حركة القوميين العرب
تأليف الدكتور عامر الدليمي، عضو اللجنة القانونية
عرض المستشار سعيد النعمان، عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
أن الكتابة عن الحركات والتنظيمات السياسية أمانة ثقيلة يجب إيصالها للقاري بشكل محايد وقد فعلها الكاتب بمصداقية وكفاءة نادرة يشكر عليها وحسنا فعل عندما تناول حركة القوميين العرب إحدى أبرز الحركات تأثيرا في تاريخ المجتمع العربي. لذلك قررت أن أبحر في أعماق مضامين هذا الكتاب القيم في عالم السياسية والتنظيم دون الإطالة.
ففي المقدمة تناول الدكتور الدليمي حركة القوميين العرب من حيث التكوين والنشأة والفلسفة في العمل السياسي والتنظيمي (التاريخ والهوية والمصير) وتوسع في التحليل والنقد والمقارنة والظروف الخفية والمعلنة التي مرت بها الحركة. وما تعرضت لها من اعتداءات وتآمر من القوى المعادية وبأساليب ممنهجة وإستراتيجية عدائية طويلة الأمد مع أنها تبنت الفكر القومي المثالي وأثبتت بأن لها دورا فاعلا ومؤثرا في دول المشرق العربي وعلى سبيل المثال العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وبعضا من دول الخليج العربي. وضمت الحركة رواد وقادة من المفكرين والمثقفين والأكاديميين والشعراء والأدباء وقادة عسكريين.
وتطرق الكاتب إلى المنظمات التي تبنت الفكر الوحدوي الناصري في زمن الراحل جمال عبد الناصر الذي رأت فيه القائد والزعيم القادر على تحقيق التحرر والوحدة والخلاص من القوى الاستعمارية. وبعد ذلك دخلت الحركة في خلافات فكرية وسياسية وأسست لها فروعا وتنظيمات وذكر الكاتب أن دخول الحركة في خلافات مع حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يمسك بالسلطة في عدد من الأقطار العربية أدى إلى أضعافها. ويشير الكاتب إلى أن الحركة كانت متوافقة فكريا وعمليا مع الراحل عبد الناصر وأيدته في معاركه القومية.
لقد أعتمد الدكتور عامر في هذا الكتاب على _ كتابات مفكري ومثقفي منظمة حركة القوميين العرب _ وعلى النشرات والبيانات التي أصدرتها كأدلة توثيقية من أرشيفها التاريخي السياسي والتنظيمي في عملها القومي ـ وأجرى مقارنة وتحليل ونقد للأحداث التي مرت عليها خلال عملها القومي.
ويستعرض الكاتب نشوء الحركة وفلسفتها في بعض القضايا المطروحة في الساحة العربية وبالذات القضية الفلسطينية، وحركة المقاومة، والتحول الفكري، والطبقي. واعتمد الكاتب على مقالات ودراسات كثيرة تم التداول بها على منصات التواصل الاجتماعي بسبب ندرة البحوث والدراسات التي كتبت لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه.
ينتقل الدكتور المؤلف إلى عنوان بداية نشاط وظهور التيار القومي الناصري حيث شهد الوطن العربي منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر حركات ذات طابع قومي كرد فعل على سيطرة العثمانيين لتحرير الفكر العربي من الانعزال والسيطرة العثمانية. وفي تلك الفترة انتقلت الحركات القومية بأحياء التاريخ العربي ومجد الأمة من خلال قيمها وآدابها وبعث تراثها الفكري وتم تأسيس جمعيات عربية وطنية علنية وسرية وتجلى نشاطها في انعقاد المؤتمر العربي الأول في باريس عام (1913) وبمبادرة من الجمعية العربية (الفتاة) الذي أشرف على إدارته حزب اللامركزية الإدارية وحضره جمهور من المثقفين العرب ومن المقيمين والطالب في باريس.
ثم يستعرض الكاتب الأنشطة السياسية والثقافية للمنظمات والجمعيات العربية ومن بينها ـ المنتدى الأدبي ـ حزب اللامركزية الإدارية العثماني ـ الجمعية القحطانية ـ الجمعية العربية الفتاة ويشير الكاتب بأن هذه الجمعيات قدمت عطاء ثر وكبير في إغناء الفكر العربي القومي. وظهر من خلالها الكثير من المفكرين والمثقفين والدعاة لإحياء فكرة القومية العربية وتطوير الوعي القومي العربي وأبرزهم: ساطع الحصري أبو خلدون ـ زكي الارسوزي ـ ميشيل عفلق ـ قسطنطين زريق ـ عصمت سيف الدولة ـ ادوارد سعيد ـ صالح الدين البيطار ـ جورج طرابيشي ـ جورج حبش ـ منيف الرزاز ـ نايف حواتمه ـ أكرم الحوراني ـ محسن إبراهيم ـ باسل الكبيسي ـ اليأس فرح ـ أحمد الخطيب ـ محمد صديق شنشل ـ عبد الرحمن البزاز ـ سعدون حمادي .
ولم يكتف الكاتب بذكر الأسماء حيث أبحر بسفينته المبدعة ليجول ويصول في أعماق نضال وهوية كلآ منهم الحياتية والنضالية ومؤلفاته الغزيرة التي تركت أسمى صفحات الفكر العربي الذي تطور من خلال ثقافتهم الرائدة وعقولهم النيرة في ترسيخ مبادئ القومية العربية وتطورها. وفي صفحة (47) وتحت عنوان )الحرب العالمية الثانية وتداعياتها على المنطقة العربية ) تناول الدكتور الدليمي هذه المرحلة ليؤشر وقوف عدد من البلدان العربية الى جانب الحلفاء ، ووقعت بريطانيا معاهدة مع العراق عام 1930 م التي تمنحها أقامة قواعد عسكرية .
وخلال الحرب قام رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني بثورة 1941 ضد بريطانيا إلا أن البريطانيين قضوا عليها. ومن مساوئ الحرب العالمية الثانية نكبة فلسطين التي أشغلت العرب الذين منحوا لهذه القضية طاقاتهم التي لم تثمر شيء لا بل تراجعت طموحات العرب في عدوان الصهاينة واجتياح كل فلسطين.
ثم يستعرض الكثير من الأحداث المرة التي مرت على العرب وأجهضت تطلعاتهم وينهي الكاتب الأحداث بعنوان نكبة فلسطين والموقف منها وبالتفصيل بعدد من الصفحات لينتقل إلى عنوان (الجذور التاريخية لتأسيس حركة القوميين العرب (فيبدأ بمراحل التأسيس حيث كان لنكبة فلسطين (1948) نقطة تحول حاسمة في الأوضاع العربية حيث شكلت كتائب الفداء العربي الذي خصص لها الكاتب صفحات عدة وكذلك جمعية العروة الوثقى وهيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل.
ثم ينتقل الكاتب إلى إعلان تأسيس حركة القوميين العرب وعنوان آخر علاقة حركة القوميين العرب مع الراحل عبد الناصر والحركة الناصرية فأبدع وأجاد في التحليل والتعقب والوصف الأمين لإحداث هذه العلاقة. أتركها للقارئ كي يقف على مواقف وأراء أطرافها كما أشار إليها الدكتور وبحيادية وأمانة وبمنتهى المصداقية فتحية لكاتبنا الراقي والذهبي.
ثم ينتقل الكاتب في مجال الفكر إلى عنوان فلسفة الفكر السياسي لحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( فرع فلسطين ) ليتطرق إلى عناوين وتحت أيجازات ورأي وبيان فيبدأ ـ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والكيان الصهيوني ـ والجبهة والرأسمالية والرجعية العربية ـ والجبهة وأصدقائها من وجهة نظر طبقية في الساحة الفلسطينية والعربية ـ والجبهة والبرجوازية الصغيرة على صعيد الشعب الفلسطيني ـوالجبهة والبرجوازية الفلسطينية الكبيرة والجبهة وموقفها من الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي ـ ثم يتناول الفلسفة الإستراتيجية التنظيمية والعسكرية لحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين / فرع فلسطين .
ثم تتجه بوصلة الكاتب إلى مبادئ وأسس الفلسفة الإستراتيجية السياسة والتنظيمية لحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ والجبهة وموقفها من العراق بعد عام 1968 م. لقد كرس الكاتب صفحات فكرية وتحليلية نتج عنها الكثير من الأفكار والمواقف الشجاعة في مجال التنظيم نظريا وعمليا. ثم يسلط الضوء على الجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين وكذلك على منظمة الاشتراكيين في لبنان وفي الكويت وفي اليمن والبحرين وسلطنة عمان وثورة ظفار وفي موريتانيا وفي ليبيا وفي سوريا.
ثم يتناول الحركة والتيار العروبي في السودان. وأبدع حينما وصف أنشطة وممارسات الحركة في العراق الصغيرة والكبيرة وعلق عليها بحيادية عالية من خلال معايشته أكثر أحداثها. ثم ينتقل الدكتور الدليمي الى عنوان حزب العمل الاشتراكي العربي ففي نيسان عام 1970 جرى تحول في الأيدولوجيات والفكر السياسي والتنظيمي للحركة الذي أثر على اهتزاز في تنظيماتها في الأقطار العربية التي كانت ترتبط بقياداتها المركزية القومية إضافة إلى انشقاقات أضعفت نشاطها القومي في ساحات معينة ويذكر الكاتب مقررات قيادة الحركة ومن بينها تبديل اسم الحركة إلى أسم حزب العمل الاشتراكي ويستعرض بالتفاصيل المبررات التي أدت إلى هذا التبديل بالمقارنة مع الماركسية كسياسة نظرية واجتماعية.
وخصص الكاتب عددا من الصفحات لهذا العنوان ويستمر ليوضح المقومات الفكرية لشعار حزب العمل الاشتراكي العربي بدأ بالتحرر في فكر الحزب والتي هي مرحلة التحرر ومراحل الثورة الاشتراكية وهي مترابطة معها ومكملة لها. ويتناول بعد ذلك الديمقراطية والوحدة العربية في فكر الحزب بالتفصيل
وفي مسك الختام يتناول أزمة الفلسفة الفكرية والتنظيمية لحركة القوميين العرب أوجزها باختصار شديد ـ لقد مرت الحركة بمراحل متعددة منذ تأسيسها والإعلان الرسمي عنها في عام 1959 في بيروت حيث ظهرت في البداية كمجموعة من الطلبة الثائرين ضد الكيان الصهيوني المارق والغاصب لأرض فلسطين ـ ووجدت الحركة بالرئيس جمال عبد الناصر وتطلعاته وأيمانه بالقومية العربية رائدا لطوحها ـ وبعد نكسة حزيران 1967ـ أدت النكسة إلى تخلي الحركة نهائيا عن عبد الناصر معتبرة الدعوة الناصرية تيار برجوازي ـ ثم أسس جورج حبش الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبهذا يعني نهاية التنظيم القومي لحركة القوميين العرب لتنظيم مركزي ـ أما الجبهة التي أسسها جورج حبش تعاملت مع خطط وتجارب أحزاب ماركسية بصيغة لفظية عندما أعلنت تبنيها للماركسية ـ ثم وقعت الجبهة في أكثر من خطأ عندما تحالفت مع النظام السوري ومع الاسلام الثوري في إيران ووقفت في خندق واحد ـ ضد حزب البعث وعندما كان حزب البعث في السلطة في العراق عام 1968 إذ كان يدعم الجبهة الشعبية بالمال والسلاح ـ وهذه التقلبات السياسية والفكرية ساهمت بشكل فاعل على البنية التنظيمية للجبهة الشعبية وأخذت مسارات مخالفة لمنهجها ومبادئها وأهدافها ـ وحتى أن عدد من الأحزاب التي كانت تعتبر أنها ناصرية وتنادي بالوحدة وتحرير فلسطين قد تبنت الاشتراكية واليسارية وتقاطعت معها إلى مستوى العداء مع أن هذه الحركات اليسارية العربية القومية لم تكن تبتعد عنها الأمر الذي أدى إلى نكسة العرب عام 1967.
أما بقية صفحات الكتاب فقد خصصها إلى طموح قوى اليسار العربي إلى حالة الرقي والتمدن كان عليها أن تنظر إلى مصالح الأمة العربية اذ إن الاصطفاف ضدها كان هو الحالة العامة. ويرى الكاتب الدكتور أن الفعل الحقيقي لعودة التيار القومي العروبي التحرري كتيار اشتراكي تقدمي وحدوي هو أمل جماهير الأمة العربية في التخلص من الاستعباد والاستغلال.
وينهي الدليمي كتابه بأنه لا يجوز أن ننسب الفشل إلى الأيدولوجيات، ولكن الفشل في التطبيق والممارسات ولا يجوز القول أو تناول فكرة فشل الحركة القومية كما يحلو للبعض والأعداء. لان التمسك بالفكر القومي المتجدد هو روح الأمة العربية مستقبلها الأكبر لها وعلى امتداد الوطن العربي الكبير.
وبهذا الإنجاز الكبير ارتقى الدكتور الدليمي إلى سلم المنجز رقم (21) من كتبه الرائدة التي حجزت لها مكانة مميزة في المكتبة العربية كي تكون أحد مصادرها الغنية التي يستقي منها طلبة الدراسات العليا لمن يرغب الكتابة عن حركة القوميين العرب.
كل الاحترام والتقدير للدكتور المؤلف لإهدائه نسخة من الكتاب للتعرف على نضال الحركات العربية ومواقف قادتها الذين تركوا بصمات في تاريخ هذه الأمة العريقة ونضال حركاتها وأحزابها وجماهيرها القومية التي تتطلع إلى مستقبل زاهر ينعم بالحرية والتقدم والرخاء بإذنه تعالى وتوفيقه.