مشروع التحكيم العشائري ، ما له وما عليه
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يقصد بالتحكيم العشائري ( السماح لمجموعة من شيوخ العشائر التدخل في حل النزاعات العشائرية عن طريق التحكيم في كل ما يحصل من خلافات بين العشائر ) وفي آذار من عام 2018 تم اختيار مجموعة من المحكمين سميت (العوارف) مكونة من (47 ) شيخ عشيرة اختارتهم وزارة الداخلية وفق مذكرة تفاهم مع وزارة العدل . على أن يكلفون بمهام عدة منها الحد من أتساع النزاعات العشائرية والتركيز على أحلال السلم المجتمعي في المحافظات وتم ذلك في ضوء مذكرة تفاهم مع وزارة العدل .
ومن شروط عمل المحكمين سيكون طوعي وليس لهم رواتب وأسمائهم دققت من قبل وزارة الداخلية وعرضت على شيوخ العشائر المعروفين لحل النزاعات العشائرية وحصلت الموافقة على تزكيتهم . وسيكون دورهم في تدعيم الأمن والسلم المجتمعي في عموم العراق ويعتبر هذا المشروع في حالة أقراره يساعد على حماية القانون ويحافظ على تماسك العشائر ولن يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو حقوق الإنسان ولا يتعارض مع عمل الدولة والسلطات الثلاثة ومؤسساتها . وسيعمل فريق المحكمين على عدم التدخل في شئون القضاء والابتعاد عن الأعراف السائدة عند فض النزاعات كالعطوة والفصل والجاه والنهوة والثأر واستبدالها بمفردات قانونية وإدارية تنسجم وتتوافق مع عمل المحكمين .
كما أن مشروع التحكيم ليس بديلا لعمل القضاء بل هو أحد الوسائل التي تحقق المصالحة بين الخصوم وتوظف في خدمة سلطة القضاء وتنسجم مع قراراته ولا تخالف القوانين أو الأنظمة أو التعليمات .
لقد تباينت الآراء واختلفت منهم من يؤيد المشروع باعتباره صمام الأمان و يساهم في تدعيم الأمن المجتمعي وينهي دور كل من يدعي صفة المحكم بدون وجه حق . أن المشروع يعمل على أحلال قواعد وأسس النظام الاجتماعي المتماسك ولا يتعارض مع حقوق الإنسان ومحاولة جادة لإلغاء الأعراف والعادات والتقاليد التي تخالف القوانين وأن التحكيم العشائري لا يفرض على الخصوم بل هو اختياري وتوافقي .
لقد اعتمدت وزارة الداخلية على فريق عمل من المحكمين المعروفين من قبل العشائر وأدخلوا في دورات تأهيلية بعد ترشيحهم كمحكمين ونالوا شهادات تقديرية في مجال التحكيم والمصالحة . ومنهم من يعتبر المشروع تدخلا صارخا في شؤون القضاء المستقل لأن بعضا من الأعراف العشائرية تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان والآليات الدولية وعمل المؤسسات القضائية والقانونية ولا يعزز المشروع متطلبات وإجراءات أنفاذ القانون . وأنه يسجل حضورا في ارتفاع النزاعات في عموم محافظات العراق ولا يسعى المشروع إلى إشاعة ثقافة التسامح في حل المنازعات لأنه يعتمد على الأعراف التي تجاوزتها القوانين لعدم صلاحيتها ويعتبر بديلا للقوانين والأنظمة . كما يتعارض مع المادة (45 / ثانيا ) من الدستور التي نصت على ( تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة وبما يساهم في تطوير المجتمع وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان ) لقد تواجدت لدينا ملاحظات وأراء بشأن المشروع منها : ـ
1ـ في خضم تصاعد النزاع بين الدولة والعشيرة وبغية حل النزاع عرض على مجلس النواب مشروع قانون مجلس قبائل العراق الذي استند إلى المادة ( 45 / الفقرة ثانيا ) من الدستور وتمت قراءته الأولى في (12 / 1 / 2016 ) الأ أن لجنة الصياغة طلبت من اللجنة النيابية تأجيل القراءة الثانية والتريث في طرحه على التصويت ولأسباب شكلية وأخرى موضوعية وبالفعل تم صرف النظر عن مشروع الفانون في حينه .
2 ـ قد يكون مشروع التحكيم العشائري البديل المناسب لمشروع قانون مجلس القبائل باعتباره إجراءات وتعليمات يقوم بها المحكمون لفض النزاعات العشائرية بالمصالحة والتوافق بعيدا عن التدخل في شؤون القضاء وأن يكون المشروع سندا يمد العون لتنفيذ قراراته وأحكامه .
3ـ المشروع لا يخالف (المادة (45 / ثانيا) بل يعتبر دعما لدور العشائر في الحد من ظاهرة النزاعات العشائرية وتنظيم إجراءات الصلح وعمل المحكمين بإشراف وزارتي الداخلية والعدل وأن لا يشرع كقانون من قبل مجلس النواب ويعتبر نظام أو تعليمات ضمن صلاحيات وزارة الداخلية .
4ـ لا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاء دور العشيرة في تنفيذ قرارات وأحكام القضاء وبالتنسيق مع أجهزة وزاراة الداخلية فهناك الكثير من الأمثلة والوقائع الميدانية التي تؤيد دور العشيرة الايجابي المتجذر منذ تأسيس الدولة العراقية عام (1921) وحاضرا ومستقبلا .
5ـ لابد من اطلاع المحكمين على المواد (251 ـ 276 ) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 ذات الصلة بالتحكيم ( مفهومه وأركانه وشروطه ) وكذلك قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته . المادة ( 130 / أ ) التنازل عن الشكوى . والفصل الخامس المواد ( 194 ـ 198 ) قبول الصلح زيادة في المعلومات والفائدة .
6 ـ لقد بقيت الدولة العراقية ومنذ التأسيس في صراع بين سلطة الدولة وسلطة رجال الدين وسلطة العشيرة التي كانت تحضي بمكانة مميزة ونافذة في المجتمع وكان صوتها مسموعا ونافذا ولها أهدافها الاجتماعية والسياسية والتصالحية والخدمية .
7 ـ يعتبر المشروع أرضا خصبة للعشيرة لتمارس أنشطتها التي تخدم عمل مؤسسات الدولة وأجهزة القضاء المستقل من حيث تنفيذ الأحكام القضائية والقرارات لذلك فأن عمل العشيرة مكمل وملتزم بإجراءات سلطة القضاء من حيث تسهيل تنفيذ أوامر القبض واستقدام المشكو منهم وتبليغ الشهود والتحري والدلالة على المتهمين بغية القبض عليهم والمشاركة في الرأي والمشورة مع الأجهزة الشرطوية والتنفيذية .
8 ـ كما أن للعشيرة لها دور مهم في الحد من ظاهرة السلاح المنفلت وبالتنسيق مع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وبالتحديد السلاح المتوسط والثقيل وحتى الخفيف غير المجاز وتحشيد شيوخ العشائر للمساعدة في انجاز هذه المهمة المستعصية منذ احتلال العراق عام (2003 ) .
9 ـ نقترح أن يكون عدد المحكمين (3) في جانب الكرخ و(3) في جانب الرصافة في العاصمة بغداد بدلا من أثنين لكل منهما. وكذالك الحال بالنسبة للمحافظات (3) لكل محافظة كي تكون قرارات التحكيم بالأكثرية .
10 ـ من الضروري الانتهاء من تشريع قانون الموازنة العامة للعام 2023 باعتباره الشريان المالي والاقتصادي ولأهميته في تشريع قوانين أخرى متوقفة عليه وتضمين القانون تخصيص حصة مضافة إلى وزارة الداخلية لسد احتياجات تطبيق مشروع التحكيم العشائري .
11 ـ نقترح على وزارة الداخلية تنظيم جداول إحصائية رقمية سنوية أو نصف سنوية تتضمن حصاد النتائج التي أنجزها المحكمون الايجابية والإعلان عنها في وسائل الأعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للتعريف بجهود الوزارة وتقيم عمل المحكمين .
12 ـ نأمل من القبائل والعشائر التمسك الشديد بالقيم والعادات الحميدة التي يفتخر ويشاد بها وعلى سبيل المثال ( النخوة والوفاء والكرم والإباء والتسامح وحسن المعاملة والعفو والشجاعة ونصرة المظلوم) وترسيخ التقاليد والأعراف والعادات الحميدة التي تحد من ظاهرة النزاعات العشائرية المسلحة .