دوافع تظاهرات الشعب العراقي
دوافع تظاهرات الشعب العراقي
الدكتور ميثاق غازي فيصل الدوري
عضو اللجنة القانونية
يقتضي المنطق والحكمة البحث في دوافع التظاهر لأنه يفضي الى اختلاف التعامل مع التظاهرات بحسب الدوافع التي أملت تنظيمها ودعت الى خروجها بوصفها العامل المحرك للجماهير كي تخرج مطالبة بما هو حق لها. وتكمن اهمية التعرف على دوافع التظاهر في انها تشكل معيارا لاستمرار التظاهرات من عدمها, كما تُعَد عامل قياس لما قد ينتج عن التظاهرة من اثار دولية واقليمية وداخلية.
والدافع مصطلح عام يشير الى حالة فسيولوجية او سيكولوجية شعورية او لا شعورية تحرك السلوك في اتجاه معين غايته احداث التوازن النفسي بين الانسان وبيئته, وتخفيض التوتر الناتج عن عدم اسباع الحاجات الانسانية. وللدافع علاقة وطيدة بالتظاهر من حيث ان الاخير تجمع لعدد من الاشخاص في مكان عام للمطالبة بحق, او للإدلاء براي في مسألة معينة سياسية او اقتصادية او اجتماعية. ويمكننا القول ان تظاهرات العراق تُرَدُ الى خمسة دوافع رئيسية اولها الدوافع الفسيولوجية وتأتي بالمرتبة الاولى لكونها ترتبط بالحاجات العامة والخاصة وكيفية اشباعها, فحاجة الانسان الى المأكل والملبس والسكن والصحة والتعليم والتجارة كلها عوامل فسيولوجية لابد من اشباعها, وترتبط هذه العوامل بالوضع الاقتصادي وبالوضع السياسي, ويلاحظ ان هذا الدافع يحتل الصدارة في تظاهرات العراق فعجز النظام السياسي عن اشباع هذه الحاجات العامة والخاصة كان وراء التظاهرات ومحركا لها فتبنى المتظاهرون شعار” طالع أخذ حقي” ويشير ذلك الى ان المواطن يشعر بنقص كبير في اشباع هذه الحاجات فتدني الدخل او انعدامه يفضي الى نقص في الاشباع.
اما الدافع الثاني فهو دافع الامن والامان, حيث نجد ان الدستور قد نص على الحق في الامن والامان في المادة 15 منه واعتبره حقا عاما وخاصا, فهو حق للفرد في ان يشعر انه يعيش في امن وامان من الاعتقال التعسفي ومن الاعتداء على حقه في الحياة وحقه في استثمار امواله, وشكل غياب الشعور بالأمن والامان عاملا محركا ودافعا مؤثرا في مطالب الجماهير المتظاهرة, فما حصل من اعتقالات عشوائية وحالات تصفية قامت بها جهات خارجة على الدولة. وطالت فئات مختلفة منها الكفاءات العلمية واصحاب رؤوس الاموال اثر سلبا على شعور الافراد بالأمن والامان مما جعلهم يخرجون للمطالبة بتقديم من اعتدى على حقهم الى العدالة. لأن المخاطر التي تهدد الافراد وعجز السلطة عن حمايتهم بعد لجوئهم اليها وطلبهم لتلك الحماية. كان التظاهر تعبيرا عن غضبهم ممن اشاعوا العنف اولا واظهارا لغضبهم على السلطة لعجزها عن حمايتهم.
وتشكل الدوافع الاجتماعية ثالث الدوافع الرئيسية للتظاهر. فالأفراد يميلون بطبعهم الى الشعور بمودة بعضهم بعضا وتوطيد علاقاتهم وصداقاتهم, ويرون في انتماء بعضهم لبعضهم
الاخر وشيجة لا يقبلون قطعها, وسبيلا لا يقبلون له قطعا, فأفراد الشعب يستهجنون منعهم من الاجتماع العام, ويستنكرون تقسيمهم على اسس عرقية او مذهبية لان ذلك يخالف انتمائهم الوطني ويعارض هويتهم التي اساسها انهم ركن من اركان الدولة لا قوام لها بغيره, والمراقب يكتشف بالبصر لا بالبصيرة ان الشعب العراقي في تظاهراته استهجن النهج القائم منذ عقد ونيف من الزمن القائم على اساس تقسيم النسيج المجتمعي وتقييد حرية الافراد في التجمع وكل ما يمنع تواصل ويغل حريتهم في الاجتماع.
هذا وان تقدير الذات واثباتها هو الدافع الاخير من دوافع التظاهر, فإثبات الذات يكون عن طريق تولي المناصب العليا في الدولة واشغال الوظيفة العامة, ومما يسجل لدستور جمهورية العراق منحه الافراد حق تكافؤ الفرص في المادة 16 منه. الا ان قانون الانتخابات وقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات شوه هذا الحق الدستوري عن طريق تبني نظام انتخابي هجين, كما ان عمليات التزوير التي اعترت الانتخابات المتعاقبة شوهت الديمقراطية التي كان العراقيون يعقدون الآمال عليها. ويلاحظ كذلك ان اثبات الذات يتحقق عندما يتمكن كل فرد من افراد الشعب من الحصول على حقه في التوظف في هيئات الدولة واجهزتها, الا انه وللأسف الشديد ادى الفساد الاداري والمالي والمحسوبية في التعيينات واستغلال الصلاحيات الممنوحة للوزراء في التعيين الى ان يمنع على افراد الشعب تحقيق ذاتهم, الامر الذي تعالت الاصوات للمطالبة بتحقيقه, وسلكت كل السبل لمنع تفرد الاحزاب السياسية باستغلاله لتحقيق مغانم تعود عليها بالنفع.
وازاء وجود هذه الدوافع وتحققها وتنامي الوعي لدى افراد الشعب العراقي فان ذلك بانت اثاره ونضجت ثماره تظاهرات تطالب بإنهاء النظام السياسي الحالي, والغاء الياته التي جاءت به ووضعها هو لنفسه كي تكون اساسا لشرعيته, ففقد تلك الشرعية التي اساسها الشعب عملا بالنص الدستوري الشعب مصدر السلطات, كما تجلت مطالب الشعب وبزغ فجرٌ جديد يطالب بإلغاء الطائفية المقيتة والاجتثاث البغيض لنخب المجتمع وكفاءاته.
كما انعكست اثار دوافع التظاهر على المركز الدولي للعراق فنجد ان الامم المتحدة اقرت بحقيقة وجود تلك الدوافع, ومشروعية المطالب التي نتجت عنها, وما الإحاطات التي قدمتها ممثلة الامين العام في العراق (بلاسخارت) الا تجسيد لما صدحت به حناجر المتظاهرين.
وختاما هذا المقال جزء من سلسة مقالات سنكمل فيها بإذن الله التنظيم القانوني للتظاهر, والقيود المشروعة على التظاهر السلمي والمسؤولية الجنائية عن الاعتداء على المتظاهرين ومسؤولية الجهات الفاعلة عما يرتكب بحق المتظاهرين ورجال السلطة من جرائم.