الإعلام واقع الحال وطموح المستقبل
الإعلام واقع الحال وطموح المستقبل
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يعتقد البعض وهم كثر أن الإعلام هو مجرد نقل وتغطية لما تقوم به محطات وقنوات دول العالم من أنشطة وممارسات في الداخل والخارج فهي مجرد ناقل للمعلومة والتعليق عليها والتحليل في ضوء اجتهاد العاملين فيها من خلال مراسلين ومتابعين منتشرين في أقاصي العالم والحقيقة هي غير ذلك . والإعلام مجموعة قواعد ونظم تحكم وتراقب أنشطة الدولة والمجتمع وممارساتها في الداخل والخارج بموجب قوانين إعلامية واتفاقيات دولية وإقليمية وبالتأكيد فأن قوانين الإعلام هي أحد أهم فروع القانون العام والأنظمة ومن بين قوانين الإعلام ( المطبوعات . الصحافة . النشر . الإذاعة والتلفاز . البث الفضائي . تشريعات خاصة بأخلاقيات المهنة والمسؤولية الإعلامية ) كما تضمنت هذه القوانين ضوابط وقواعد تحكم طبيعة العمل الإعلامي مع مؤسسات الدولة بصفتها المالكة وصاحبة السيادة والطرف المتفوق في التعميم والنشر للقوانين وإيصالها بالطرق المعروفة . وصياغة القوانين العامة التي تكون الدولة الطرف القوي والمؤثرة في صياغتها خلافا لصياغة القوانين الخاصة التي تكون الدولة طرفا مرنا ومتواضعا للانصياع ومن بينها القوانين الإعلامية بكل وسائلها . ويمنح الإعلام غطاءا مميزا ومؤثرا وفاعلا في عالم اليوم الذي شهد تطورا هائلا في وسائل الاتصال والتواصل وتبادل الخبرة والمعلومة والمعرفة والنمو السريع في استخدام الانترنيت ( شيطان العصر ) وأصبح للإعلام قوانين وأنظمة وقواعد تعمل بها الأنشطة الإعلامية التي كانت موضع الاهتمام والمتابعة ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ( القرار رقم 217 لسنة 1948) في حين تضمنت المادة ( 19) من دستور 2005 حرية التعبير والرأي التي نصت على ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل وانتقاء الأنباء والأفكار وتلقيه وأذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية) والميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة 2004 والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان لسنة 2010 والقانون الإنساني الدولي للجنة الدولية والبرتوكولين الإضافيين لسنة 1977 كما أن معظم الدساتير العربية وقوانينها تؤكد على حرية الصحافة والرأي ولكن بضوابط وشروط تتفاوت فيما بينها .
التشريعات الإعلامية العراقية
ويعد قانون الصحافة والمطبوعات رقم ( 82 لسنة 1931 ) أول قانون خاص بالصحافة الذي تضمن شروط وقيود وضوابط (الأجازة والتعطيل والإلغاء والمخالفات والعقوبات ) وفي قانون المطبوعات رقم 57 لسنة 1933 لم يتضمن تغيير أساسي إلا أنه صدر تعديل تضمن منع الحكومة من تعطيل الصحيفة السياسة أو الحزبية التي تصدر عن حزب مجاز قانونا إلا بحكم المحكمة . في حين تضمن قانون المطبوعات رقم 24 لسنة 1954 الذي الغي القانون رقم 57 وتضمن القانون الجديد ثمانية فصول وهي ( شروط المطبوع والحقوق والواجبات وإلغاء الأجازة وإصدار الأجانب مجلة أو جريدة والمواد الممنوع نشرها والمسؤولية والجرائم والعقوبات وأخيرا أحكام عامة ) ثم صدر قانون المطبوعات رقم 53 لسنة 1964 الذي منح أجازة المطبوع الدوري السياسي إلى مجموعة أشخاص بدلا شخص واحد سميت بالهيئة التي تضم ما لا يقل خمسة أشخاص يشكلون مجلس الإدارة وقبل هذا القانون صدر قانون رقم 24 لسنة 1963 الذي تضمن محاور من بينها حق الأجانب في إصدار مطبوعات والمادة الممنوعة النشر وضوابط استيراد المطبوعات من الخارج والأحكام العقابية وتصنيف المطبوعات الدورية وغير الدورية . وقانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 الذي تناول المطبوع الدوري غير السياسي الأدبي والمهني والثقافي والديني وأجاز القانون للنقابات والمنظمات المهنية إصدار مطبوعات دورية غير سياسية ومنح لوزير الأعلام حق منح أو رفض الأجازة خلال شهر واحد ثم تضمن الأحكام العقابية للإنذار والتعطيل القضائي والإداري والحبس والغرامة والإلغاء . وبعد الاحتلال فأن واقع الإعلام شهد فوضى إعلامية لا تختلف عن الحالة السياسية والدينية الذي يعبر عنها ويوظف في خدمتها . وخضع الإعلام إلى الابتعاد عن المهنية وضوابطها وقواعدها وأخلاقياتها وحيادها .
ولا يخفى على الجميع أن معظم القوانين الإعلامية ولدت عن قانون المطبوعات العثماني مع تغيرات طفيفة لا تأثير لها على أصل المطبوعات ثم صدرت قوانين وتعليمات كبلت من حرية وسائل الإعلام التي تؤيد بصيغة وأخرى الاحتلال بل تؤيد المحتل وتروج لقواته المحتلة وتعزز سطوتها . وتم توظيف الإعلام في قبول الأجندات الخارجية والمساس في سيادة العراق وسعى المحتل وبكل قوة إلى تمزيق وحدة العراقيين إلى مذاهب وقوميات وافدة وأحزاب كما ونوعا لا تعد ولا تحصى . كما أن تأثير المال والنفوذ السياسي وتوجيه الأعلام على وفق المالكين لمؤسساته يؤدي دورا في عدم كشف الحقائق وأضعاف رقابة الأعلام وغياب التأثير على الرأي العام لكشف الفساد والمفسدين والعابثين في شؤونه . كما ليس هناك أعلام كامل الاستقلال يعمل بحرية مطلقة بل يعمل وفق توجهات حكومية وحزبية تمول من المال العام لتعميق الخطاب الطائفي والعشائري من خلال أعلامها المأجور الذي غزى النفوس والعقول والقلوب . أن الأعلام لا حياة له بدون الدعم المعنوي والتمويل المالي المستدام فهو المورد المهم والحقيقي والرئيسي له .
والأعلام في العراق يتعرض لانتهاكات ومضايقات لا حصر لها فهو مازال لا يعمل بحرية ولو نسبية في الأقل ولأسباب منها :
1 ـ عدم وصول العراق إلى الاستقلال الكامل.
2 ـ ضعف الدولة في احتواء مؤسساتها.
3 ـ التهديد المتصاعد للعاملين فيها وبشتى الوسائل وخضوعهم لتهديد من مالكي المؤسسات في حالة تعرضهم لرجال السياسة الفاسدين.
4 ـ تكبيل حرية الرأي والتعبير خلافا للدستور وقانون شبكة الإعلام العراقي رقم 26 لسنة 2015 المعدل بالقانون رقم 63 لسنة 2017 النافذ حاليا الذي نظم ووضع إلية اختيار وتشكيل مجلس الأمناء على وفقا لما ورد في أحكام المادة ( 8 / ثانيا ) من القانون . وتنفيذا لقرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم ( 90 ) وموحداتها / اتحادية / 2015 المتضمن بعدم دستورية العديد من نصوص قانون شبكة الإعلام العراقي في أعلاه .