العدالة المطلقة والعدالة النسبية
العدالة المطلقة والعدالة النسبية
المستشار: سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يقصد بالعدالة المطلقة هي العدالة الإلهية بأسمى صورها وصفاتها الربانية وهي العدل الالهي الذي يشمل الماضي والحاضر والمستقبل وان هذه العدالة تحمل مواصفات الامانة والصدق اللامتناهي الذي وضع لها الله عز وجل قوانين ونظم مرنة تطبق على كافة المخلوقات زمانا ومكانا لا يتجرا إي إنسان او تشريع الاقتراب منها او التدخل فيها وهي تحوي مليارات الاحتمالات . وان بعضا من هذه الشمولية ذكرت في القران الكريم منها ( اقرا الحوار الذي جرى بين العبد الصالح الذي يمثل العدالة الالهية المطلقة ونبي الله موسى عليه السلام ) ( سورة الكهف الآية 64 الى الآية 82 ) .
إن العدل على الأرض نسبي وعدل السماء مطلق ودائم وابدي وان الله تعالى لا يقبل الظلم من احد على احد . وعندما يعجز الانسان كفرد ان ينال حقوقه بنفسه وتعجز القوانين فعليه ان يثق بعدل الله وميزانه الدقيق فمقابل العدل يوجد الظلم لذلك بعث الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء وانزل الرسالات لوقف الظلم والتعدي والاستبداد والفساد .
وإما العدالة النسبية من حيث المفهوم العام فهي تصور إنساني يركز على تحقيق التوازن بين افراد المجتمع من حيث منح الحقوق وتكليف الواجبات . وهي ايضا تعني العمل وفقا لمتطلبات العصر وروح القانون . وان المساواة هي المبدأ الاساسي لهذه العدالة على ان يتم التعامل مع الإفراد بالتساوي وبالطريقة ذاتها.
وإما أنواعها فهي كثر كالعدالة الاجتماعية والمصالحية والإجرائية والاقتصادية والقضائية والانتقالية وغيرها وان مقاصدها وأهدافها معروفة من خلال تسميتها . ويعترض تحقيق العدالة النسبية بعضا من الصعوبات والمعوقات منها غياب الحرية وعدم المساواة في توزيع الموارد والثروات وغياب فرص العمل وتراجع التعليم والافتقار الى الضمان الاجتماعي والى غير ذلك . كما إن للقرارات غير المنصفة التي تصدر من القضاء او الادارة او الافراد تودي إلى حصول خلل في نسب العدالة عند التطبيق تباعدا وتقاربا .
واذا كان مصطلح العدالة قد يرد في نصوص الدساتير والقوانين والانظمة دون الإشارة إلى النسبية لأنها غير مستقرة تخضع لعوامل واسباب ترافقها صعودا ونزولا . كما لا تتحقق هذه العدالة بنسب واحدة أثناء التطبيق لاختلاف المعايير في تطبيق القوانين بسبب تفاوت الفهم للنصوص وتباعد الروى وتنوع الاجتهاد واختلاف الرأي من حيث النظرة اليها الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق نسب متباينة من العدالة النسبية ومنها التي تطبق بحق الاطراف المتنازعة في حال حصول المصالحة والتراضي سواء من قبل القضاء او من يتولى ذلك والتي قد لا تعبرعن حقيقة وجوهر حقوق الاطراف كاملة .
ويرى البعض إن تسمية العدالة النسبية غير موفق لأن العدالة (عدالة ) وهي الخط المستقيم والعدل والميزان الذي يطبقه القضاء اومن يمتلك القرار طبقا للقوانين والدساتير النافذة فالعدالة لا تتجزأ . الا ان هناك من يؤيد مصطلح العدالة النسبية لأنه لا يوجد على الارض من يعلم الحقيقة المطلقة سوى الله وحده لذلك فالأحكام القضائية والاوامر والقرارات التي تصدر من الاعلى الى الادنى تكون نسبية وبدرجات قد تحقق العدالة النسبية بدرجة عالية عند حسن التطبيق وعمق التأمل والتأني ومعرفة الواقع والظروف المحيطة بها . وحتى في الوظيفة العامة بدرجاتها وعناوينها وفي القطاع العام و الخاص والمختلط وفي كل مناحي الحياة قد لا تتحقق العدالة النسبية كاملة لا نها ترتبط بالنظرة المختلفة لمن يمتلك القرار. وكذلك الحال بالنسبة لرب الأسرة فالعدالة بالنسبة إليه درجات والمفاضلة موجودة لديه في ادارة شؤون الاسرة .
واخيرا فان مصطلح العدالة المطلقة لا يملكها الافراد ولا يصلون اليها مهما بذلوا من جهد لا نها خارجة عن ارادتهم واختيارهم يختص بها الله سبحانه وتعالى الذي يسير هذا الكون والخلق بمشيته . وإما العدالة النسبية فهي من صنع وصياغة واختصاص البشر وصاحب القرار الذي يتولى إصداره في ضوء إمكاناته وقدراته في فهم المجتمع والظروف المحيطة به وأسلوب إدارة شؤونه وقد يصل بالعدالة النسبية إلى مستواها المطلوب عند حسن التطبيق .