المكانة المميزة للمحامي في تحقيق العدالة والحريات
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
المقدمة
المحاماة (مهنة حرة تساهم مع القضاء في تحقيق العدل وترسيخ سيادة القانون ) والملفت للنظر أن ميثاق الأمم المتحدة أكد على أيجاد ظروفا وقواعد ومواثيق ومبادئ وقوانين وأنظمة تسمو بها هذه المهنة للحفاظ على تحقيق العدالة الدولية والوطنية . ومقاصدها في تعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة والأساسية دون أي تميز بسبب الدين أو الجنس أو اللغة إلى غير ذلك . كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أفترض البراءة والحق في محاكمة عادلة منصفة ومستقلة وتوفير الضمانات للدفاع عن الأشخاص الذين توجه لهم التهم الجنائية . كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يؤكد أن تجري المحاكمة دون تأخير. كما أن العهد الدولي وأن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يشير إلى التزام الدول بتعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات والعمل بها . كما أن هناك مبادئ خاصة بتوفير الحماية للأشخاص الذين يتعرضون للاحتجاز أو السجن لهم الحق في الحصول على المساعدة القانونية من المحامين والاتصال بهم والحصول على المشورة . وكذلك الحال بالنسبة للسجناء على وفق المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن إعلان مبادئ العدل المتعلقة بضحايا الإجرام وإساءة استعمال توصي بتدابير تتخذ على الصعيدين الدولي والوطني لمساعدة ضحايا الجريمة وحصولهم على معاملة منصفة وإعادة حقوقهم وتعويضهم وكذلك الخدمات القانونية التي يقدمها المهنيون وقانونيون . وتم التأكيد على الحكومات في أطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية أن تراعي وتحترم المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين وخلاصة لهذه المواثيق والعهود والمبادئ ـ لكل شخص الاستعانة بالمحامين للحصول على الخدمات القانونية وطلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها والدفاع عنه في جميع الإجراءات الجنائية ـ تضمن الحكومات توفير إجراءات فعالة واليات قادرة على الاستجابة تتيح الاستعانة بالمحامين وعلى قدم المساواة لجميع الأشخاص ـ تكفل الحكومات توفير التموين الكافي والموارد الأخرى لتلبية الخدمات القانونية للفقراء وغيرهم من الأشخاص المحرومون وتتعاون الرابطات المهنية للمحامين في تنظيم وتوفير الخدمات وغيرها ـ تروج الحكومات والرابطات المهنية للمحامين للبرامج التي تهدف إلى أعلام الجمهور بحقوقه وواجباته على وفق القانون أو طلب مساعدة المحامين .
المبادئ والعهود والمواثيق
في الضمانات الخاصة بالعدالة الجنائية تضمنت المبادئ والعهود والمواثيق إلزام الحكومات . أولاً ـ ضمان قيام السلطة المختصة فورا بإبلاغ جميع الأشخاص بحقهم في أن يتولى تمثيلهم ومساعدتهم محام يختارونه عند القبض عليهم أو احتجازهم أو أإيداعهم السجن .
ثانياً ـ الحق للأشخاص الذين ليس لهم محامون أن يعين لهم محامون من ذوي الخبرة والكفاءة لتقديم لهم المساعدة القانونية دون دفع أي مقابل .
ثالثاً ـ تكفل الحكومات لجميع المقبوض عليهم أو المحتجزين بتهمة جنائية أو بدون ذلك أمكانية الاستعانة بمحام فورا أو خلال مهلة لا تزيد على ثمان وأربعين ساعة من وقت القبض عليهم.
رابعاً ـ توفر لجميع المقبوض عليهم والمحتجزين والمسجونين أوقات وتسهيلات تكفي لأن يزورهم محام دونما أبطاء ولا تدخل ولا مراقبة من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ولكن ليس تحت سمعهم.
وفي مجال تدريب المحامين على الحكومات والرابطات المهنية للمحامين أن تكفل توفير تعليم وتدريب ملامين للمحامين والمؤسسات التعليمية عدم خضوع أي شخص يريد دخول مهنة القانون أو الاستمرار في ممارستها لأي سبب كان ويستثنى من ذلك شرط كون المحامين من رعايا البلد المعني لا يعتبر تمييزا. في البلدان التي لا توجد فيها جماعات أو جاليات أو مناطق لا تلبي احتياجاتها من الخدمات القانونية ينبغي .على الحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية أن تتخذ تدابير خاصة للمرشحين فرص الالتحاق بمهنة القانون .
واجبات ومسؤوليات المحامين
يحافظ المحامون في جميع الأحوال على شرف وكرامة مهنتهم باعتبارهم عاملين أساسيين في مجال إقامة العدل وتتلخص واجباتهم تجاه موكليهم ـ إسداء المشورة للموكلين فيما يتعلق بحقوقهم والتزاماتهم القانونية ـ ومساعدة موكليهم بشتى الطرق الملائمة ـ ومساعدتهم أمام المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها والسلطات الإدارية وحسب الاقتضاء ـ كما يسعى المحامون إلى حماية حقوق موكليهم وإعلاء شؤون العدالة والتمسك بحقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها القانون الوطني والدولي ـ يلتزم المحامون بمصالح موكليهم بصدق وأمانة ووفاء وولاء .
وفي ضمانات أداء المحامين لواجباتهم تكفل الحكومات ـ القدرة على أداء جميع أعمالهم المهنية دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق ـ الانتقال إلى موكليهم والتشاور معهم بحرية داخل البلد وخارجه ـ عدم تعرضهم للتهديد أو الملاحقة القانونية والإدارية والاقتصادية نتيجة قيامهم بعمل يتفق ومعايير وأدأب المهنة جراء تأينهم أعمالهم ـ توفر السلطات ضمانات حماية كافية للمحامين أذا تعرض أمنهم للخطر من جراء تأديتهم لواجباتهم ـ لا يجوز نتيجة أداء المحامين لمهامهم أخذهم بجريرة موكليهم أو بقضاياهم ـ أمكانية ضمان اطلاع المحامي على المعلومات والملفات الخاصة بالدعوى الموكل بها ـتكفل الحكومات وتحترم سرية جميع الاتصالات والمشاورات التي تجري بين المحاميين وموكليهم في أطار علاقته المهنية. للمحامين الحق في حرية التعبير وتكوين الرابطات والانضمام إليها وعقد الاجتماعات والتصرف وفقا للقانون ـ للمحامين الحق في تشكيل رابطات مهنية تمثل مصالحهم ومواصلة تعليمهم وتدريبهم وحماية نزاهتهم المهنية ـ تتعاون الرابطات المهنية للمحامين مع الحكومات لضمان حصول كل فرد على الخدمات القانونية بطريقة فعالة متسمة بالمساواة.
وإما في مجال الإجراءات التأديبية . يضع العاملون في المهن القانونية مدونات للسلوك المهني للمحامين تتوافق مع القانون والعرف الوطني والقواعد الدولية المعترف بها ـ يتم النظر في التهم أو الشكاوى ضد المحامين بصفتهم المهنية على وجه السرعة وبصور منصفة ويكون لهم الحق في اختيار محام لمساعدتهم ـ تقام الإجراءات التأديبية ضد المحامين أمام لجنة تأديبية محايدة يشكلها العاملون في مهنة القانون أو إمام (سلطة قانونية مستقلة أو أمام محكمة تخضع لمراجعة قضائية مستقلة) ـ جميع الإجراءات التأديبية تجري وفقا لقواعد السلوك المهني وأدأب مهنة المحاماة .
نقابة المحامين العراقيين
منذ صدور قانون نقابة المحامين رقم (61 لسنة 1933) الذي الغي كافة القوانين والأنظمة ذات العلاقة بمهنة المحاماة حيث نصت المادة (6 /2) (تؤسس بحكم هذاالقانون نقابة للمحامين يكون مركزها العاصمة وعندئذ يكون جميع المحامين في العراق منتسبين إلى النقابة ) وفي ذات المادة الفقرة 3 (على أنه لا يسوغ لأي شخص كان أن يتعاط المحاماة أمام أي محكمة في العراق أذا لم يكن عضوا في النقابة ويحصل على أجازة خاصة تمنحها إياه نقابة المحامين لتعاطي المحاماة ) وتطورت المهنة وتصدرت المهن الأخرى كما ونوعا وصيغت بشأنها قوانين وأنظمة وتعليمات نافذة وملزمة. وكان للنقابات ومجالسها المتعاقبة التي ترأستها شخصيات بارزه مثقفة في مجال القانون والسياسة أجمع عليها المحامون بانتخابات حرة ونزيهة وبأشراف قضائي وأستمر العمل النقابي الدءوب للدفاع عن حقوق الموكلين وغيرهم وتجاوزت النقابة وبدعم من المحامين الشكليات والعقبات التي كانت تقف إمام ممارسة مهنتهم الإنسانية . كما كان للمحامين دورا مميزا في معظم الانتفاضات الشعبية والثورات في تاريخ العراق القديم والحديث فهي تمتلك تاريخ نضالي وطني وقومي عربي أصيل قدمت من خلاله الكثير من الشهداء.
لقد تضمنت قوانين المحاماة واجبات وأخلاقيات وأدأب ومبادئ المهنة ومسؤولية المحامي المدنية عن إفشاء سر المهنة والحصانة التي يتمتعون بها بموجب قوانين أذكر منها (قانون رقم 15 لسنة 1964 وقانون رقم 17 لسنة 1965 وقانون رقم 1 لسنة 2007) وعددا من اللوائح والأنظمة والتعليمات التي تنظم عمل المحاماة . والذي يطلع على القوانين أعلاه سيجدها منسجمة ومتوافقة تماما مع ما ورد في المبادئ والعهود والمواثيق الدولية أن لم تكن قد تفوقت عليها . وتشير جداول الإحصائيات أن غدد المحامين بلغ ( 109 ) عند أجراء أول انتخاب للنقابة في حين بلغ عددهم مع بدايات 2023 (68537) باستثناء محامون إقليم كردستان للحكم الذاتي الذي نظم عملهم بموجب القانون رقم 17 لسنة 1999 المعدل الذي عرف المهنة بأنها ( مهنة نبيلة لإحقاق الحق وإقامة العدل القضائي )
المقترحات
أولاً ـ ضرورة الإسراع في مناقشة مشروع قانون المحاماة الجديد المرسل إلى مجلس النواب ومنذ عام 2018 مع الأخذ بنظر الاعتبار المستجدات والتطورات التي واكبت ممارسة هذه المهنة فليس من المقبول والمعقول أن يركن المشروع على رفوف اللجنة القانونية طيلة هذه المدة .
ثانياً ـ إصدار تعليمات ملزمة متفق عليها بين مجلس القضاء الأعلى ووزارتي العدل والداخلية بالسماح لحضور المحامي إجراءات التحقيق الابتدائي وجمع الأدلة أن كان وكيلا عن المتهم . والاطلاع على الدعوى بعد أنجاز التحقيق فيها أن لم يكن وكيلا عن المتهم ليقرر التوكل أو عدم التوكل .
ثالثاً ـ منح الحق للمحامي المطالبة باستدعاء شهود أثبات أو نفي أثناء التحقيق والمحاكمة وأي أجراء أضافي للدفاع عن موكله حيث يلاحظ أن المحكمة غالبا ما ترفض الطلب بحجة تأخير حسم الدعوى .
رابعاً ـ تشديد العقوبات على الجرائم التي تقع على المحامين واعتبارها أحدى الظروف المشددة الواردة في المادة ( 135) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته .
خامساً ـ على النقابة متابعة تطبيق نظام منح صلاحيات المحامين والتي هي خمسة أصناف (محام متمرن .أ . ب. ج. مطلقة ) وأعلام كافة قضاة المحاكم بوجوب ملاحظة الصلاحية .
سادساً ـ لأبد من حصول موافقة النقابة على أجراء التحقيق والإحالة على المحكمة في الجريمة المرتكبة من فبل المحامي المتهم بجريمة لها علاقة بالمهنة أو بسببها .
سابعاً ـ نوصي النقابة بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي بشأن القبول العشوائي والكيفي دون مراعاة نسب القبول والمعدلات في الكليات الأهلية للحقوق ووضع ضوابط وشروط للحد من هذه الظاهرة التي في تزايد مستمر .
ثامناً ـ نقترح على النقابة صياغة مشروع قانون حماية المحامي أسوة بقانون حماية الأطباء وقانون حماية المعلمين والمدرسين والمشرفين التربويين من الاعتداءات والمطالبات العشائرية والابتزاز جراء قيامهم بواجباتهم المهنية .
تاسعاً ـ أعادة النظر في نظام انتداب المحامي ليشمل نسبة عالية من المحامين وشمول الدعاوى المدنية وفي دور التحقيق والمحاكمة وزيادة أجور الانتداب والعدالة في توزيع الدعاوى .
المصادر
ـ لجنة حقوق الإنسان المادة (14) المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية في محاكمة عادلة 2007
ـ قرار الجمعية العمومية العامة 187 /97 كانون الأول ( 2012)
ـ إعلان استقلال ونزاهة السلطة القضائية واستقلال مهنة المحاماة.8/ 44 في 14 تموز 2020
ـ مبادئ أساسية بشأن دور المحامين ـ الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ـ مكتب المفوض السامي
ـ لائحة أدأب مهنة المحامين العراقيين عند مباشرته لمهنته
ـ واجبات المحامي التي فرضتها تعليمات السلوك المهني لسنة 2016
ـ مذكرة نقابة المحامين بخصوص الدعاوى الحكومية وتوزيعها على المحامين طبقا لأحكام قانون المحاماة رقم (173 لسنة 1965 )
ـ مقالات نشرت لنا على موقع المنتدى العراقي للنخب والكفاءات ذات صلة بهذه الدراسة . عالم المحاماة . القضاء الواقف . المحاماة مهنة الشجعان . نقابة المحامين . مهنة المحاماة . انتداب المحامي . مبدأ استقلال مهنة المحاماة