القتل الخطأ
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
المطلع والمتابع للتعديلات التي طرأت على قانون العقوبات رقم (111 لسنة 1969 ) وبالذات المواد الخاصة بفرض العقوبات على جرائم الجنايات والجنح . سيجدها محدودة بالنسبة للتشديد او التخفيف على الرغم من مرور خمسين سنه على صدور هذا القانون. وفي جريمة القتل الخطأ بقي نص المادة (411 ) صامدا بفقراته الثلاثة على حالها ولم يطالها التعديل الا مرة واحدة بالنسبة للغرامات . هذه المادة تضمنت عقوبة القتل الخطأ . لنرى ما تضمنته فقراتها (1) كل من قتل شخصا خطا او تسبب في فتله من غير عمد وان كان ذلك ناشئا عن اهمال او رعونة او عدم انتباه او عدم احتياط او عدم مراعاة القوانين والانظمة والاوامر يعاقب بالحبس او الغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين (2) الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على خمسمائة او بإحدى العقوبتين اذا وقعت الجريمة نتيجة اخلال الجاني اخلالا جسيما بما تفرضه عليه وظيفته او حرفته او مهنته او كان تحت تأثير مسكر او مخدر او نكل عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة (3) تكون العقوبة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات اذا نشا عن الجريمة موت ثلاث اشخاص او اكثر فاذا توفرت احدى الظروف في اعلاه تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس . هذه هي مضامين المادة اعلاه .ان المشرع في صياغة هذه المادة كان موفقا في حينه لقلة جرائم القتل الخطأ غير المقصود اما الغرامات تم تعديلها بموجب قانون التعديل رقم (6 لسنة 2008 ) في حين بقيت العقوبات على حالها دون تشديدها فقد تكون مناسبة عند صدور القانون . الا ان بقاء العقوبات طوال هذه المدة دون تشديدها امرا غير مقبول اطلاقا وضارا وينذر بتصاعد هذه الجريمة . ان التطور الهائل في صناعة المكائن والآلات ووسائط النقل البرية والنهرية وغيرها التي تستخدم نجم عنها زيادة كبيرة جدا في وقوع جرائم القتل الخطأ بسبب عدم الحيطة والحذر وسوء الاستعمال .وان الاحصائيات الدقيقة في سجل هذه الجريمة اصبح مخيفا كما ونوعا. ان جريمة غرق العبارة في نهر دجلة في الموصل واستشهاد عوائل بأكملها دق ناقوس الخطر العاجل لا جراء تعديل على هذه المادة صياغة وتشديدا بما ينسجم وجسامة الخطأ فهذه الجريمة لم تقع بالصدفة او قضاء وقدر او نتيجة قوة قاهرة بل وقعت نتيجة تعدد اخطاء جسيمة مجتمعة وبفعل فاعلين . اما التهديد والوعيد والتصريحات من قبل رجالات السلطة بإيقاع اشد العقاب لمرتكبي هذه الجريمة وزياراتهم الميدانية لمكانها تباعا بهدف ترطيب الخواطر وتخفيف حدة الغضب لا يجدي نفعا فقد شجبها المصليون بالرفض والاستنكار وطردوهم بالقوة ومنعوهم من المتاجرة بدم الشهداء وكسب رضى ذويهم . ان على وسائل الاعلام توخي الدقة والحيادية عند تغطية وقائع الجريمة وايصال الحقائق كما هي وان لا تتطرق الى الادلة فقد تؤثر على اجراءات التحقيق والمحاكمة سلبا او ايجابا . ان احالة الجناة على المحكمة من غير الموظفين وفقا للمادة (411) بدلالة المادة (416 ) بعد اكمال التحقيق وتوفر الادلة وعدم وجود قصد جنائي مبيت اما الموظفون منهم فيحالون وفقا للمادة (341) من قانون العقوبات والتي عدلت بموجب قانون التعديل رقم (8) لسنة 1984. وان الاخذ بالظروف المشددة الواردة في المادة (135) من قبل المحكمة قد يكون هو التكيف القانوني الملائم لهذه الجريمة كما نرى انه (مجرد راي) يحتمل الخطأ والصواب مع ضرورة الاسرع بحسم الدعوى تحقيقا ومحاكمة ومتابعتها من قبل الادعاء العام بجدية واهتمام وإعطائها اهمية فصوى لان في تأخيرها اضرارا بالعدالة وضياعا للحقوق . واخيرا فعلى مجلس النواب ان يسرع بتعديل هذه المادة بتشديد العقوبة وزيادة الغرامات وحسن صياغتها وان يتابع بجدية تطبيق القوانين بين فترة واخرى ويشكل لجنة دائميه لمعرفة درجة تطبيقها كي يعالج الثغرات التي قد تظهر عند التطبيق .