قانون حماية الأطباء
الاستاذ سعيد النعمان عضو اللجنة القانونية في المنتدى
في كل دول العالم المتحضرة والمتخلفة تتولى القوانين والانظمة تنظيم اعمال مؤسسات الدولة العامة والمختلطة والاشراف على المؤسسات الخاصة الكبيرة والصغيرة لتوفير متطلبات مجتمعاتها وادارة شؤون اعمالها وكانت الدولة العراقية النموذج والقدوة في ذلك قبل الاحتلال وأبان الحكم الوطني حيث الخدمات الصحية المجانية متوفرة لكل العراقيين فحصا وعلاجا وادوية .وكانت الدولة وحتى اثناء الحصار الظالم مستمرة في تقديم هذه الخدمات كما كانت التشريعات ذات مستوى عال من الدقة والصياغة والمرونة عند التطبيق حيث تمنع التدخل من اية جهة غير مختصة او اشخاصا في التجاوز عليها او مخالفتها لان الردع والعقوبة تأخذ طريقها الى التطبيق . الا انه وبعد الاحتلال فقدت الدولة هيبتها ومصادر قوتها في تطبيق القوانين وفتحت الابواب للمنظمات الحزبية والمليشيات المسلحة وبعضا من العشائر و ذوي النفوذ التدخل في شؤون الحياة المختلفة ومنها عمل الاطباء الذين تعرضوا الى التهديد والابتزاز والقتل في بعض الحالات بسبب الجهل والتخلف وغياب الوعي المجتمعي لهذه المهنة الانسانية الرائدة .الامر الذي ادى الى ان الكثير من الاطباء اختاروا الانكفاء وترك المهنة ومغادرة العراق نتيجة الظلم والمعاناة في حين توزع المرضى من الموسرين في شتى بقاع الارض طلبا للمعالجة وبات المعدمين والفقراء من عامة الناس بانتظار الموت البطيء .هذه هي خلاصة الوضع الصحي في عراق اليوم.
آن عقوبة اخطاء الطبيب وردت في نص المادتين 411 و416 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 واعتادت المحاكم على تطبيقهما في حالة وفاة المريض او الحاق ضرر به نتيجة ثبوت خطا من الطبيب شرط توفر العلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة وان يحدث الخطأ نتيجة اهمال او عدم الانتباه او عدم مراعاة الانظمة والقوانين والاوامر والى غير ذلك من الاخطاء التي ورد ذ كرها في المادتين اعلاه والتي تضمنت الحكم بالحبس او الغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين بالنسبة لخطا الطبيب .ان الفساد في وزارة الصحة ادى الى ظهور الأخطاء الطبية لا سباب منها قيام عددا من الاطباء بفتح عيادات خاصة بعد تخرجهم مباشرة دون ممارستهم في المستشفيات والتي هي الاخرى تعاني نقصا حادا في عدد الاطباء وقدم المختبرات التي تعطي نتائج خاطئة تودي الى خطا في التشخيص وشهادات تخرج طبية مزورة من خارج العراق او من داخله واجراء عمليات جراحية دون ضوابط في المستشفيات الاهلية واستيراد الادوية الفاسدة . ان الاخطاء الطبية وحسب تقرير لجنة الصحة في البرلمان بلغت اكثر من 3000 خطا طبي خلال السنوات العشر الماضية .
هذا التداخل والفوضى الصحية جعلت الاطباء هم الحلقة الأضعف في تامين الحماية من قبل الدولة من الاعتداء ات العشائرية وتدخلات ذوي المرضى في حالة اخفاق الطبيب في معالجة المريض .الامر الذي ادى الى صدور قانون حماية الاطباء رقم 26 لسنة 2013 والذي تضمن حماية الاطباء من الاعتداءات العشائرية والابتزاز عن نتائج اعمالهم المهنية حيث لا يجوز القاء القبض او توقيف الطبيب بناء على شكوى ضده لأسباب مهنية طبية الا بعد اجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية وعاقب القانون بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات و بالغرامة لكل من يدعي بمطالبة عشائرية او غير قانونية .
وجاء في الاسباب الموجبة لهذا القانون لغرض تشجيع الاطباء للعمل في دوائر الصحة خارج محافظة بغداد والعمل في الفروع الطبية النادرة واستقطاب اصحاب الخبرات الطبية المهاجرة .وعلى الرغم من مضي اكثر من خمس سنوات على صدور هذا القانون فان التهديد والضغط والاعتداء مستمر على الاطباء وبوسائل مختلفة لغياب الدولة عموما ووزارة الصحة خصوصا ونقابة الاطباء وعدم الجدية وقدرة الدولة في تطبيق هذا القانون و ضعف في محاسبة المقصرين وتزايد الفساد المالي والاداري لعموم المؤسسات الصحية . واخيرا لابد من ترك موضوع اخطاء الطبيب الى القضاء الذي يحكم بالحبس او التعويض عند ثبوت الضرر على وفق نوعه وجسامته والذي لحق بالمريض في ضوء تقارير الخبراء المنتدبين وتدقيق اوليات المعالجة ونتائجها من قبل المحكمة والى نقابة الاطباء تحديدا بالنسبة الى العقوبات الادارية التبعية المعروفة في ضوء اللوائح المعمول بها في وزارة الصحة