رأي في ديباجة دستور جمهورية العراق لعام 2005
المستشار سعيد النعمان ، عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
دستور جمهورية العراق
جمهورية العراق
( الديباجة)
بسم الله الرحمن الرحيم
“ولقد كرمنا بني آدم “
نحنُ ابناء وادي الرافدين موطن الرسل والأنبياء ومثوى الائمة الأطهار ومهد الحضارة وصناع الكتابة ورواد الزراعة ووضاع الترقيم. على أرضنا سنَّ أولُ قانونٍ وضعه الانسان، وفي وطننا خُطَّ أعرقُ عهد عادل لسياسة الأوطان، وفوقَ ترابنا صلى الصحابةُ والأولياء، ونظَّرَ الفلاسفةُ والعلماء، وأبدعَ الأدباء والشعراء .
عرفاناً منّا بحقِ الله علينا، وتلبيةً لنداء وطننا ومواطنينا، واستجابةً لدعوةِ قياداتنا الدينية وقوانا الوطنية واصرارِ مراجعنا العظام وزعمائنا وسياسيينا، ووسطَ مؤازرةٍ عالمية من اصدقائنا ومحبينا، زحفنا لأول مرةٍ في تاريخنا لصناديق الاقتراع بالملايين، رجالاً ونساءً وشيباً وشباناً في الثلاثين من شهر كانون الثاني من سنة الفين وخمسة ميلادية، مستذكرين مواجع القمع الطائفي من قبل الطغمة المستبدة ومستلهمين فجائعَ شهداءِ العراق شيعةً وسنةً، عرباً وكرداً وتركماناً، ومن مكونات الشعب جميعها، ومستوحين ظُلامةَ استباحة المدن المقدسة والجنوب في الانتفاضة الشعبانية ومكتوين بلظى شجن المقابر الجماعية والاهوار والدجيل وغيرها، ومستنطقين عذابات القمع القومي في مجازرِ حلبجةَ وبرزانَ والانفال والكرد الفيليين، ومسترجعين مآسي التركمان في بشير، ومعانات اهالي المنطقة الغربية كبقية مناطق العراق من تصفية قياداتها ورموزها وشيوخها وتشريد كفاءاتها وتجفيف منابعها الفكرية والثقافية، فسعينا يداً بيد، وكتفاً بكتف، لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولا تمييز، ولا إقصاء .
لم يثننا التكفيرُ والارهابُ من أن نمضي قُدماً لبناء دولة القانون، ولم توقفنا الطائفية والعنصرية من ان نسير معاً لتعزيز الوحدة الوطنية، وانتهاج سُبُلِ التداول السلمي للسلطة، وتبني اسلوب التوزيع العادل للثروة، ومنح تكافؤ الفرص للجميع .
نحنُ شعبُ العراقِ الناهض توّاً من كبوته، والمتطلع بثقة إلى مستقبله من خلال نظامٍ جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي، عَقَدَنا العزم برجالنا ونسائنا، وشيوخنا وشبابنا، على احترام قواعد القانون وتحقيق العدل والمساواة، ونبذ سياسة العدوان، والاهتمام بالمرأةِ وحقوقها، والشيخ وهمومه، والطفل وشؤونه، واشاعة ثقافة التنوع، ونزع فتيل الارهاب .
نحنُ شعبُ العراق الذي آلى على نفسه بكلِ مكوناته وأطيافه ان يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه، وأن يتعظ لغده بأمسه، وأن يسُنَّ من منظومة القيم والمُثُل العليا لرسالات السماء ومن مستجدات علمِ وحضارةِ الانسانِ هذا الدستور الدائم. إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً .
————————————————————————————–
قبل أيام ناقشت لجنة موسعة في مجلس النواب تقويم الدستور لرفع وتخيف الجمود عن بعض النصوص وتقديم المقترحات بشأن تعديلها أو إلغائها إلا أن اللجنة أقرت صعوبة اجراء التغيرات والتعديلات لجمود معظمها.
صحيح أن الدستور هو الأسمى والأعلى وهو الأب والمرشد الروحي والملهم في رسم السياسات العليا للدولة وصحيح أنه الدليل التي تصاغ بموجبة القوانين والأنظمة التي تنظم وتدير شؤون الحياة سياسيا وقضائيا واجتماعيا واقتصاديا . وصحيح أن ديباجة الدستور هي الأصل والمنظومة التي تصاغ على هداها نصوص الدستور. وصحيح أنها تتناول الآليات الهامة للدولة وأنشطتها والضابط الذي يلزم كافة السلطات في كيفية صياغة القوانين والأنظمة المهمة وإجراءات تطبيقها . لذلك كان على المشرع أن يحسن صياغة الديباجة حيث تكون صياغة النصوص مرنة وطرية ومفتوحة النهايات كي يسهل على مجلس النواب تعديلها وإلغائها كلما دعت الحاجة والضرورة إلى ذلك.
والملفت للنظر أن أغلب دول العالم اعتمدت صياغة دساتيرها بنصوص صلبة وجامدة ومعقدة حتى وصفت بالدساتير الجامدة التي لا تخضع إلى التعديل والإلغاء إلا بشق الأنفس وبعد حين . وليس هم القدوة والنموذج الذي يحتذى بهم ولا ندري ما سبب ذلك مع أن المشرع يعلم أن الضرورات والمحظورات والمقتضيات تفرض على مجلس النواب أجراء التعديل أو الإلغاء كلما دعت الحاجة لذلك. ألا ينتبه صناع الصياغة أن المجتمعات سريعة التطور والنمو مع تطور الحياة المعرفية والعادات والتقاليد والمتغيرات المستمرة في حركة المجتمع واحتياجاته ولزوم الإيفاء بها ومراعاتها . ومع ذلك فأن المشرع الدستوري المحتل تعمد صياغة الديباجة ولإغراض مقصودة مع سبق الإصرار ويعلم نتائجها وخيمة وملغومة وبالذات الديباجة التي هي الأساس والجوهر والداينمو الذي يحرك التعديل والإلغاء ويعلم الجميع .
أن الصياغة الجامدة هي التي تضع مطبات وموانع معقدة يصعب عبورها عند التطبيق أوعند أجراء التعديل والإلغاء. والملفت للنظر أن المشرع المحتل فعل ذلك في دستور (2005) الهجين والملغوم الذي وضع مواد تفتح الشهية للفتنة والطائفية والفرقة بين أطياف المجتمع الواحد على قاعدة (فرق تسد) كي يبقى سيدا على العراق بلا منافس أو منازع .
أن مرور قرابة عشرين عاما على صياغة الدستور وصعوبة أجراء التعديل على وفق احتياجات وطموحات المجتمع من حيث المحتوى والمضمون قد خلف أضرارا لا تعد ولا تحصى عند التطبيق . لذلك تعمد المشرع الدستوري المحتل على صياغة المادتين ( 126و142 ) شديدة التعقيد والتي ظهرت عيوبها وضررها أثناء التطبيق لصعوبة التوافق عليها تحت قبة مجلس النواب . ونتيجة سوء صياغة الدستور وغياب مبدأ التدرج التشريعي وضعف التكامل والتناغم بين مواده الأمر الذي أدى إلى خلق فوضى تشريعية عارمة يصعب السيطرة عليها قي أغلب التشريعات وباءت بالفشل بسبب الآليات والنصوص الدستورية التي وردت في صياغة ديباجة الدستور المغرضة والمقصودة والخبيثة . التي تمنع التعديل والإلغاء ومن بينها وعلى سبيل المثال (الاستفتاء الشعبي العام . وصلاحيات الأقاليم . والأغلبية المطلقة . وأغلبية المصوتين . وموافقة ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر وأن لأيتم رفضه من قبل ثلثي ثلاث محافظات) . هذا مجرد مثال واحد ناهيك عن بقية نصوص المواد الأكثر تعقيدا ومنها على سبيل المثال المواد ذات الصلة ـ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ـ والحريات ـ والسلطات الاتحادية ـ ومجلس النواب ـ ومجلس الاتحاد الذي لم يرى النور بعد ـ وصلاحيات رئيس الجمهورية ـ وتشكيلات مجلس الوزراء ـ والمحكمة الاتحادية العليا ـ وعمل الهيئات المستقلة ـ وتوزيع ثروة النفط والغاز ـ واختصاصات سلطات الأقاليم ـ والأضرار الناجمة عن الأحكام الختامية والانتقالية .
هذه العناوين كلها تستدعي أجراء تعديل أو إلغاء صياغة قوانينها وتهذيب إجراءاتها وحسن تطبيقها .
أن إلغاء الديباجة التي بنيت عليها النصوص الدستورية سيؤدي حتما إلى إلغاء الدستور وصياغة دستور جديد وهذا هو المطلوب شعبيا . لأن هذه الديباجة مهدت للطائفية والانقسام بين مكونات الشعب واعتمدت على افتراءات لا أساس لها من الصحة وأشارت إلى حوادث ومجازر مختلف عليها واتهام الحكومات السابقة للاحتلال القيام بارتكابها وتتحدث عن التوزيع العادل للثروة والحرية والعدالة التي انتهكها من حكم العراق بعد الاحتلال .
أن المبالغة في الأكاذيب والأفترءات التي تضمنتها الديباجة التي صيغت عليها القوانين يجب أن تلغى صراحة وتستبدل بديباجة عادلة منصفة وأن تتضمن الدعوة إلى وحدة شعب العراق وأن لا تشير إلى القوميات والطوائف لتثير الفتن فهذه خطوط حمراء تستهدف المجتمع العراقي الذي سقط في كارثة الاقتتال الطائفي المقيت مع بدايات الاحتلال ولسنوات . عليه نرى إلغاء هذه الديباجة قبل الشروع لصياغة دستور جديد .