تداعيات وتساؤلات أتجاه حرب طوفان الاقصى
ا.د هاني الحديثي
عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
أستاذ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
عضو وحدة العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية – المعهد العالمي للتجديد العربي
لابد من مقدمة اقول فيها ؛ إن عملية طوفان الاقصى (وهي غير معزولة بالطبع عما سبقها في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي) يوم السابع من اكتوبر أثارت لدي العديد من التساؤلات والقلق المشروع والناتج عن احتمالات طرحت اعلاميا في توريط ايران للمقاومة الوطنية الفلسطينية (حماس ) بفعل سوف تستخدمه لاحقا لصالح توسيع نفوذها وتمددها في العالم العربي ، وذلك انطلاقا من (قناعات ) مسبقة مؤداها ان الدور الايراني لا يختلف في الجوهر عن الدور الاسرائيلي من حيث مخططهما بعيد المدى لتقاسم النفوذ على العالم العربي تحت اعتبارات استراتيجية معروفة.
رغم كل التضحيات الكبرى والدمار الهائل الذي يتعرض له قطاع غزة ضمن منهج اسرائيل في ارتكاب جرائم ابادة جماعية بدءا من مذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا ، والمقاومة الباسلة التي ابدتها المقاومة الفلسطينية المسلحة للعدوان الاسرائيلي وما ترتب عليه من تعاطف دولي واسع ، وتصدر الحق الفلسطيني على الاجندات الدولية ، إلا ان فئات من الرأي الأخر وخاصة أقلام وسائل الاعلام المرتبطة بسياسات انظمة التطبيع مع إسرائيل ،واخرى ممن تزعم الواقعية بمعنى الاستسلام لما هو واقع والقبول به ، ماتزال تثير العديد من الاستفهامات حول هذه الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات ، والتي تتسائل عن جدوى التعامل بين فصائل من المقاومة الفلسطينية في حربها المشروعة وطنيا وعقائديا ، مع النظام الايراني واذرعه في المنطقة العربية، وتصل حد التشكيك بالمقاصد الحقيقية ، وتوظيف ايران للأحداث لصالح استراتيجيتها بعيدة المدى في الوطن العربي ، وذلك نتج عن طبيعة الدمار الذي تحقق في جميع البلدان العربية التي اخضعت للنفوذ الايراني مما يحضر في العقل العربي بمجرد ذكر أيران .
هنا نجد من المنطقي ان نتساءل :
هل اخطأت حماس فعلا أو أنها خدعت في اعتمادها على الدعم الايراني؟ أم انها ضاقت عندها الخيارات ؟ وهل ستذهب ايران الى مزيد من توظيف الحرب ونتائجها لصالح مد نفوذها في عموم العالم العربي دون أن تورط نفسها فعلا فيها ، مكتفية عبر اذرعها في المنطقة بمناوشات هامشية ، لتغطي على ما أوردته اعلاميا من كونها في حالة حرب مع اسرائيل ؟
هنا نستذكر الدور الايراني في احتلال العراق وتداعيات الاحتلال الامريكي لصالحها، وهو ماتم الاقرار به من كبار القادة في الادارات الامريكية ومنهم الرئيس السابق ترامب .
وهل ستكون النتائج النهائية لصالح تقاسم النفوذ بين ايران و إسرائيل على عموم بلاد العالم العربي ؟
أسئلة صعبة وخطيرة ومحرجة للكاتب والباحث في الشأن السياسي من حيث حسم الامر لصالح هذه الاحتمالات ، ولكن من باب الرؤية الموضوعية التي يفرزها الواقع نرى :
-أن النقد الموجه للتعامل مع ايران مردود على من يوجه النقد بغض النظر عن حقيقة المقاصد الايرانية ، ذلك ان التعاون او الاعتماد على الدعم الايراني أتى في ظل واقع التخلي ألرسمي ألعربي المريب ألمدان عربيا ودوليا أتجاه قضية فلسطين ،والذهاب بدلا من ذلك نحو التطبيع للعلاقات العربية مع اسرائيل في ظل تخل عملي مزري وواضح وحقيقي عن قضية العرب الكبرى والمركزية ، وبالتالي فان هذه الانظمة وابواقها الإعلامية لا تملك الحق في توجيه النقد للتعاون بين حماس وفصائل المقاومة مع أيران او اية جهة اخرى ، خاصة بعد ان رفع الحكام العرب شعار ان الحرب الدائرة هي حرب اسرائيلية -فلسطينية، وبمعنى التخلي الكامل عن اي استعداد لدعم الفصائل الفلسطينية في حقها باسترداد الحقوق الثابتة تاريخيا و المؤطرة بدعم القرارات الدولية والقانون الدولي في (حق الشعوب بتقرير المصير) .
ان ما تقدم لا ينفي ان لايران اجندتها الخاصة في عموم المنطقة العربية والشرق اوسطية ،فهي تعد قوة اقليمية كبرى تبحث عن مناطق النفوذ اينما تمكنت ، وبالتالي فان اتساع نفوذها الذي طوى اربعة عواصم عربية تحت جناحيها ،انما يدخل ضمن اجندتها القومية كدولة توسعية وذات تاريخ بعيد في الاستحواذ والهيمنة لم يتغير بتغير مناهج الانظمة فيها قديما وحديثا .
السؤال هنا :من الذي مكن ايران من السيطرة على قلب المشرق العربي وصولا نحو توسيع نفوذها في افريقيا وشمالها العربي؟
أليست الحكومات العربية ذاتها التي تبحث الان عن فرص للخلاص من النفوذ الايراني ولو ادى ذلك الى اللجوء للتطبيع مع اسرائيل وتسليم مقاديرها للإدارة الامريكية والغرب ،هي التي مكنت أيران عبر وسائل عديدة من بينها التحالف مع الامريكان والناتو لإسقاط النظام الوطني في العراق ألذي ظل يقض مضجع القيادات الاسرائيلية باعترافهم ، دون ان ننكر اخطاء كبيرة ارتكبها عبر قرارات كارثية كما في حالة غزو الكويت رغم كل ألمبررات والخلفيات التي أدت اليها وعن قصد وسابق تدبير ، وهو ذات الامر الذي ينطبق على بلدان اخرى ، والموقف الرسمي العربي المخزي منها كما حصل في سوريا وليبيا واليمن والسودان ؟
أليس مشروع الطريق الاستراتيجي من دلهي الى حيفا عبر السعودية ودولة الامارات وتحت رعاية امريكية، هو مشروع اسرائيلي بامتياز يحقق لها مشروعها نحو شرق اوسطي جديد بقيادة اسرائيلية ؟
أليس ما تقدم هو اقصى ما تستطيع ويستطيع النظام الرسمي العربي تقديمه لإسرائيل ، مما يعطي الذريعة لإيران ان تكون موجودة وفاعلة بشكل موازي لتصبح هي الظهير (المؤقت ) وفق تصورنا للمقاومة الفلسطينية لصالح مقاصدها وطموحاتها الاقليمية بعد تخلي النظام العربي عنها في عملية توظيف واضحة لفعل ألمقاومة ألفلسطينية دون الانخراط الفعلي ميدانيا الى جانبها ، وهو الموقف الذي يثير علامات استفهام كبيرة أتجاه لعبة السياسة الايرانية في عموم الساحة العربية .
بل ان تصريحات رسمية صدرت عن نتنياهو وكابينته الحكومية تؤكد ان الانظمة العربية تدعم اسرائيل وتستعجله في محاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة ، وانها لا تقل حماسة من اسرائيل لتحقيق ذلك !!
وبعد هذا وذاك فان حالة التخلي والمواقف المعيبة للنظام الرسمي العربي منذ يوم السابع من اكتوبر حتى الان على ألاقل رغم بشاعة جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة تؤكد كل ما تقدم وتبرره .
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا وذاك :
هل ان هذا الموقف المتخاذل عربيا ناتج عن الشعور بخطر ايران، أو خطر تصاعد المد الاسلامي الذي تمثله (حماس )والذي تعتبره الولايات المتحدة تطرفا (ارهابيا ) اسلامويا كما يروج له البعض من اعلاميي الانظمة العربية ؟
الجواب عندي أن الأنظمة العربية المعنية ليست مهتمة بقضية فلسطين بالأصل عدا الشعارات ضمن عملية توظيف دعائية مزيفة ،وهو امر صار معلوما منذ عقود وليس حديثا . كما انها ليست مهتمة بأيران إلا بالقدر الذي يرتبط بأمن النظام السياسي في مختلف الاقطار، بدليل انها تحالفت مع ايران واذرعها وفتحت لها اراضيها لعقد مؤتمراتهم التي صدر عنها موقف مشترك مؤيد لاحتلال العراق ،وهي التي تتحمل بالشراكة مع الاخرين اسباب ونتائج احتلال العراق وهيمنة أيران عليه ،
وهي ذاتها الانظمة التي طبعت علاقاتها مع اسرائيل وتحالفت مع الولايات المتحدة تحت مبرر توفير الحماية لها من الخطر الايراني الذي استفحل اثر احتلال العراق .
كما أنها ذاتها التي تورطت بالحرب الى جانب الولايات المتحدة في سوريا وليبيا واليمن ،بل وشاركت في دعم المنظمات الارهابية فيها كما هو معلوم ، وهي ايضا ذاتها التي ترفع شعار الاسلام السياسي المعتدل ، وتحت لواء هذا الشعار تحقق حوافز معادية لتشويه وتخريب وتحريف منظومة القيم الاسلامية تحت عنوان الاعتدال لتتطابق بذلك مع افكار الصهيوني برنارد لويس في تدمير الاسلام وخلق دين بديل له .
وكنتيجة لما تقدم ، فأن هذه القوى والانظمة جميعها لا تتحرك وفق منطق موضوعي مبدأي اتجاه قضية فلسطين رغم قدسيتها واهميتها ،إنما وفق اجندتها الخاصة، الأمر الذي يجعلها تتحمل مخاطر احتمالات كبيرة متوقعة خلال الأمد المنظور كرد فعل عن سياساتها الانهزامية ولذلك فأنها بعد كل ما حصل لا تجد مصالحها السلطوية في نصر ما للمقاومة الفلسطينية لأنه يعني تحمل مخاطر كبيرة على مستقبلها كأنظمة للهزائم ، يمكن أن يهز موقفها امام شعوبها المقموعة من أبداء رأيها والتعبير عن تضامنها مع الحركة الوطنية الفلسطينية من قبلها ، وهو ذات الموقف الرسمي المتشكك الذي عشناه وتابعناه من تلك الانظمة أثر النصر الذي أنجزه العراق على إيران في حرب الثمانينات والناتج عن التأثر بدعايات واعلام يذهب إلى منهج شيطنة العدو لمصالح القوى المساندة لإسرائيل وتحديدا الادارات الامريكية والمؤسسات الصهيونية التي تصنع القرار السياسي لها .
لذلك ليس غريبا أن يذهب الإعلام المذكور لشيطنة حركة المقاومة الفلسطينية(حماس ) بعد كل ما قدمته من بطولات عجزت جميع جيوش الوطن العربي عن تقديم جزء منها في الحروب العربية – الاسرائيلية واتهامها بالإرهاب كما شيطنوا قبل ذلك النظام السياسي في العراق قبل الاحتلال ، وحركة طالبان في افغانستان وانظمة اخرى عربية نالها مانالها من فبركات مخابراتية واعلامية كمقدمة نحو اجهاضها ووأد مشروعيتها في انجاز مشاريعها الوطنية والقومية كما حصل للتجربة الناصرية في مصر وكذلك في ليبيا.