قاضي التحقيق ومناقشة الادلة
قاضي التحقيق ومناقشة الادلة
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23 ) لسنة (1971) وتعديلاته نصاً يتعلق بقرارات قاضي التحقيق النهائية اما بإحالة المتهم على المحكمة المختصة في حالة كفاية الادلة ضده او الافراج عنه في حالة عدم كفاية الادلة ضده بعد اكمال التحقيق في القضية التي يتولى التحقيق فيها استنادا الى نص الفقرة (ب) من المادة (130 ) التي نصت على (اذا كان الفعل معاقب عليه ووجد القاضي ان الادلة تكفي لمحاكمة المتهم فيصدر قرارا بإحالته على المحكمة المختصة اما اذا كانت الادلة لا تكفي لإحالته فيصدر قرارا بالأفراج عنه وغلق الدعوى مؤقتا مع بيان اسباب ذلك) .
هذا النص بحاجة الى هامش من الاجتهاد والتفسير من قبل القاضي لتطبيقه بشكل مرن وعادل ومنصف لذلك يجب ان تكون النظرة الى المتهم بانه بريء حتى تثبت ادانته وان الشك يفسر لمصلحته .
فإذا كانت التهمة تحوم حولها الشبهات والشكوك والادلة ضعيفة فعلى القاضي ان يتخذ قرارا بالأفراج عن المتهم وهذا هو التطبيق القانوني العادل والانساني الذي ينسجم مع مقتضيات العدالة ومقاصد المشرع ومبررات تشريع هذه الفقرة .
الا ان تطبيق هذه الفقرة سابقا وحاليا نجد ان اغلب قضاة التحقيق يميلون الى احالة المتهم على الرغم من عدم كفاية الادلة ضده خوفا وتجنبا لقرارات النقض من قبل محكمة الجنايات بصفتها التمييزية نتيجة تمييز القرار من قبل نائب المدعي العام والمشتكي ووكيله ومن الذين لهم مصلحة في طلب نقض قرار الأفراج عن المتهم وغلق الدعوى مؤقتا لا سباب مقنعة او غير مقنعة.
وفي كثير من الحالات يتم نقض قرار القاضي بالأفراج من قبل محكمة الجنايات بصفتها التميزية بحجة ( ان القاضي لا يحق له مناقشة الادلة بل عليه جمعها فقط ) وهذا الراي يحتمل الخطأ والصواب وان هناك عددا من الآراء مختلفة بين المناقشة او الجمع .
ان بقاء المتهم موقوفا لحين حسم الدعوى بعد مضي اسابيع او اشهر او معلقا بالكفالة أمرا لا يخدم العدالة والانصاف ويقترب من الظلم .
ومن خلال اطلاعنا على قرارات الافراج من قبل قضاة التحقيق المنقوضة تميزا نجد ان الكثير منها وبعد احالة المتهم واجراء محاكمته يفرج عنه بحجة ان الادلة غير متوفرة او غير كافية للإدانة والحكم . بعد ان تكبد المتهم اضرار اجتماعية وإنسانية واقتصادية ونفسية تركت اثارا سيئة على مسيرة حياته .
ان الاصرار الشجاع من قبل قضاة التحقيق وهم القلة على منهج التوسع في قرارات الافراج المؤقت على الرغم من نقضها يحقق العدالة المطلوبة ويجسد هدف المشرع والغاية التي يهدف الى تحقيقها من وراء هذه الفقرة . ثم ان المشرع ابقى قرار الافراج وغلق الدعوى مؤقتا لسنتين حيث يجوز لقاضي التحقيق اعادة اتخاذ الاجراءات ضد المتهم اذا ظهرت ادلة جديده مقنعه له كي لا يفلت المتهم من العقاب وهذ ضمانة إضافية عادلة ومنطقية كما ورد في نص المادة (181) (لا يمنع من استمرار الاجراءات ضد المتهم عند ظهور ادلة جديدة تستوجب ذلك ولا يجوز اتخاذ اي اجراء اذا مضت سنتان على قرار الافراج الصادر من قاضي التحقيق) . ثم ان تصميم القضاة على التمسك بالتطبيق السليم والتكييف القانوني الصحيح لهذه الفقرة يقلل من الشكاوى الباطلة والكاذبة ويمنح الحق للقاضي اتخاذ الاجراءات ضد المشتكي والمخبر استنادا الى نص المادة ( 243 ) من قانون العقوبات ( الأخبار الكاذب ) .
ومما يطمئن قضاة التحقيق التوسع في قرارات الافراج ما ورد في نص المادة (213 /الفقرة ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية (لا تكفي الشهادة الواحدة سببا للحكم ما لم تؤيد بقرينة او ادلة اخرى مقنعة او بإقرار المتهم الا اذا رسم القانون طريقا معينا للأثبات فيجب التقيد به ) اما بشان الاخبار المقدم من قبل ما يسمى بالمخبر السري فيتوجب الاستماع الى اقواله بتأني وروية ومناقشته وبذل الجهد لمعرفة دوافع الاخبار وتدقيق الادلة والقرائن التي تؤيد الاخبار فاذا ثبت ذلك اتخذ القاضي القرار المناسب وخلاف ذلك يحق للقاضي فتح دعوى ضد المخبر .
وبناء على ذلك نجد ان تطبيق هذه الفقرة وفقا للنصوص التي وردت في أعلاه يجسد متطلبات العدالة ويحقق أهدافها ويقلل من النفقات المالية والادارية التي تصرف على الموقوفين وتحقيق العدالة القضائية من خلال تطبيق الفقرة ( ب ) بالاتجاه الصحيح الذي اشرنا اليه . ويحد من أصدار اوامر القبض وفق المادتين (103) الاصولية و( 4 ) من قانون الارهاب لمجرد الاشتباه والتي كثر استخدامهما سابقا وحاليا .
وعلى الادعاء العام مراقبة ذلك من خلال الزيارات المستمرة لمواقف الشرطة والتي هي من اهم مهامه استنادا للمادة ( 5 / الفقرة تاسعا) من قانون الادعاء ( رقم 49 لسنة 2017 ) . واخيرا نرى اصدار تعميم من قبل مجلس القضاءالاعلى الى كافة المحاكم تطبيق التعليمات الخاصة بالسقوف الزمنية لحسم الدعاوى في المحاكم رقم 4 لسنة 1987 التي صدرت استنادا الى الفقرة 2 من قرار مجلس قيادة الثورة رقم 669 في 31 / 10 / 1987 النافذ.