مشروع قانون العنف الأسري
مشروع قانون العنف الأسري
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية / المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
قبل الاحتلال لم يكن العراق بحاجة الى تشريع قانون العنف الأسري لا سباب منها قلة حصول اعتداء او ايذاء يصل الى مستوى العنف الذي كثيرا ما ينتهي بالمراضاة والصلح . وكان للمعارف والجيرة دورا أخلاقيا واجتماعيا ودينيا رائدا في حل اغلب الاعتداءات والنزاعات . في حين ان اغلب الدعاوى التي ترفع على منصة القضاء كان مصيرها الغلق والترك للمراجعة للصلح الذي يحصل بين اطراف الدعوى ومنها دعاوى الاعتداء والايذاء التي تسجل والتي لا تصل الى ما يسمى بالعنف الذي وردت بشأنه نصوصا في اكثر من قانون تضمنت الاجراءات والعقوبات ومن بين هذه القوانين قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 نص المادة(41 الفقرة 1) التي تضمنت تأديب الزوج لزوجته والآباء والمعلمين ومن في حكمهم والاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا .
واما قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل فقد تضمن الحق للزوجة اقامة دعوى التفريق لا سباب عدة ومن بينها الايذاء والضرب المبرح . وفي قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 تضمن في المادتين (5 و6 ) الرقابة وتفتيش مواقف الاحداث والحضور امام المحاكم المدنية في الدعاوى المتعلقة بالقاصرين والمحجور عليهم والطلاق والتفريق وهجر الأسرة وتشريد الاطفال . وفي قانون الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل الذي تضمن كل ما يتعلق بالإجراءات والعقوبات الخاصة بالحدث ابتدأ من الرعاية والتدابير الاصلاحية عند ايداع الحدث في دائرة الاصلاح بسبب جنحة او جناية ارتكبها .
وفي القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 تناول في المادة 39 ( صفة القرابة المباشرة ) وكيفية التعامل مع حقوق القاصر والوكالة والولاية عليه وعقود العمل والرعاية لحقوق القاصر وكانت هذه القوانين بمثابة الامان الذي يتناسب والحفاظ على عدم حصول الايذاء وتامين الحقوق الزوجية والتوازن بينهما . وبعد الاحتلال اختلت موازين القيم والعادات والتقاليد المجتمعية والأسرية وبدأت الظواهر الغريبة تنخر في بنية المجتمع ومنها العنف ضد الزوجة والابناء القصر. وتحت ضغط ومناشدات من منظمات محلية واقليمية ودولية نتيجة زيادة العنف الذي تزامن مع الحجر المنزلي بسبب وباء الجائحة وعبرت منظمات تابعة للأمم المتحدة ومفوضية حقوق الانسان عن قلقها من ارتفاع وتيرة العنف الأسري في العراق. الامر الذي دفع الحكومة بأرسال مسودة القانون الى مجلس النواب في ايلول من العام الماضي بعد ان اقرته لمناقشته وتمريره ليصبح نافذا ثم عادت ارساله في بداية شهر اب الحالي . وطوال السنوات الماضية لم يتمكن العراق من اقرار هذا القانون لحماية الاسرة من العنف بسبب معارضة ممثلو الاحزاب والعشائر والمؤسسات الدينية والمواقف الضعيفة للنساء الممثلة في مجلس النواب .
اسباب ظاهرة العنف الاسري :
اولا ـ التجزئة التي تعيشها الاسرة وانقسام الحياة وانعدام العمل الجماعي للعيش المشترك .
ثانيا ـ تجذر القيم والعادات والتقاليد العشائرية في المجتمع ومفاضلة الذكور على الاناث .
ثالثا ـ ارتفاع نسبة الامية والتخلف بين النساء وبالذات القاصرات منهن .
رابع ـ غياب الاستقلالية المالية وحصرها بالرجل الزوج او بالأخ الكبير في الاسرة .
خامسا ـ ضعف دور الدولة في تنفيذ القوانين والاجراءات ذات العلاقة بالعنف الاسري وغياب القوانين الرادعة .
سادسا ـ استمرار ارتفاع حالات الفقر والعوز والحاجة وتفشي البطالة سابعا . ضعف الحكومة في ادارة مخاطر الجائحة التي حصدت الالاف في غياب توفير وسائل الوقاية والعلاج والتراخي في تطبيق التعليمات .
والان لنستعرض مشروع القانون وبإيجاز لقد تضمن المشروع في المادة (2) التعريف بالمصطلحات واهداف القانون في حماية الاسرة وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات من كافة اشكال العنف .
في المادة (3) تشكيل لجنة عليا تتولى تطبيق القانون من عدة ممثلين من وزارات ذات العلاقة وقاضي يرشحه مجلس القضاء الاعلى .
وفي المادة (4) تكون قرارات اللجنة العليا ملزمة للجهات كافة .
وفي المادة (5) تضمنت كيفية انعقاد اللجنة .
في المادة (6) مهام اللجنة في رسم السياسات الوطنية الشاملة والتدابير المناسبة للوقاية من اشكال العنف
في المادة (7) تشكيل مديرية حماية الاسرة والمهام المناطة بها
وفي المادة (8) تضمنت قيام المديرية بمهمة التحقيق في شكاوى العنف الاسري ومن ثم عرضها على قاضي التحقيق المختص
اما المادة (9) فتناولت تشكيلات المديرية واجباتها واختصاصاتها وتصدر بتعليمات
في حين نصت المادة (10) تكليف مجلس القضاء الاعلى بتشكيل محكمة مختصة او اكثر
وفي المادة (11) منحت الحق لكل من يتعرض للعنف الاسري تقديم شكوى الى قاضي التحقيق المختص او الى الادعاء العام او الى مديرية حماية الاسرة او المفوضية العليا لحقوق الانسان
في حين الزمت المادة (12) الموظف او المكلف بخدمة عامة الى غير ذلك بالأخبار عن وقوع جريمة العنف الاسري كما اوجبت على من تلقى الاخبار عدم الكشف عن هوية مقدم الاخبار
وفي المادة (13) تضمنت عدم خضوع الشكاوى في قضايا العنف الاسري الى الاختصاص المكاني
وفي المادة (14) اعطت الحق للمحكمة اجراء سرية الجلسات والزمتها بإصدار قرار الحماية خلال 24 ساعة وكذلك حق الطعن تمييزا اما محكمة الجنايات بصفتها التمييزية كما تضمنت اعفاء الطلبات من الرسوم كافة .
في المادة (15) تضمنت لمن تعرض للعنف الاسري او من ينوب عنه قانونا تقديم طلب الى القاضي المختص لغر ض اصدار قرار الحماية
في المادة (16) منحت الحق للمحكمة المختصة اصدار قرار الحماية أثناء النظر في الدعوى
وفي المادة (17) خولت القاضي المختص عرض الضحية على اللجان الطبية والنفسية المختصة وتضمنت المادة الاجراءات المطلوبة لعرض الضحية
في المادة (18) اشارت الى قرار الحماية الذي يلزم المشكو منه بتدبير او اكثر من التدابير تضمنتها المادة في سبع فقرات
وفي المادة (19) الزمت القاضي بإحالة اطراف الشكوى الى البحث الاجتماعي لإصلاح ذات البين وله الحق الاستعانة بمحكمين من طرفي الشكوى وايقاف الاجراءات القانونية بحق المشكو منه اذا حصل الصلح
وفي المادة (20) تناوبت فتح مراكز امنة لضحايا العنف لحمايتهم واعادة تأهيلهم والزمت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتنفيذ ذلك
في حين تناولت المواد (21 و22) فرض عقوبات على المشكو منه على خرق قرار الحماية بعقوبات الحبس والغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين .
وفي (المادة 23) منحت الحق للمحكمة الحكم بالتعويض بناء على طلب المتضرر او من يمثله قانونا
وفي المواد ( 24ـ 27 ) تضمنت احكاما عامة واخيرا ذكرت الاسباب الموجبة لصدور هذا القانون من بينها الحد من ظاهرة العنف الاسري والقضاء على اسبابه وحماية الاسرة وافرادها وقابة المرأة من افعال العنف وملاحقة الفاعلين توافقا مع تحريم اشكال التمييز وانتهاكات حقوق الانسان والتزاما بالصكوك والمعاهدات والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق وانسجاما مع القرارات الاممية وتنفيذا لا حكام المادة 29 من الدستور .
قانون العنف الاسري لإقليم كوردستان العراق
سبق للإقليم ان اصدر قانون مناهضة العنف الاسري رقم 8 لسنة 2011والذي يقترب من مضامين واهداف المشروع الا انه اشار الى الافعال التي تدخل ضمن العنف الاسري والتي بلغت (13 ) حالة ( الاكراه في الزواج وزواج الشغار والصغير بدلا عن الدية والطلاق بالإكراه وقطع صلة الارحام ) الى غير ذلك وتحريك الشكوى وتشكيل محكمة للتحقيق والمحاكمة تختص في النظر بقضايا العنف الاسري واجراءات التحقيق والمحاكمة ونص القانون على مهام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة الداخلية وتطرق القانون الى تفاصيل بشأن اوامر الحماية والعقوبات السالبة للحرية والغرامات ويعد ظرفا مشددا للجاني ادا كان الفاعل طبيبا او صيدليا او كيميائيا او قابلة او احد معاونيهم . وكي لا اطيل في الاسهاب اترك للقارئ الرجوع الى القانون للزيادة في المعلومات .
وارى ان هذا القانون يقترب من تخفيف شدة العنف الى حد كبير ويضمن الحقوق بعدالة بين الاطراف ولقد احسن المشرع في تعداد جرائم العنف بدأ بالقول او الفعل او التهديد بهما على اساس النوع الاجتماعي في اطار العلاقات الاسرية المبنية على اساس الزواج والقرابة الى الدرجة الرابعة ومن تم ضمه الى الاسرة قانونا من شانه ان يلحق ضررا من الناحية الجسدية والجنسية والنفسية وسلبا لحقوقه وحرياته (المادة الاولى/ ثالثا ) . كما تضمن ذات الاسباب الموجبة التي وردت في مشروع قانون العنف الاسري في اعلاه .
التوصيات
ـ ضرورة الاسراع في تشريع قانون مناهضة العنف الاسري في اول جلسة لمجلس النواب لتامين وضمان حماية الاسرة من التمزق مع ان القانون ضمن حقوق الاسرة بالكامل .
ـ تفعيل الاجراءات التنفيذية لمديرية حماية الاسرة والطفل وتوفير احتياجاتها الاساسية ومستلزمات عملها والعناية في اختيار العاملين فيها .
ـ التأكيد على دور الاعلام الحر والحكومي بمتابعة اداء المديرية وتأشير كوامن الخطأ والصواب ومنح الاعلام حرية التغطية الكاملة دون قيود او شروط او تدخل .
ـ توفير مراكز طبية لعلاج واعادة تأهيل مرتكبي العنف الاسري قبل مدة زمنية مناسبة قبل صدور القانون والعناية الفائقة بدوائر الاصلاح وتامين احتياجاتها واختيار العناصر المؤهلة ومن ذوي الاختصاص .
ـ تعديل المادة (1 / اولا ) بإضافة العنف البدني والجنسي والنفسي والاقتصادي بدلا من عبارة يترتب عليه ضرر مادي او معنوي ليكون اوضح من النص الموجود.
ـ لقد احسن المشرع بجمع النصوص المتفرقة في قوانين عدة والتي اشرنا اليها في اعلاه تسهيلا لتطبيق القانون تحقيقا ومحاكمة .
ـ ان يطبق القانون بعد نشره في الجريدة الرسمية وليس بعد مضي 90 يوما وان هذه المدة اضافية لا مبرر لها اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان شخوص وادوات تطبيق القانون جاهزة وتعمل قبل صدور القانون وانما بحاجة الى اعادة وتنظيم هيكلية المديرية وضمان حسن الاداء .
ـ محاربة الفساد المالي والاداري وتنمية ثروات العراق والتوزيع العادل لها ودعم العوائل الفقيرة والمتعففة ورفع مستوى الدخل للمواطنين .
ـ اتخاذ الاجراءات الكفيلة للقضاء على الامية والتخلف والاهتمام بالعلم والتعليم ورصد الاموال المطلوبة في الموازنة العامة وزيادتها كلما دعت الحاجة الى ذلك .
ـ تفعيل النصوص الدستورية ذات العلاقة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية والحقوق والحريات واجراء التعديلات المناسبة عليها كلما دعت الضرورة الى ذلك ومنحها الاسبقية في الصياغة والتطبيق للرقي بالمجتمع ماديا ومعنويا .
معلومات إحصائية مفيدة
ــ وثقت وزارة الداخلية اكثر من ( 5292 ) حالة عنف اسري في العاصمة بغداد وبقية المحافظات خلال النصف الاول من عام 2020وحسب تصريح المتحدث باسم الوزارة اللواء سعد معن وكما مبين في ادناه :
ـ (3637 ) حالة اعتداء الزوج على زوجته و(453) حالة اعتداء الزوجة على زوجها و(402) حالة اعتداء بين الاخوة والاخوات و(183) حالة اعتداء من الاباء على الابناء و(617 ) حالة اعتداء الابناء على ابائهم كما ان هناك نسبا لحالات منع وضرب الزوجة من قبل الزوج والتي لم تحدًث منذ عام (2012 ) منها :ـ
ـ 47,97% ضرب الزوجة اذا خرجت دون علمه .
ـ 44,37 % ضرب الزوجة اذا خالفت اوامره .
ـ 69% منع الزوجة من زيارة اقاربها .