مشروع قانون استرداد عائدات الفساد
مشروع قانون استرداد عائدات الفساد
المستشار سعيد النعمان ، عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
المقدمة
يعتزم مجلس النواب تمرير مشروع قانون عائدات الفساد الذي أرسله رئيس الجمهورية إلى المجلس قبل أسابيع . مع العرض أن اللجان النيابية ( القانونية والمالية والنزاهة ) سبق وان اجتمعت مع رئاسة الجمهورية قبل فترة للاتفاق على تمرير مشروع القانون على وجه السرعة بعد أن يدرس من قبل اللجنة القانونية ومن ثم يعرض مباشرة إمام المجلس للقراءة الأولى . ولكي لا أطيل سأتناول عنوانين مشروع القانون دون ذكر النصوص والفقرات .
في الفصل الأول تضمن التعاريف إما الفصل الثاني فتضمن استرداد عائدات الفساد داخل العراق . وفي الفصل الثالث أكد على التعاون مع الجهات القضائية والتحقيقية والرقابية . وفي الفصل الرابع كيفية استرداد عائدات الفساد المهربة خارج العراق . وفي الفصل الخامس تضمن المساعدة القانونية الدولية وفي الفصل السادس تضمن الأحكام الختامية ثم الأسباب الموجبة التي من بينها ( تعزيز قدرات هيئة النزاهة للقيام بواجباتها باسترداد أموال الفساد وملاحقة المطلوبين والمحكومين داخل العراق وخارجه بالتعاون مع وزارة الخارجية والادعاء العام وديوان الرقابة المالية ) ومن بين نصوص هذا المشروع انه شمل كافة مسوؤلي الدولة من الذين تسلموا مناصب عليا من درجة مدير عام فما فوق ومنذ عام 2004 ولغاية صدور القانون . واوجب على الجهات المالية المختصة بأعداد قوائم موثقة بشاغلي هذه المناصب خلال ( 17 ) سنة الماضية .
ويهدف مشروع القانون إلى استرداد الأموال داخل العراق وخارجه الناجمة عن جريمة الفساد أو الممتلكات التي تحولت إليها أو بدلت بها أو التي اختلطت معها والإيرادات والمنافع المتأتية من عائدات جريمة الفساد . على إن يتم تزويد هيئة النزاهة والبنك المركزي العراقي بشاغلي المناصب العليا وأفراد أسرهم والأشخاص وثيقي الصلة بهم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون وتحديثها سنويا على أن يقوم البنك المركزي بأعمامها على المؤسسات المالية لأجراء التدقيقات عليها .
كما تضمن مشروع القانون أجراء التقصي والتحقيق عن أموال الفساد وشمل أفراد أسر المسولين وأصدقائهم والمقربين من الذين تربطهم بأي نوع من العلاقة السياسية أو التجارية وأصحاب النفوذ الذين لهم تأثير في صنع القرارات داخل مرافق الدولة . كما تضمن مشروع القانون مطالبة شاغلي المناصب تقديم إقرار خطي خلال ( 60 ) يوما . وتضمن أيضا تخويل هيئة النزاهة والمحاكم العراقية طلب المعلومات من الدول التي توجد فيها حسابات مصرفية لشاغلي المناصب وفي ضوء توفر الأدلة تقوم هيئة النزاهة وبالتنسيق مع جهاز المخابرات وديوان الرقابة المالية التحري للمشمولين بهذا القانون للتقصي عن مصادرها ومدى تأثيرهم في صنع القرار داخل الدولة وأجهزتها .
وتضمن مشروع القانون تشكيل فريق تحقيقي وتقصي من الأجهزة المعنية بتطبيق هذا القانون وبالتعاون مع الدول للتحري وجمع المعلومات والوثائق عن الأموال المهربة إلى الخارج والفاسدين وتسليمهم للسلطات العراقية . وألزم وزارة الخارجية وعبر الوزارات والهيئات ذات العلاقة وضع خطة لإبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول لاسترداد الأموال العراقية والتعاقد مع شركات تحقيقيه عالمية رصينة من أجل التحري عن أموال العراق المهربة للخارج وعوائدها .
وأكد مشروع القانون على ضرورة أن تشعر المؤسسات المالية البنك المركزي بقوائم يتم إعدادها بالمعلومات المالية والتي تزيد قيمتها على ( 500 ) ألف دولار أمريكي لأجراء التحري عنها . كما أكد مشروع القانون على المؤسسات المالية وبأشراف البنك المركزي التحقق من الزبائن لتحديد هوية المالكين من الأموال المودعة في حسابات تزيد قيمتها على مليون دولار . وإلغاء أو فسخ أي عقد أو أجازة استثمارية يتم إبرامها بناء على رشوة واستغلال نفوذ أو أي فعل من أفعال الفساد . ولغرض تشجيع التبليغ عن الفساد تضمن مشروع القانون منح مكافأة مالية تصل إلى (5 0/ 0 ) من قيمة جريمة الفساد إلى المخبر. وأما المدانين بالفساد فتصادر أموالهم المنقولة وغير المنقولة والمستندات والصكوك القانونية وان وفاتهم أو انقضاء الدعوى الجزائية لا تمنع عن مسؤوليتهم عن الجريمة ولا يجوز العفو عنهم . وبإيجاز يلاحظ إن مشروع القانون المقترح تضمن (45 ) نصا وفقرات مكثفة تضمنت إجراءات التنفيذ وعقوبات مالية وإشراك عددا من المؤسسات الأمنية والاقتصادية والمالية والقضائية لتطبيق نصوصه .
مكافحة الفساد في التشريعات العراقية
في العراق سبق وأن شرع أكثر من قانون لمكافحة الفساد فقد تضمن قانون العقوبات رقم111 لسنة 1969 جريمة الفساد تحت عنوان الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة في المواد من 307 لغاية 314 وكذلك جريمة الاختلاس من المادة 315 لغاية 321 والتي تضمنت عقوبات بالسجن واسترداد المال المختلس .كما تضمنت المواد من 322 ولغاية 341 عقوبات على الموظف الذي يتجاوز حدود وظيفته باعتبار ذلك أحدى صور جرائم الفساد التي لا يجوز شمولها وعدم إطلاق سراح المتهم في جرائم الإضرار بأموال الدولة وعدم شموله بقرار العفو العام رقم 19 لسنة 2005 لتعلقها بالمال العام . ومن القوانين التي تعالج قضايا الفساد الإداري والمالي قانون ديوان الرقابة المالية وقانون انضباط موظفي الدولة وقانون غسيل الأموال وقانون مكافأة المخبرين وقانون ضبط الأموال المهربة الممنوع تداولها محليا .
وبعد الاحتلال صدرت قوانين لمكافحة الفساد منها أمر سلطة الائتلاف الموقنة (55 وو57و77 لسنة 2004) وقانون هيئة النزاهة رقم (30 لسنة 2011) وقانون ديوان الرقابة المالية رقم (31 لسنة 2011) استنادا لأحكام المادة 102 من دستور 2000 . وكذلك قانون التضمين رقم (12 لسنة 2006 ) وقانون تمويل الإرهاب رقم ( 39 لسنة 2015 ) كما أن هناك عددا من القوانين لا يسع المجال للإشارة إليها في هذه الدراسة القصيرة ونكتفي بهذا القدر .
الدعم الاممي لمشروع قانون استرداد عائدات الفساد
منذ عام 1966 صدر العديد من الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد الذي اعتبر مشكلة لا تخص الحكومة وحدها بل أصبح الفساد المالي والإداري مشكلة دولية من مهام المجتمع الدولي وضرورة مساعدة الحكومات لمكافحته . يتضح للقارئ إن مشروع القانون نظريا مطمئن وحضاري ومتقدم وهو من الضرورات الملحة لتحجيم تفاقم الفساد والتصدي للفاسدين حيث وضع خارطة طريق إمام الحكومة لاسترداد الأموال المنهوبة وتحفيز عمل اللجان الرقابية بشكل مهني واختبارا للقوى السياسية الماسكة بالسلطة وأحزابها التي تدعي محاربة الفساد .
ومشروع القانون دعوة مهمة وصريحة خاصة وأن العراق سبق وأن وقع في عام ( 2007 ) على اتفاقية الأمم المتحدة لاسترداد الأموال المتأتية من جريمة الفساد وكبار الفاسدين . ويذكر إن الاحتجاجات ضد الفساد ونهب أموال الدولة كان من أهم شعارات انتفاضة تشرين( 2019) والتي لم تحقق شيئا يذكر . كما إن هناك جهودا دولية لمساعدة العراق في استرداد أمواله فقد أعلنت الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي أطلاق مبادرة بقيمة ( 15 ) مليون يورو في مواجهة الفساد وجاءت هذه المبادرة بعد إعلان رئيس الجمهورية تقديم مشروع القانون .
وأطلق على المشروع دعم مبادرات العدالة لمكافحة الفساد وتعزيز تسوية المنازعات التجارية عبر مؤسسات الدولة ودعم العراق بالوفاء بالتزاماته الوطنية والدولية فيما يتعلق بمكافحة الفساد . وتحسين الإطار التشريعي ودعم قطاع العدالة وجهود تطوير المحاكم التجارية واليات التحكيم وأن هذه الاتفاقية الأممية تلزم العراق الامتثال إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تمت المصادقة عليها .
الملاحظات العامة
1 ـ أن الكثير من نصوص المشروع مستنسخة وموجود في أغلب القوانين ذات الصلة بالفساد وأن هناك صعوبات جمة تعترض تنفيذ نصوص هذا القانون في حالة صدوره مع وجود النصوص المشتركة مع بقية القوانين ذات الصلة بمحاربة الفساد .
2 ـ أن يتم جمع معلومات دقيقة عن المشتبه بهم بالفساد قبل صدور القانون بغية إيقاف التصرف بالأموال أو تهريبها واعتبار ذلك من الإجراءات الضرورية التي تسبق صدور القانون.
3 ـ ينبغي شمول الأحزاب والتنظيمات السياسية بهذا القانون لاسيما وإن معظمها تمتلك لجان اقتصادية وتجارية وتعقد صفقات مع مؤسسات الدولة في تنفيذ المشاريع المهمة بالنيابة عن القطاعين الخاص والمختلط .
4 ـ يجب أن لا تأخذ بنظر الاعتبار المعلومات الخاصة بالذمة المالية التي يقدمها المشمولين بهذا القانون بل لابد من الاعتماد على التحري والتقصي عنها من الجهات التي تتولى تطبيق هذا القانون .
5 ـ تشكيل لجان فرعية للمراقبة والأشراف على أنشطة المشمولين بهذا القانون إضافة إلى اللجنة المركزية العليا التي وردت في نصوص القانون .
6 ـ هناك عدم اهتمام جدي في تنفيذ الاتفاقيات الدولية والإقليمية لمكافحة الفساد وعليه لا يمكن للدولة مكافحة الفساد بمفردها وهي بحاجة ماسة لتعاون دولي وإقليمي .
7 ـ يلاحظ أن وسائل مكافحة الفساد لا تتناسب مع التطور الهائل في حقل المعلوماتية وجهود المنظمات الدولية المشتركة والمتواضعة في مكافحة الفساد .
8 ـ التراخي والقصور في تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة عبر الوطنية لمكافحة الجريمة المنظمة الصادرة عام 2000 وكذلك الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ولعام 2003 .
التوصيات
1 ـ إن تتبنى الحكومة وضع برامج وإقامة ندوات وفتح دورات تأهيلية لموظفي الدولة لزيادة الوعي العام بمخاطر جرائم الفساد وبالذات الجدد منهم وبثها عبر وسائل الإعلام .
2 ـ اعتماد مبدأ التخصص في اختيار من يتولى التحقيق في قضايا الفساد ومنحه صلاحيات واسعة في تطبيق الإجراءات ولا مانع من تشكيل فرق على مستوى المحافظات .
3 ـ تحديث القوانين ذات الصلة بمكافحة الفساد وإخضاعها للتعديلات باتجاه تشديد العقوبة كلما دعت الضرورة إلى ذلك وتكثيف التغطية الإعلامية لهذا الغرض .
4 ـ منع إصدار قرارات بالعفو الخاص أو العام أو تخفيف العقوبة بالمحكومين بجرائم الفساد سواء كانت جنحة أو جناية وعدم أطلاق سراحهم ألا بعد استرداد عائدات فسادهم .
5 ـ تطبيق وسائل مكافحة الفساد التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية وبما يخدم إجراءات مكافحة الفساد مع مراعاة خصوصية الدولة التي ستنفذ فيها هذه الإجراءات .
6 ـ الاهتمام بتوسيع التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات والخبرات بين الدول وفقا للاتفاقيات الدولية والإقليمية وبكافة الوسائل المتوفرة زمانا ومكانا والتنسيق العالي في مكافحة الفساد .
7 ـ بذل الجهود الدولية لتأسيس محكمة دولية على غرار محكمة الجنايات الدولية للنظر في جرائم الفساد وكبار المفسدين والمتعاونين معهم ولأي سبب كان .
8 ـ اعتماد الشفافية والنزاهة في اختيار من يشغل المناصب العليا والعمل بالحوكمة الالكترونية في تولي هذه المناصب الرفيعة والمغرية .