحصار الاقتصادي عليها.
في ضوء ذلك فان سيناريوهات الحرب ماتزال تتمركز في تداعياتها وابرزها تطور احتمال انتشار قوى الرفض والعنف الداخلي ضد الانظمة العربية التي فضلت مسايرة الولايات المتحدة واسرائيل على حساب ارادات شعوب العالم العربي ،وهي تبدو امرا طبيعيا اتجاه مواقف المهادنة على حساب المصالح العليا لشعوب الوطن العربي .
يتصل بذلك اعادة النظر في الموقف من رموز السلطة الفلسطينية الذين صاروا محل استنكار فلسطيني وعربي اثر تحولهم الى مجرد هياكل كارتونية لا تجيد سوى خطابات التوسل المهينة والمترافقة مع توسع الثراء المالي لها وعوائلها في وقت يتضور المواطن جوعا ويموت عطشا للخدمات الصحية عدا فقدان مقومات الشعور بالأمن الشخصي .
لأجل ذلك فان الواقع الموصوف اعلاه سوف يستدعي توظيف الحدث دوليا عبر توسع التدخل الدولي في منطقة الشرق الاوسط لإيجاد حل مقبول للقضية الفلسطينية تجتمع عنده القوى القائدة للنظام الدولي سيؤدي لاحقا الى اعادة تقسيم النفوذ الدولي والاقليمي في الساحة العربية -الشرق اوسطية لن يكون فيه للنظام الرسمي العربي دورا خارج نطاق الامتثال للإرادات الدولية ،وهنا سيتم رسم معالم جديدة للشرق الاوسط تلعب فيه قوى اقليمية مثل ايران وتركيا في محيط الوطن العربي المباشر، وقوى خلف حدودية كالهند بالتنسيق مع اسرائيل وبلدان عربية خليجية ادوارا فاعلة الى جانب القوى الدولية المتمثلة بالولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا كلا حسب مسارات الدعم للقوى الاقليمية المذكورة.
بعبارة أخرى فان الهيمنة الامريكية على النظام الدولي بدأت عمليا بالتدحرج نحو نظام دولي متعدد في مراكز الاستقطاب أثر الفشل في تحقيق نتائج حاسمة في أوكرانيا ليتبعه الفشل في فرض الهيمنة الامريكية لوحده على منطقة الشرق الاوسط .
اجتماع الكبار يوم 16.11.2023 م في سان فرانسيسكو بحضور الرئيس الامريكي جو بايدن والزعيم الصيني شي جين بنغ الخطوة الاولى لوضع النقاط على الحروف .
هنا سيتم تحييد نهائي ولأمد طويل اي دور عربي فاعل في المنطقة مالم تؤدي عناوين الغضب الشعبي العربي دورها في تحقيق عملية التغيير لهذه الانظمة الفاشلة والمتسلطة المستسلمة لإرادات دولية داعمة للكيان الاسرائيلي .