الجوانب القانونية في تقرير منظمة (هيومن رايتس ووتش ) بشأن قوانين حرية التعبير في العراق
الجوانب القانونية في تقرير منظمة (هيومن رايتس ووتش ) بشأن قوانين حرية التعبير في العراق
الأستاذ الدكتور عمار طارق العاني
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
اصدرت منظمة (هيومن رايتس ووتش ) تقريراً وصفت من خلاله قانون العقوبات العراقي النافذ بأحتوائه على (جرائم التشهير الفضفاضة التي تقيّد حرية التعبير) ، وينبغي اصلاحها بالشكل الذي يجعلها تتناسب مع مبادئ حقوق الانسان .
ووفقاً للدستور العراقي لسنة 2005 فأن المادة 2/ ب منه منعت سنّ قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، وفي المادة 2/ج منه نص على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة فيه .
ولذلك فأن المشرع العراقي ملزم بأجراء مراجعة شاملة لالغاء او تعديل اي قانون او مادة منه تشكل انتهاكاً لحرية التعبير في العراق ، كما انه ملزم بأتباع ما نص عليه الدستور من عدم تشريع اي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية او مع الحقوق والحريات الاساسية المنصوص عليها ، وفي مقدمتها حرية التعبير ، والا كان لزاماً على المحكمة الاتحادية العليا ممارسة دورها في صيانة الدستور والغاء القوانين المخالفة لمبادئه .
لكن ما هي القوانين التي استلزم التقرير اصلاحها ؟ وهل فعلا تشكل انتهاكاً لحرية التعبير ؟
بداية لابد من التنويه بأن مبادئ حقوق الانسان تجيز تقييد حرية التعبير بالقدر الذي يحقق الحماية لسمعة الاخرين ، ورغم ذلك فأن هذا التقييد ينبغي ان يجري من خلال اعتبار اي اعتداء على سمعة الاخرين باعتباره ضرراً مدنياً يستوجب التعويض ، وليس جريمة جنائية تستوجب العقاب .
وقد اكد تقرير المنظمة على ذلك بقوله :
(يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان بفرض قيود على حرية التعبير لحماية سمعة الآخرين، لكن يجب أن تكون هذه القيود ضرورية ومحددة بشكل ضيق. تعتقد هيومن رايتس ووتش أن العقوبات الجنائية هي دائما عقوبة غير متناسبة مع الضرر المزعوم الذي يلحق بالسمعة).
وقد انشأ مجلس القضاء الاعلى بتاريخ 12 تموز 2010 محكمة مختصة بقضايا النشر والأعلام ، وجاء في القرار المنشور في موقع السلطة القضائية في العراق على انه ( … قرر مجلس القضاء الأعلى تخصيص محكمة … تتولى النظر في الشكاوى والدعاوى المتعلقة بالأعلام والنشر في جانبيها المدني والجزائي…) .
وبذلك فان الغاية من تشكيل هذه المحكمة هو التخصص في العمل ، حيث ابقى القرار على الجانب العقابي للشكاوى المتعلقة بالاعلام والنشر ، لاسيما وان مجلس القضاء الاعلى لايملك الحلول محل المشرع في الغاء النصوص العقابية المتعلقة بممارسة حرية التعبير ، ولذلك جاءت دعوة المنظمة للمشرع العراقي لانجاز هذا العمل بقولها :
(تدعو هيومن رايتس ووتش البرلمان العراقي إلى إلغاء مواد التشهير الجنائي في قانون العقوبات واستبدالها بعقوبات التشهير المدني).
كذلك اشار تقرير المنظمة الى بعض النصوص التي وضعت بعد 2003 ، كما في لائحة قواعد البث الإعلامي الصادرة من هيئة الإعلام والاتصالات العراقية والمحدثة في عام 2019 ، وطالبت ب (إلغاء لائحة قواعد البث الإعلامي الصادرة عن هيئة الإعلام والاتصالات والامتناع عن تأييد أي قرارات تتخذها الهيئة تصل إلى سحب تراخيص الصحفيين ) .
ومن اهم التوصيات التي وردت في التقرير :
(تعديل مواد قانون العقوبات بشأن التحريض، لكي يتم تحديد الجرائم بدقة كافية بحيث يَعرف الأشخاص مقدما السلوك المحظور والخاضع للعقاب، وضمان أن تكون أي قيود قانونية على حرية التعبير ضرورية ومتناسبة مع الضرر الناجم ) .
وهذه توصية غاية في الاهمية ، حيث تبيح النصوص العقابية الفضفاضة امكانية التوسع في تفسيرها بالشكل الذي يجعلها بمثابة سيوف مسلطة على الحريات الفردية .
كما طالب التقرير ( تعديل مشروع قانون جرائم المعلوماتية لتحديد السلوك المحظور بشكل واضح ، لا سيما في المواد 3 و6 و21 و22، بحيث يعرف الأشخاص مقدما السلوك المحظور والخاضع للعقاب، وتحديد أي تعبير محظور، وتحديد المنظمات أو الكيانات أو الأنشطة المحظورة ).
وفي الاخذ بهذه التوصيات ضمانة مهمة لممارسة حرية التعبير في العراق .