الحرب المفتوحة في غزة (رؤية تحليلية)
بقلم الدكتور هاني الحديثي
عضو لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
تشكل حرب الفصائل الحمساوية المفتوحة الان مع اسرائيل مفصل تاريخي تداعياته خطيرة تشمل المشرق العربي خاصة والعالم العربي والشرق أوسطي قاطبة .سيناريوهات مختلفة بداياتها تختلف قطعا عن نهاياتها.
الغرب بقيادة الولايات المتحدة اعلنت دعمها الكامل لإسرائيل وضمن ذلك تحريك الاسطول الامريكي في البحر المتوسط قطعاته قريبا من إسرائيل للتهيؤ لدعمها والتي اعلنت حالة حرب مفتوحة واستدعت جميع قوات الاحتياط في مواجهة العمليات الخارقة للقوى الفلسطينية في غزة والتي قد تشهد امتدادا محدودة لها داخل فلسطين في حال استمرار التصعيد المتبادل .
ما يحدث في غزة والمستعمرات الاسرائيلية المحاذية والداخل الاسرائيلي ضمنها تل ابيب تؤشر لاحتمال البداية لعملية سياسية و عسكرية اوسع تشمل المشرق العربي كله، ضمن ذلك اعادة توزيع الادوار في لبنان والعراق وسوريا ، وتداعيات ذلك على بلدان الخليج المطبعة مع اسرائيل فضلا عن الدور الايراني في عموم هذه المنطقة .
من جانب اخر فان روسيا حذرت من اي تدخل امريكي مباشر تحت زعم ان ذلك سيؤدي الى دخول حزب الله وسوريا والفصائل الموالية لإيران في العراق الحرب ، الامر الذي يهدد بإشعال المنطقة برمتها ليصبح الامن الشرق اوسطي امام حالة تتحمل جميع الخيارات ضمنها احتمال تحول مركز الصراع من أوكرانيا الى الشرق الاوسط وهو مطلب روسي يتناسب مع طروحات في الكونجرس الامريكي بإعادة النظر في طبيعة المساعدات الامريكية لأوكرانيا خاصة ان الولايات المتحدة لا ترغب بفتح جبهات حرب عديدة في آن واحد .
التحذيرات الروسية اتت متزامنة مع موقف زيلنسكي الذي اكد فيه وقوف اوكرانيا الى جانب اسرائيل ، الامر الذي يوضح طبيعة الانقسام الدولي اتجاه حالة الحرب بين اسرائيل وفصائل فلسطينية ابدت حتى الان قدرات غير عادية تفوق ظاهريا جميع التوقعات الاسرائيلية ، الامر الذي دعا نتنياهو للتصريح بان قواته تستعد لمحق غزة وتحويلها الى خراب ، داعيا سكانها الى اخلاء منازلهم ومغادرة قطاع غزة بما يعني نزوح مليوني فلسطيني نحو سيناء لتصبح مصر تحت التهديد المباشر لتداعيات هذه الحرب وهو ما ترفضه مصر وتحذر من تداعياته محليا و عربيا .
في ضوء ذلك فان الاحتمالات جميعها تصبح مفتوحة امام اسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما في الغرب .
توظيف ايران لما يحدث لصالحها وبدعم روسي امر متوقع لتغيير الوضع الذي تعاني منه وهي تتطلع نحو دور اكبر على صعيد المشرق العربي ، الامر الذي يطرح احتمالية تحقق سيناريو تصعيد التدخل الايراني تحت ذريعة دعم المقاومة وهو امر متوقع تصعيده في ظل التراجع العربي عن دوره في دعم المقاومة الفلسطينية ، وهو الوضع الذي دفع فصائل فلسطينية اساسية لتطوير علاقاتها مع ايران والتي استمرت تستثمر الظرف العربي المهادن لتطوير تواجدها ليس في ساحات عربية عديدة حسب انما داخل فلسطين ذاتها ، الامر الذي جعلها لاعبا رئيسيا في المنطقة سواء بشكل مباشر او عبر ادواتها في المنطقة تبدو للوهلة الاولى لصالح القضية الفلسطينية ولكنها في الواقع لصالح تمدد المشروع الايراني استراتيجيا في عموم الشرق الاوسط ، وتتحمل الانظمة العربية مسؤوليته المباشرة بسبب مواقفها المهادنة لإسرائيل وتسببها فيما حصل للعراق وسوريا وفلسطين واليمن .
وبعبارة اخرى فان التدخل الايراني مرهون بتوظيف الحدث سياسيا دون المشاركة الفعلية فيه عسكريا الا من خلف الكواليس وعبر سياسات تكسبها موقفا تفاوضيا اقوى مع الولايات المتحدة لصالح مشرع برنامجها النووي دون ان تورط نفسها عمليا في الحرب التي هي ليست حربها وليست مقصدها الا بما تحققه لها من مكاسب سياسية و اقتصادية ،وهو دور لا تعارضه الولايات المتحدة نسبيا، و التي وظفت الدور الايراني في المنطقة لصالح تكريس تواجدها وهيمنتها بقصد مواجهة احتمالات تطوير النفوذ الصيني-الروسي في الشرق الاوسط كما عبرت عنه عمليا في مؤتمر دول العشرين الاخير بدعم مشروع الربط الاستراتيجي بين الهند واسرائيل عبر بلدان الخليج العربي نحو العالم كبديل لمشروع الصين الاستراتيجي في الحزام والطريق ضمن جهودها المستمرة لدمج إسرائيل ضمن منظومات تعاون اقليمية ودولية .
أن الادارة الأمريكية تتفادى تطور النزاع إلى مواجهة شاملة مع أيران ومن يقف خلفها مثل روسيا كون ذلك يفضي الى اندلاع حرب عالمية يكون الشرق الاوسط مركزها كما توقع هنري كيسنجر ذلك قبل اكثر من عقد من الزمان وإلا سنكون امام سيناريو اسطورة( هرمجدون ) ، وهو الامر الذي يعني ان الحرب هذه المرة يمكن ان تدفع نحو تغييرات جدية نحو الاقرار بالمشاريع الدولية باتجاه اقامة الدولة الفلسطينية على اراضي فلسطين قبل الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق مبدأ الدولتين والذي ظلت قيادات اسرائيل المتطرفة تماطل فيه مخالفة منها لجميع القرارات والمواثيق الدولية ، وتذهب بدلا من ذلك الى ممارسات متطرفة وخاصة اتجاه القدس في سلوك استفزازي متواصل مستثمرة حالة الضعف العربي وذهاب بعض الانظمة تحت التخويف الامريكي-الاسرائيلي من البعبع الايراني نحو التطبيع معها بدلا من تبني موقفا موحدا في دعم اقامة الدولة الفلسطينية وفق مبدأ الدولتان كما طرحتها الولايات المتحدة ووافقت عليها جميع الاطراف الاقليمية و الدولية ، وهو ما ينبغي على العرب تداركه قبل ان تضيع عليهم فرصتهم التاريخية التي فرضتها الحرب ومتغيرات الصراعات الشرق أوسطية في مواجهة تمدد المشروع الايراني .
ان اسرائيل هي مشروع الغرب الاستراتيجي منذ مطلع القرن العشرين و الذي لن يتم السماح بتدميره لان في ذلك تدمير لمستقبل الغرب كله ودوره في قيادة الوضع العالمي الذي يشهد تغيرا بسبب تطور الدور الروسي -الصيني عالميا ،ولا ينبغي بناء توقعات وهمية خارج هذا النطاق بدليل ان بلدان الغرب قاطبة توظف اعلاميا هجمات الفصائل الفلسطينية في غزة من باب الاعتداء على المستوطنات وقتل عدد من سكانها المدنيين والقسوة معهم تحت غطاء حقوق الانسان ،متغافلة عن جميع الاعتداءات الاسرائيلية اتجاه حقوق شعب فلسطين والقرارات الدولية بصددها منذ احتلال فلسطين عام 1948 حتى الان .
تأسيسا على ما تقدم فأن الوضع في المنطقة العربية والشرق الاوسط امام حالة جديدة يمكن أن تعيد توزيع الادوار وتكرس حالة جديدة في الشرق الاوسط تحت طائلة تعدد القوى الاقليمية والدولية وتوزيع نفوذها في المنطقة . وهنا لابد ان نأخذ بنظر الاعتبار قدرات اسرائيل النووية التي تضمن لإسرائيل التفوق والاستعداد لاستخدامها اذا ما تهدد مصير اسرائيل تحت اي متغير يشهده الصراع الدائر اقليميا ودوليا خارج نطاق التوقعات .
نتيجة لما تقدم فان الحرب الحالية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ،والحسم فيها لن يكون لصالح طرف محدد وفق المعادلة الصفرية الامر الذي يستوجب تغليب العقل والمنطق في البحث عن حل سياسي شامل لهذا الصراع الذي ظل يهدد السلم والامن الدوليين على مدى اكثر من سبعة عقود مضت .