عالم المحاماة
عالم المحاماة
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يتفق أغلب العاملين في مجال الفقه والقضاء والقانون أن لم يكن جميعهم على أن مهنة المحاماة هي أحدى أرقى وأرفع وأجمل المهن في العالم . والمحاماة مهنة مضنية ومتعبة وتتطلب بذل جهد معرفي فهي ملاذ أمن ومنصف لمن يلجأ لها لطلب المساعدة والمعونة .
يقول المحامي والزعيم والعلامة المصري مصطفى كامل في كتابه المحاماة ( المحاماة بذل عناية وليس تحقيق غاية ) أي أن على المحامي بذل العناية الكافية لتحقيق ماوكل من اجله لأن الغاية بيد القضاء الذي هو صاحب القرار الفصل في النزاع .
والمحاماة هي أيضا المهنة العريقة المشهود لها بالعطاء السخي في الدفاع عن الحقوق والحريات وكرامة الإنسان والساعد الأيمن للعدالة القضائية والباحثة عن الحقيقة ومساعدة المظلومين وأنصافهم من خلال الدفاع عنهم .
والمحاماة رسالة إنسانية راقية وأيمان وتمسك بالقيم والأخلاق المجتمعية وهي ليست المعرفة والعلم بالقوانين وفروعها فقط فالكثير من المثقفين يعرف نصوص القوانين والأنظمة حتى من غير المحامين . الأ أن حقيقة أداء المحامي يتطلب منه الدراسة المتعبة والمضنية للتعرف على وقائع القضية وتفاصيلها والخطوات اللازمة للدفاع عن موكله وقبلها الاطلاع على التكييف القانوني الصحيح الذي يحكم القضية التي يترافع عنها ويبحث عن الحجة والبرهان والإقناع الذي يوفره للمحكمة صاحبة القرار أو الحكم . وعندما نتصفح محطات هذه المهنة نجد أن الكثير من رواد الفلسفة والشعراء والأدباء والكتاب والاعلامين كانوا محامين بما يملكون من حجج ومنطق ولغة رصينة وراقية ومقنعة والحدس وسرعة البديهية .
والمحامي يمتلك أدوات اللغة والبلاغة والفطنة والنظرة الثاقبة للقضايا التي يتوكل فيها ويترافع بالنيابة عن الموكلين أمام القضاء بالحجة والمناقشة والقدرة على المناظرة ومهارة التحليل وارتجال الدفاع . والمحامي ليس من مهامه الفصل في النزاع بل عليه تأشير الخلل في إجراءات التحقيق والمحاكمة وكذلك الحال بالنسبة للدعوى المدنية والإدارية ومدى صحة المستندات والوثائق. والمحامي هو الذي يمهد الطريق السوي للقاضي للوصول إلى إصدار القرار القضائي العادل والمنصف . والمحامي هدفه ليس في تغير الحقائق وقلب الثوابت وتضليل الدفاع لكسب المال عن طريق العلاقات غير السوية أو التعامل في توزيع الهدايا والعطايا لكسب الدعوى وبالنتيجة قد يربح الدعوى ولكن بالمقابل سيخسر نفسه وزملائه .
أن مثل هذا السلوك يضع المحامي في موقف المتهم بسبب الدفاع عن متهم أصبح مثله فحتى لو ربح الدعوى فيكون هو الخاسر فهذا السلوك محرم وليس من أخلاقيات المهنة وتقاليدها وقيمها . والمحامي لا يتوكل في قضية يعلم يقينا أنها خاسرة ليسلك طريق التسويف والمماطلة بعيدا عن الأخلاق التي هي أساس المهنة وأعمدتها التي ترتقي بها سلم العدل والدفاع عن الحقوق والحريات وترسيخها في بنية المجتمع . والمحامي هو قلب المجتمع النابض وصوته الناطق لا يعطي وعودا لأنه لا يملك القرار أو الحكم القضائي الذي يصدر عن المحكمة وقبل ذلك عليه أن يكون أنسانا قبل أن يكون محاميا . وأن مهنة المحاماة هي من المهن التي تحقق الأمن والأمان وتعيد الحقوق إلى أصحابها وتساهم في نشر العدل في المجتمع بالتضامن والتكامل مع القضاء . والمحامي ليس محصنا فهناك مسئوليات كبيرة تقع على عاتقه منها الخطأ المهني والمسئولية عن إفشاء المهنة عن فعله غير المشروع وكذلك المسئولية المدنية والجنائية والعقوبات الإدارية والانضباطية في حالة مخالفته لأصول وقواعد سلوك المهنة وهو مسئول أمام نقابة المحامين المنتمي إليها.
يقول الفقيه الفرنسي جارسونيه في وصفه حياة المحامي ( أن المحامي يترافع في يوم واحد إمام محاكم متعددة في دعاوى مختلفة ومنزله ليس مكانا لراحته ولا بعاصم له عن مضايقة عملائه إذ يقصده كل من يريد أن يتخفف من أعباء مشاكله وهمومه ولا يكاد ينتهي من مرافعة طويلة ألا ليعالج مذكرات أطول فعمله معالجة مختلف المشاكل وتخفيف متاعب الآخرين وأستطيع القول أنه بين مواطنيه يمثل الرجال الذين قاموا بتبليغ الرسالة الإلهية) ويقول المفكر فولتير( كنت أتمنى أن أكون محاميا ,لأن المحاماة أجمل مهنة في العالم فالمحامي يلجأ إليه الأغنياء والفقراء على السواء ومن عملائه الأمراء والعظماء , يضحي بوقته وصحته وحتى حياته في الدفاع عن برئي أو ضعيف مهضوم الحق ) .
أذن لا عليك أخي القارئ بالقلة القليلة من المتطفلين والطارئين ومن المحسوبين على هذه المهنة الشريفة فهم لا يشكلون رقما يذكر في سجل الآلاف لا بل الملايين من المحامين من أصحاب الضمائر الحية الحصينة لسور العدالة .