أهمية التسجيل الصوتي في الإثبات الجنائي
أهمية التسجيل الصوتي في الإثبات الجنائي
المستشار سعيد النعمان ، عضو اللجنة القانونية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يعتبر التسجيل الصوتي بمثابة اعتراف إلا انه غير قضائي لصدوره من المعترف خارج مجلس القضاء وهذا التسجيل وسيلة من وسائل التقنية الحديثة التي شغلت مساحة كبيرة في المجتمع من خلال توفر أجهزة متنوعة ومختلفة في طبيعة عملها .
والمتعارف عليه بأن لكل فرد نيرة صوت تميزه عن الأخريين وكما هو الحال في بصمة أصابع اليدين وكذلك بالنسبة للعينين وغيرها من أعضاء جسم الإنسان ومع تقدم وسائل التقنية الحديثة التي ساعدت في القبض على الكثير من الجناة . إلا أن المناقشة والتداول بين القضاة والمعنيين في شئون العدالة والفقهاء مختلفين في مدى مشروعية الإثبات فمنهم من يعارض ويرى أن تسجيل الأصوات يعد خرقا واضحا للخصوصية وإسرار الناس ويعتبر بمثابة التصنت على احاديثم .
أما الاتجاه الثاني فيرى أن الأولوية حماية الأمن المجتمعي والمصلحة العامة والتصدي لمرتكبي الجرائم والتوصل إليهم قبل أو بعد ارتكابه الجريمة . وحيث أن أساليب ارتكاب الجريمة أخذت منحى مخيف وذو خطورة باعتماد وسائل مبتكرة فلا يمنع المحققين من العمل بالتسجيلات الصوتية والمرئية كدليل من أدلة الإثبات .
وفي العراق فأن المحاكم تعتمد على ما يعرض عليها من تسجيلات صوتية سجلت بناء على قرارات قضائية سبق وأن صدرت منها وبالتالي فهي أحدى الأدلة التي تأخذ بها المحكمة. والأخذ بالتسجيل الصوتي يتطلب توافر شروط فنية:
(1) أن يكون التسجيل خاليا من الإضافة والتلاعب.
(2) أن تثبت عائديته إلى المتهم بموجب تقرير يصدر عن خبراء الأدلة الجنائية بعد أجراء مضاهاة ومطابقة صوتية.
(3) أن تنظم محاضر أصولية بكل خطوة يقوم بها الخبراء.
(4) يجوز للمحكمة استدعاء اللجنة لغرض الاستيضاح عما ورد في التقرير لتأكيد قناعتها وبالذات أذا طعن المتهم في محتوى التقرير .
وأن هذه الإجراءات يقوم بها قاضي التحقيق هي من بين الإجراءات التي نص عليها في المادتين (74 و75) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( 23 لسنة 1971 ) وتعديلاته. وعلى الرغم من أهمية التسجيل الصوتي فأنه ليس دليلا كافيا كبقية الأدلة المعروفة التي تضمنتها المادة (213 ) من نفس القانون التي على المحكمة الإشارة إليها عند الحكم (كالاعتراف وأقوال الشهود ومحاضر التحقيق وتقارير الخبراء وغيرها) وقد يعتبر قرينة قانونية في أحسن الأحوال . وأن التسجيل الصوتي الذي يحصل عليه المتهم بصوره غير مشروعة ليثبت براءته عن التهمة المسندة إليه تكون له حجة قانونية بنفس التهمة التي نسبت إليه .
ويبقى التسجيل الصوتي في الإثبات لوحده لا يكفي ما لم يعزز بأدلة تقتنع بها المحكمة كي يصلح أن يكون سببا للحكم وحسب ظروف القضية المنظورة إمامها . كما تبرز أهمية ودور التسجيل الصوتي باعتباره أحد أهم المبرزات الجريمة للوصول إلى مرتكبي الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي المنصوص عليها في الكتاب الأول من قانون العقوبات رقم (111 لسنة 1969) لذلك فأن الضوابط والشروط قد لا تتوفر كما هو الحال في الجرائم العادية الأخرى .
وأخيرا فأن المادة (40) من دستور (2005) نصت على (حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة . ولا يجوز مراقبتها أو التصنت عليها إلا لضرورة قانونية وأمنية وبقرار قضائي) ويفهم من هذا النص أنه أجاز بصورة غير مباشرة استخدام التسجيل الصوتي متى تواجدت الضرورة القانونية والأمنية والقرار القضائي وبذلك يعتبر من بين أهم الأدلة الفاعلة والمؤثرة في إجراءات التحقيق والمحاكمة وقرار الإدانة والحكم .