الدستور العراقي والعدالة الاجتماعية
الدستور العراقي والعدالة الاجتماعية
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
تعرف العدالة الاجتماعية بأنها نظام اجتماعي واقتصادي قائم على اسس وقواعد الهدف منه ازالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع وان الفكرة تكمن في ان هذه العدالة تسود المجتمع في كل متطلبات حياته وتوفر احتياجاته ومستلزمات عيشه الكريم . فهي ليست عدالة قانونية او قضائية او انتقالية فحسب بل انها التعامل العادل والمنصف للكافة ومشاركة في موارد وثروات المجتمع وتسمى احيانا بالعدالة المدنية .
والعدالة الاجتماعية لا تقارن مع العدالة القانونية او القضائية او الادارية والانتقالية وغيرها لا نها تشمل الكل وتجسد طموحات الدولة الانسانية والمدنية وهي ليست عدالة تطبق نصوص الدستور والقوانين شكليا فحسب بل هي التطبيق الموضوعي المرن الذي يحقق معاملة عادلة ومشاركة تضامنية في خيرات وموارد الدولة وهي أيضا تحقق المنفعة الاقتصادية وأعاده توزيع الدخل القومي والثروات وتكافؤ الفرص في التعليم والرعاية الصحية وصناعة حياة كريمة للمجتمع بعيدا عن الظلم والكراهية والانتقام .
اما معوقات هذه العدالة فمنها غياب الدولة وتفشي الظلم والفساد وعدم توزيع الدخل القومي بين افراد المجتمع بالتساوي وفقا للاستحقاق وعدم المساواة في توزيع الخدمات الصحية والاجتماعية . ان تعزيز العدالة الاجتماعية يمر عبر نشر الوعي بأهميتها بين افراد المجتمع عن طريق عقد الندوات والمؤتمرات التي تروج لها وتشجيع التطوع في الاعمال النافعة والخيرية ودعم المنظمات المجتمعية التي تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية .
لقد تضمن دستور 2005 مفهوم العدالة الاجتماعية في المادتين (30) التي نصت في الفقرة اولا ( تكفل الدولة للفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمراءة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الاساسية للعيش في حياة حرة وكريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم ) الفقرة ثانيا (تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض او العجز عن العمل او التشرد او اليتيم او البطالة وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينظم ذلك بقانون .
وفي المادة (31) التي نصت على ( لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية وتعنى الدولة بالصحة العامة وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بأنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية ) وبعد الاحتلال ومنذ صدور الدستور لم تفي الحكومات المعاقبة بالتزاماتها الواردة في المادتين اعلاه وبقية المواد ذات العلاقة بالعدالة الاجتماعية كالمواد (14 و15 و16 و32 و33) التي تحدثت عن تكافؤ الفرص لجميع العراقيين والمساواة امام القانون والحق لكل فرد في الحياة والحرية والامن ورعاية المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة وحق العيش في ظروف بيئية سليمة . الا ان اصرار الحكومات المتعاقبة على عدم الايفاء بالتزاماتها الواردة في الدستور ولو بنسبة ضئيلة الامر الذي أدى الى تعطيل الكثير من الخدمات وبقي تطبيق المواد الدستورية حبرا على ورق ومع وقف التنفيذ وبالذات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية . ونرى ان على حكومة السيد الكاظمي اتخاذ الخطوات الاتية : ـ
1ـ ان تتولى الحكومة اعداد مشروع قانون العدالة الاجتماعية استدلالا بالمواد اعلاه وتوفير مستلزمات ومتطلبات هذا المشروع قبل صدوره .
2 ـ ضرورة تأسيس صندوق العدالة الاجتماعية نسبا من الموارد المخصصة للحكومة من الرسوم والغرامات والضرائب وموارد المؤسسات الدينية لدعم هذا الصندوق .
3 ـ اعادة النظر في القوانين التي لا تتوافق مع العدالة الاجتماعية والتي صدرت خلافا للدستور واحدثت شرخا كبيرا في توزيع الموارد والثروات بين افراد المجتمع دون وجه حق ,
4 ـ تكثيف وسائل الاعلام باتجاه اهمية العدالة الاجتماعية ونشر ثقافة مجتمعية بضرورة ازالة الفوارق الطبقية الخرافية بين من يحكم ويقود الدولة وبين بقية افراد المجتمع .
5 ـ ايجاد وسائل مغرية لتشجيع المستثمرين العراقيين والاغنياء في دعم صندوق العدالة الاجتماعية وايداعه بأيادي نظيفة وامينة .
6 ـ رفع شعار العدالة الاجتماعية من قبل ثوار تشرين ومنحه الاولوية على بقية الشعارات التي رفعت باعتباره الاسمى والشامل لبقية الشعارات .
ان العبرة ليست في كثرة المواد الدستورية التي ضمنت مبدأ العدالة الاجتماعية وانما بالتطبيق الحي والملزم والعملي والا فما قيمة الدستور اذا لم تتحول مواده الى التطبيق على ارض الواقع وان يجني ثمارها ابناء شعبنا الابي والمثابر والمنتفض .