جريمة ازدراء الاديان
الاستاذ صباح المختار ، نائب الامين العام للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات
تكرم احد الاساتذة المحامين من اللجنة القانونية للمنتدى العراقي للنخب والكفاءات بالإشارة الى قرار المحكمة الاوربية لحقوق الانسان باعتبار الاساءة للرسول محمد (ص) لا يمكن ادراجها ضمن حرية التعبير عن الراي. وقد ارتأيت ان اشارك في توضيح هذا الحكم وظروفه على اساس “التفكير بصوت عال”.
حرية الراي والمعتقد هي احدى حقوق الانسان الاساسية التي يحميها القانون الدولي ولكنها منصوص عليها صراحة في دساتير وقوانين اغلب الدول ومنها الاسلامية والعربية. احد الصعوبات الناتجة في هذا المجال هي تطبيق هذه الحرية فالدين الاسلامي مثلا لا يجيز للمسلم بان يرتد عن الاسلام وبذا تنعدم هذه الحرية. من الجانب الاخر هناك الاعتداء من غير حملة دين ما على دين او شعائر الاخرين وضرورة تقديم الحماية للطرفين. مرة اخرى يعتقد المسلمين ان الكتب المقدسة للمسيحية واليهودية محرفة ولكن من الجانب الاخر يرفضون اتهام الاخرين بعدم قدسية الرسول (ص) او القران الكريم.
الغرض من هذه النقطة هو بيان صعوبة معالجة موضوع ازدراء واهانة المعتقد ورموزه وذلك لازدواجية المعايير المستعملة من قبل المؤمنين بهذه الديانات وقد قصرتها على الديانات الابراهيمية ولكنها تسري على العلاقات مع بقية الديانات والفلسفات.
الامر الاخر الجدير بأخذه بنظر اعتبار هو ان المؤمنين بدين ما يريد تطبيق معايير دينهم على الديانات الاخرى ويفترضون في الغالب سوء النية لدى اتباع الديانات الاخرى. لاشك ان اليهودية لا تعترف بالإسلام ولا بالمسيحية والمسيحية تعترف بالدين السابق (اليهودية) ولا تعترف بالإسلام في حين ان الاسلام يعترف بالديانتين السابقة وان كان ينص على انها الان محرفة.
ورغم ان من المؤكد في راي الشخصي ان هناك عداء للدين الاسلامي والمسلمين عند غالبية الاوربيين منذ الحروب الصليبية لأسباب ليست دينية فقط وانما عنصرية ولكن من المفيد ان نفهم نحن المسلمين ان هناك اعداد هائلة من الاوربيين والامريكان الذين لم يعودوا يؤمنون بالأديان (جميع الاديان بما فيها المسيحية) وبالتالي إساءتهم للإسلام لا تقتصر على الاسلام وانما تنصرف الى دينهم انفسهم. وارى ان هناك عوامل ثقافية واجتماعية وحضارية تفرق بيننا وبينهم بحيث قد يصبح دافع الاساءة لا علاقة له بالدين.
هذه المقدمة قد تكون مفيدة لفهم قرار المحكمة الاوربية لحقوق الانسان
خلاصة القضية
خلال شهري تشرين اول وتشرين ثان عام 2009 قامت سيدة نمساوية بألقاء محاضرتين تحت عنوان (معلومات اساسية حول الاسلام) واشارت خلالها الى زواج النبي محمد من السيدة عائشة وهي طفلة عمرها ستة سنوات ودخل بها عندما بلغت التاسعة وقالت المتحدثة ان “محمد كان يفعلها مع الاطفال” وقالت ” حينما تقوم علاقة بين رجل بعمر 65 سنة وطفلة بعمر ستة سنوات الا يسمى ذلك (اعتداء جنسي على الاطفال) او اغتصاب قاصرة؟”
ونتيجة لشكوى ضد هذه السيدة اصدرت محكمة فينا الجنائية بتاريخ 15/2/2011 حكما ضد السيدة وفرضت عليها غرامة مالية. وصادقت المحكمة الاستئنافية على الحكم في كانون اول من نفس العام. قدمت هذه السيدة طلبا الى المحكمة العليا لإعادة النظر ولكن المحكمة ردت الطلب في 11 كانون اول عام 2013..
واستنادا الى الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان طلبت هذه السيدة من المحكمة الاوربية في 6/6/2012 النظر في هذه القضية باعتبار ان قرار المحاكم الوطنية النمساوية جاء مخالفا لإحكام المادة العاشرة والخاصة بحرية التعبير عن الراي.
خلاصة القرار:
المدعية ترى ان قرار المحاكم الوطنية (النمساوية) لم يأخذ بنظر الاعتبار حقها في التعبير عن رايها بحرية ولم يستند الحكم على الوقائع وانما كان اعتباطيا وليس موضوعيا.
وكذلك فأنها لم تنوي الاساءة للإسلام وانما كانت لتوسيع المناقشة العامة حول موضوع التعدي الجنسي على الاطفال . ولم تنوي اهانة محمد واخيرا فان على جميع اتباع الديانات المختلفة قبول فكرة نقد دينهم من قبل اي كان.
في حين رات المحكمة ان من يطالبون بحقهم في العبادة والتدين وفق المادة التاسعة عليهم في الوقت ذاته ان يقبلوا حق الاخرين في حرية الراي والانتقاد شريطة ان لا يتجاوز الراي والانتقاد الحدود ليصل الى درجة التحريض على الازدراء. وفي تلك الحالة على القضاء أن يتدخل ليبين عدم تناسب حرية التعبير مع حرية التدين والعبادة والعقيدة ويضع القيود المناسبة لمنع ذلك.
رات المحكمة ان هذا الموضوع له حساسية خاصة وان العبارات التي استعملت كانت مسيئة ضمن الظروف الخاصة بها. ولذا ترى المحكمة ان القضاء الوطني لديه صلاحية واسعة في هذه القضية حيث هو الاقدار على تقييم الاثار السلبية في ذلك البلد.
وقد تناول الحكم الفرق بين ما يمكن استئنافه وهو الجانب القانوني فقط اما جانب الحقائق التي وضعت امام القضاء فهو امر غير قابل للاستئناف. وقد لاحظت لمحكمة الاوربية التفصيل الذي ورد في حكم المحكمة النمساوية واخذها بظر الاعتبار وبصورة موضوعية كافة ادعاءات المدعية ووجدت ان ما قالته لمدعية لم يكن في الصالح العام بل سبب شعورا بالأذى لدى المسلمين يمكن قبوله وفهمه وانما لا يمكن تفسيره الا انه يهدف الاساءة لاتباع الدين باتهام نبيهم بانه (مغتصب اطفال)
لذا لا ترى المحكمة سببا للاختلاف مع قرار المحكمة الوطنية حيث ان المحاكم الوطنية اخذت بنظر الاعتبار احكام المادة العاشرة ووزنته مع حرية التعبير عن الراي. كما ان الغرامة التي فرضتها المحكمة الوطنية كانت ضمن الحد الادنى ولا تتناسب مع الاساءة التي وجهتها للدين الاسلامي وبالتالي لم يخالف الحكم النمساوي احكام المادة العاشرة.
درس مستفاد:
على الذين يطالبون بالحقوق ان لا ييأسوا وان يستمروا بالمطالبة بالحقوق (المحاضرة عام 2009 والقرار النهائي 2018) اي تسعة سنوات من التقاضي والنفقات والجهد للمطالبة بحرية التعبير.
ملاحظة اخيرة
امل ان لا ينصرف “التفكير بصوت عال” الى المعطيات الدينية او التاريخية فهي ليست موضوعنا وكذلك ارفق هذا الموضوع باللغة الانكليزية حسب طلب السيد رئيس اللجنة القانونية.
صباح المختار
24/3/2019
روابط مفيدة في هذا المجال
https://raseef22.com/article/6804-blasphemy-laws-in-the-arab-world
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=498209&r=0