رأي في المادتين ( 126 و142 ) من الدستور
رأي في المادتين ( 126 و142 ) من الدستور
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
صحيح أن الدستور هو الأسمى والأعلى وهو الأب الروحي والملهم في رسم السياسات العامة للدولة وهو الدليل والمرشد التي تصاغ بموجبه القوانين التي تنظم وتدير شؤون الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ويرسم الآليات العامة للدولة والضابط الذي يلزم كيفية صياغة القوانين وإجراءات تطبيقها .
لقد اعتمدت معظم دول العالم على صياغة نصوص دساتيرها بصيغ صلبة ومعقدة حتى وصفت بالدساتير الجامدة متناسية أن المجتمعات سريعة التطور والنمو مع تقدم العلم والمعرفة والعادات والتقاليد . وكان على المشرع الدستوري أن لا يلجأ إلى الصياغة الجامدة للدستور وأن لا يضع مطبات وحواجز وموانع يصعب عبورها عند التعديل أو التغيير. إلا أنه فعل ذلك في صياغة دستور (2005) الهجين والملغوم والذي كان للمحتل اليد الطولي في صياغته وبالذات النصوص التي تفتح الشهية للفتنة والفرقة بين أطياف المجتمع ليبقى سائدا ومهيمنا على العراق .
ولكي لا تخضع المواد الدستورية لمرونة التعديل والتغيير والإبقاء عليها كما هي جامدة ومتحجرة حتى لا يطالها التعديل وتواكب تطورات المجتمع والمتغيرات السريعة التي تلزم تعديلها من حيث الشكل والمضمون وتتجه نحو إعادة النظر في الصياغة عند حالات الضرورة . وقبل سنوات شكلت أكثر من لجنة لتعديل الدستور إلا أنها أخفقت ولم تصل إلى نتيجة . وقبل أشهر شكلت لجنة لتعديل الدستور والتي أنجزت أعمالها ورفعت توصياتها المتواضعة التي لم تلبي طموحات انتفاضة تشرين ومطالب الشعب كما أنها بحاجة إلى عصا سحرية لتمريرها والتصويت عليها من قبل مجلس النواب الذي عليه أن يسابق الزمن والمتغيرات الزمانية والمكانية وأن ينجز التعديلات في وقتها المطلوب وأن يعتمد الاتجاه الصحيح ويترجم الصياغة الدستورية المرنة عند التعديل والتغيير.
أن المشرع لم يكن موفقا أن لم يكن متعمدا قي صياغة المادتين (126 و142) اللتين سوف لن تسهلان إجراءات تعديل المواد التي ظهرت عيوبها أثناء التطبيق بسبب صعوبة التوافق عليها تحت قبة مجلس النواب . نتيجة غياب ميدا التدرج التشريعي وعدم التكامل والتناغم بين المواد التي أظهرت عيوبا لا تحصى الأمر الذي أدى إلى خلق فوضى تشريعية يصعب السيطرة عليها .
لقد تضمنت المادة (126) خمسة فقرات خلاصتها:
أولاً ـ خولت رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس أعضاء مجلس النواب اقتراح تعديل الدستور.
ثانياً ـ عدم جواز تعديل المبادئ الأساسية المتعلقة بالحقوق والحريات إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين وموافقة ثلثي مجلس النواب وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام .
ثالثاً ـ لا يجوز تعديل المواد الواردة في الفقرة ثانياً في أعلاه إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام .
رابعاً ـ لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني وموافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام .
خامساً ـ يعد التعديل مصادقاً عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء مدة الأسبوع في حالة عدم تصديقه .
في حين تضمنت المادة (142) خمسة فقرات خلاصتها :
أولاً ـ يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضائه ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي مهمتها تقديم تقرير إلى المجلس خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية .
ثانياً – تعرض التعديلات المقترحة دفعة واحدة للتصويت عليها وتعد مقرة بعد موافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس .
ثالثاً ـ تطرح المواد المعدلة على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ أقرار التعديل .
رابعاً ـ يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحا بموافقة أغلبية المصوتين وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر .
خامساً ـ يستثنى ما ورد في المادة (126) المتعلقة بتعديل الدستور إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات الواردة في هذه المادة .
ويلاحظ أن المادتين تمت صياغتها بشكل معقد ومتداخل كي لا تخضع بقية المواد للتعديل السهل والميسر حفاظ على استقرار العراق والمكاسب التي تحققت على الرغم من تفكك الدولة العراقية بحجة الفيدرالية التي لم تنجح ومنذ التصويت على الدستور .
لقد جرت أكثر من محاولة لتعديل الدستور الأ أنها باءت بالفشل بسبب الآليات التي تضمنتها المادتين ومنها ( الاستفتاء الشعبي العام . صلاحيات الأقاليم . الأغلبية المطلقة . أغلبية المصوتين . موافقة ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر وأن لا يتم رفضه من قبل ثلثي ثلاث محافظات) الأمر الذي يعقد أي تعديل كون دستور (2005) من الدساتير الجامدة .
ونرى بشأن مقترحات اللجنة الأخيرة التي أطلعنا عليها من خلال وسائل الأعلام ما يأتي :
أولاً ـ كان على لجنة مقترحات التعديل أن تبدأ بالمادتين ثم تتناول بقية المواد لأن العلة في صعوبة التطبيق والتوافق عليهما لأبعاد سياسية وفئوية وحزبية وقومية وطائفية.
ثانياً ـ سوف يرى الجميع أن كل المقترحات ستشهد عرقلة ورفض من قبل معظم أعضاء مجلس النواب مع أنها معقولة ومقبولة ومتواضعة بغية أبقاء صيغة التوافق وتقاسم المنافع والمصالح دون مراعاة لمستلزمات تطبيق العدالة واحتياجات الشعب الضرورية .
ثالثاً ـ تخوف سلطة إقليم الحكم الذاتي في كردستان العراق من التراجع بشأن النظام الفيدرالي والتصميم في الإبقاء عليه باعتباره مكسباً قومياً لهم لذلك تضمن الدستور هاتين المادتين كي لأتمس الحقوق الدستورية التي منحت للإقليم وبقية الأقاليم التي لم ترى النور بعد .
رابعاً ـ أن المطلع على مقترحات لجان التعديل يجد أنها لم تطال المادتين أعلاه أو تقترب منها بسبب وضع إجراءات معقدة وصارمة كي يصعب المساس بالصلاحيات التي تتمتع بها الأقاليم . مع أنها المفتاح الحقيقي والضروري لبداية التعديلات الأخرى المقترحة من قبل اللجنة .
لكل ما تقدم نرى أن من الاوفق للعراق أنشاء نظام رئاسي قائم على أساس انتخاب رئيس للجمهورية من قبل الشعب مباشرة وليس من قبل البرلمان ومنحه صلاحيات واسعة . والأ سيبقى العراق في دوامة الخلاف والانشقاق والانشطار إلى ما لانهاية .