حق الفيتو
المستشار سعيد النعمان ، عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
في الرابع عشر من تشرين الاول من عام 1945 اصبح ميثاق الامم المتحدة نافذا وقد احتوى الفصل الخامس منه تأليف مجلس للأمن الدولي الذي تضمن الوظائف والسلطات والاجراءات والتصويت في المواد من ( 23 ) ولغاية (51) ومن ابرز واخطر ما تضمنه هذا الفصل منح حق الاعتراض او النقض (الفيتو ) لخمسة دولاً منفردة او مجتمعة سميت بالدائمة العضوية على اي قرار يقدم لمجلس الامن دون بيان اسباب الاعتراض.
وهذه الدول هي (امريكا وروسيا والصين وإنكلترا وفرنسا ) ولم تضاف اية دولة الى هذه الدول منذ صدور الميثاق وحتى الان بل بقي حق الفيتو حكرا على هذه الدول مع اجراء تعديلات اجرائية شكلية طفيفة لا تأثير لها على صلاحيات واختصاصات المجلس .
والحقيقة ان اجهاض اي قرار من قبل احدى هذه الدول لا يمكن تمريره مطلقا ولو كان مقبولا من بقية الدول الاربع عشر الاخرى . اما في المسائل الإجرائية الشكلية فتصدر القرارات بموافقة تسعة من اعضائه.
ويلاحظ ان هذا النظام في التصويت اللاديمقراطي والمستبد اعتمد في المجلس لتشجيع بعضا من الدول للمشاركة في هيئات الامم المتحدة كي لا تخسر بعضا من الامتيازات فيما لو انضمت الى منظمات تعتمد الديمقراطية ان كانت هناك امتيازات . وهو مكافئة للدول الدائمة العضوية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية .
ان (الفيتو) استخدم بشكل بشع وسيء من قبل امريكا في تقديم اقوى تأييد ودعم سياسي وعسكري للكيان الصهيوني المحتل وافشل الكثير من القرارات ومن بينها رفض الاحتلال لفلسطين واعمال العنف والكف عن استعمال القوة المفرطة ضد شعبها وبالذات في حرب لبنان عام 2000 والعدوان على قطاع غزة في نهاية 2008 وقمع الانتفاضات المستمرة للشعب الفلسطيني وليومنا هذا . وهناك بعضا من الاستخدامات الاخرى منها اعادة عضوية احدى الدول في الامم المتحدة والوضع في الشرق الاوسط واعادة تمديد تفويض قوات الامم المتحدة وارسال مراقبين. وادانة الانظمة التي ترتكب الجرائم باستثناء اسرائيل .
لقد تولدت الريبة والشك بمصداقية هيئة الامم المتحدة الضعيفة من قبل اعضائها والتي لا تتخطى قراراتها الشجب والاستنكار والاسف والتهدئة وغيرها من الكلمات المجترة طالما يملك مجلس الامن استخدام القوة متى يشاء زمانا ومكانا ولا يأبى او يلتزم بتوصيات هذه الهيئة وقرارتها . كما يعاب على الفيتو تعارضه مع ابسط القواعد الاساسية التي يجب توافرها في الانظمة الديمقراطية منها ان الدول الخمس الدائمة العضوية لم تنتخب ديمقراطيا ولم تصوت على وفق نظام الاغلبية المعروف واستخدام الفيتو بشكل غير عادل من قبل امريكا في القضايا العربية والتحيز الواضح للكيان الصهيوني . وقبل سنوات ظهرت اصوات تطالب بتعديل نظام الامم المتحدة ومنها توسيع تشكيلة المجلس بإضافة دولا اخرى منها البرازيل واليابان والمانيا وامريكا الجنوبية ومن يمثل افريقيا شرط عدم المساس بمبدأ الفيتو ومع ذلك لم توفق هذه الاصوات لحد الان . واصواتا اخرى تطالب بإلغاء حق الفيتو وانشاء نظام اكثر شفافية وتوازن وديمقراطية لان هذا النظام يضعف ويقوض نزاهة الامم المتحدة ومصداقيتها في حل النزاعات الدولية .الا ان هناك من يدافع عن حق الفيتو بحجة ان النظام العالمي حاليا لا يتسع او يشجع على اقامة نظاما ديمقراطيا يفصل بين سلطات المجلس التشريعي العالمي والجهاز التنفيذي والجهاز القضائي لا سباب سياسية وعسكرية دولية.
وتشير الاحصائيات الدقيقة ومنذ تأسيس الامم المتحدة ومجلس امنها العتيد وحتى عام (2015 ) ان الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا حاليا استخدمت حق الفيتو (103 ) مرة وامريكا (79 ) مرة وانكلترا ( 29) مرة وفرنسا (16) مرة والصين ( 9) مرات ولأغراض مصلحية نفعية بحتة . ومن يستعرض قرارات هذا المجلس يتيقن ان القضايا المصيرية في العالم العربي لم ينصفه المجلس بل اضر اضرارا بليغا بمصالحه المشروعة وحقوقه المسلوبة وما يحدث في فلسطين حاليا وفي العراق وليبيا واليمن وسوريا واقطارا اخرى من معارك وقتال دون ان يفعل هذا المجلس المتحكم في النزاعات الدولية شيئا. بل تصارعت على الساحة العربية كلا من امريكا وروسيا وايران واسرائيل بهدف السيطرة ونهب ثروات وموارد العرب واستمرار الصراع لسنوات وكان دور مجلس الامن و حق الفيتو فيه هو لغرض التصعيد وتأجيج القتال . لقد آن الاوان استثمار موارد الوطن العربي ومنها النفط وموقعه الجغرافي في تغير سياسة من يمتلك حق الفيتو اتجاه مصالح العرب وحقوقهم المشروعة . وسيبقى العرب في محطات الانتظار إلى حين طالما لم يستثمر موارده الكبيرة وثرواته الهائلة ويحسن توظيفها في خدمة أهدافه الطموحة في استرداد حقوقه المشروعة .