نبذة مختصرة عن الجريمة المنظمة
نبذة مختصرة عن الجريمة المنظمة
المستشار سعيد النعمان ، عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
من خلال قراءتي للبحوث والدراسات العديدة عن الجريمة المنظمة وجدت من المناسب أن أبدأ بتعريفها فوقع اختياري على التعريف المقبول والراجح فالجريمة المنظمة (هي الجريمة التي ترتكب من مجموعة أشخاص يجمعهم تنظيم هرمي محدد يهدف إلى تحقيق الربح بقيامهم أفعالا مشروعة أوغير مشروعة تتميز بالعنف والتهديد وتمتد أفعالهم خارج حدود الدولة) .
لقد اتسمت هذه الجريمة بالطابع الدولي وشغلت الدول بمخاطرها وشموليتها فهي تنظيم شديد الخطورة ومتماسك ولها خصائص فمن حيث تعدد الفاعلين . ودقة التنظيم وتمتاز بالتنسيق العالي والمرونة في العمل والتخطيط المسبق لتنفيذ الجرائم والمرونة في التنفيذ والاستمرارية والسرية واستخدام العنف والرشوة والقيام بأفعال غير مشروعة وتحقيق الأرباح الخيالية وترتيب وجمع الأعضاء . وخضوعهم إلى نظام رئاسي تسلطي وفعال ويستعين هذا التنظيم بذوي الخبرات في مجال الإدارة والاقتصاد وأحيانا بالسياسة .
وأما من حيث نوعيته وطبيعة أنشطته أي التنظيم فهو يحمل صفتي الاحترافية والاستمرارية واستخدام العنف لتحقيق أهداف الجريمة المنظمة التي تتجاوز حدود الدولة الواحدة . ومن أبرز أهدافها تحقيق الربح وجني المنافع والمشاركة في تحالفات مع بعضها من خلال أبرام تعهدات وعقد اتفاقيات .
وأما أثار هذه الجريمة فهي كبيرة وموذية على الصعيدين الوطني والدولي وحتى على الأشخاص وهذه الآثار قد تكون اقتصادية واجتماعية ومالية . وأما صور هذه الجريمة فمنها غسيل الأموال التي حرمتها أتفافية الأمم المتحدة (عام 1990 ) واتفاقية باليرمو (عام 2000 ) حيث أوضحت المادة السادسة مفهوم هذه الجريمة بأنها من الجرائم العابرة للحدود وكذلك تجارة الرقيق والتي احتلت المركز الثالث من حيث الأرباح بعد تجارتي السلاح والمخدرات .
كما ثبت وجود علاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة والذي وصل إلى تحالف وثيق نتيجة التشابه الكبير من حيث الممارسات الإجرامية والخصائص المزدوجة بينهما في تنفيذ جرائم العنف وغيرها العابرة للحدود . والتناغم والتكامل التنظيمي والسرية في تنفيذ المهام المشتركة بينهما وكلاهما يشكل خطورة إمام التنمية الاقتصادية وتشترك الجريمة المنظمة والإرهاب في تمدد ارتكاب الجرائم عبر الحدود في عددا منها ومما يثبت تنامي علاقة الإرهاب بالجريمة المنظمة ما أكدت عليه المؤتمرات والقرارات الدولية منها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ( هافانا 1990 ) وقرار مجلس الأمن (1373 لسنة 2001) الذي تضمن في الفقرة الرابعة وجود علاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة وكذلك إعلان القاهرة لمكافحة الإرهاب (عام 2003 ) . أن هذه العلاقة أدت إلى ارتفاع القدرات المادية والتنظيمية حتى أصبحت بعضا من الدول عاجزة على مواجهة هذه العلاقة الإجرامية الأمر الذي دفع بالمجتمع الدولي بذل جهودا كبيرة في مجال التعاون للتصدي ومكافحة هذه الجريمة من خلال عقد الاتفاقيات الدولية الثنائية والإقليمية وكان أخرها اتفاقية باليرمو (عام 2000 ) .
ومن بين أشكال التعاون الدولي الأنظمام إلى الأتفاقيات واستحداث اتفاقيات جديدة تحرم أنشطة هذه العصابات وأن يكون هناك تعاون دولي في مجال التشريعات ومتابعة تنفيذ العقوبات الصادرة ضد مرتكبي هذه الجريمة . وتضمنت المادة (18) من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة تقديم المساعدة القانونية والقضائية كما ورد في المادتين ( 26 و27 ) ووضع تدابير لتعزيز مبدأ التعاون . كما أن ميثاق التعاون الأمني ودور الانتربول الذي أنشأ في فينيا (عام 1923 ) الذي أصبح في ( عام 1971 ) يتمتع بالشخصية المعنوية الدولية .
ومن بين أهداف هذا الميثاق
1 ـ تشجيع وتطوير المساعدة المشتركة بين سلطات الشرطة الجنائية وتنميتها في نطاق واسع.
2 ـ أقامة التنمية الفاعلة التي تساهم في منع ومكافحة الجرائم.
3 ـ تطوير التعاون القضائي الدولي وتسليم المجرمين.
4 ـ مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة المنظمة.
إن الانفتاح الاقتصادي و سرعة النقل والمواصلات والاتصالات أسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف هذه الجريمة وأنظمام أعداد كبيرة إلى عصاباتها . وللحد من خطورة هذه الجريمة والقضاء عليها وتحجيم عملية الانضمام إليها لابد من متابعة قادة عصاباتها والقبض عليهم بكافة الطرق ومنح إغراءات مالية للمبلغين عنهم . وكذلك توفير الحماية الأمنية لمن يترك عصابات هذه الجريمة ويتعاون مع الأجهزة الأمنية المختصة بالتحقيق . وتخفيف العقوبة عنهم للاستفادة من المعلومات والاستفادة القصوى من وسائل الاتصالات الحديثة والانترنيت في التصدي لهذه الجريمة .
نشير إلى أن مجلس الأمن الدولي قد أتخذ عدة قرارات توظف في خدمة التعاون الدولي والإقليمي ضد الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية فقد أقر القرارين (2462 و 2482 لسنة 2019 ) اللذين تضمنا بأن المنظمات الإرهابية يمكن أن تستفيد من الجريمة المنظمة عبر الوطنية باعتبارها مصدر للتمويل.
وأخيرا فأن العراق أنظم إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبرتوكولين الملحقة بها في تشريع رقم ( 20 لسنة 2007 ) والذي يشكل أداة أساسية في مكافحة الأنشطة الإجرامية ذات الطابع الدولي.