أمريكا ومصطلح الدولة المارقة
المستشار سعيد النعمان
عضو اللجنة القانونية
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يلاحظ أن البعض من الفلاسفة والمنظرين الدوليين يعرفون مصطلح (الدولة المارقة) بتعريفات متناغمة ومتوافقة إلا أنها من حيث النتيجة واحدة . فقد عرفها أنتوني ليك عالم سياسي وفيلسوف وبروفيسور أمريكي على ( أنها الدول التي تظهر عجزا مزمنا في التفاعل البناء مع العالم الخارجي ) وعرفها جاك جريدا فيلسوف وناقد فرنسي بأنها ( ذكاء وقدرة على الخروج والتمرد على القوانين والنواميس الاجتماعية والأخلاقية والسياسية ) وأما خليل حسين أستاذ وبروفيسور لبناني الجنسية فيعرفها في كتابه العلاقات الدولية النظرية والواقع منطلقا من المفهوم الأمريكي فيقول الدولة المارقة هي الدولة التي (تخالف بانتظام الأعراف والأنظمة الدولية . وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الدول عدائية وتمثل تهديدا للسلام العالمي وتصنفها بأنها أنظمة رجعية عدائية تجاه الأجنبي ومتعالية عليه ولا تحترم قواعد المجتمع الدولي) وخلاصة القول أنها الدول التي تهدد السلام العالمي وتكون محكومة من قبل حكومات استبدادية متغطرسة تكبل حرية شعوبها بقيود وشروط وإجراءات قاسية وتستهين بقيمها ولا تحترم مبادئها الأساسية نظريا وعمليا وتبذل جهدا مضنيا للحصول على أسلحة الدمار الشامل وتدعم وتغذي العمليات الإرهابية بكل مستوياتها ولا تحترم حقوق الإنسان . وهذه الاتهامات من صناعة الولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها متى تشاء وعلى أية دولة .
ومن بين الدول المارقة وفقا لرؤية أمريكا العراق قبل الاحتلال 2003 . فمنذ عام 1985 اعتبرت أمريكا العراق دولة مارقة وخارجة على القانون وبقي خارج عائلة الدول الديمقراطية لا يحترم قواعد المجتمع الدولي وحقوق الإنسان ويمتلك أسلحة الدمار الشامل ويساند التنظيمات الإرهابية تموينا وتسليحا وملاذا أمننا . ويحتوي الرافضين والمعادين للسياسة الأمريكية بشكل واضح وصريح ويتصدى لرغباتها في التوسع والسيطرة على دول العالم العربي والإسلامي . والمتابع لاستخدام مصطلح الدولة المارقة من قبل قادة السياسة الأمريكية يجد أنهم روجوا لهذه الأكاذيب والافتراءات تجاه العراق بشتى الطرق والوسائل وبذرائع واهية ومضللة . بهدف احتلاله ونهب ثرواته ومن ثم بسط نفوذ أمريكا على دول الشرق الأوسط وحماية الكيان الصهيوني وتعميق جراح الأمة وهذا ما حصل بالعدوان على غزة والدعم المطلق عسكريا ومعنويا والمشاركة العسكرية والتموين بالعتاد والتصدي لقرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالفيتو الأمريكي المارق الذي يحمي العدوان ويشاركه ويتحدى ويرفض القرارات الدولية والأممية .
وفي عام 1998 صنف العراق كدولة مارقة من قبل الولايات المتحدة ( القطب الأحادي ) لأنه يشكل تهديدا للعالم بأسره وأنه دولة تتحدى القوانين والقرارات الدولية ويرفضها . وفي نفس العام نشبت أزمة المفتشين الدوليين التي تحولت إلى عملية عسكرية عدوانية أميركية بريطانية في كانون أول من العام نفسه سميت ( بثعلب الصحراء ) بحجة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل ومخالفته لنص القرار( 1441 ) الصادر عن الأمم المتحدة الذي يلزم العراق بتسليم أسلحة الدمار الشامل التي يملكها دون أبطاء . وعندما أعلن العراق أنه لا يمتلك الأسلحة المحظورة وتأيد ذلك من قبل لجان التفتيش . الأ إن أمريكا المارقة وحلفائها كانوا قد اتخذوا قرار الغزو بعد حظر الطيران وتجويع شعبه بقرار الحصار الاقتصادي قبل سنوات .
ثم بدأ غزو العراق في ( 19 / آذار / 2003 ) ومن ثم تم احتلاله في ( 9 / نيسان / 2003 ) بعد قتال بطولي كبد العدو الآلاف من القتلى والجرحى وباعتراف المعتدين المارقين الذين شاركوه في العدوان الغاشم من (35) دولة بقيادة أمريكا وحلفائها. وبعد الاحتلال قررت أمريكا حذفه من لائحة الدول المارقة وذلك في عام 2005 . وبقي العراق يعاني من أثار الاحتلال والدمار الشامل الذي شمل المؤسسات المدنية وممتلكات المواطنين ـ ونحن نرى أن الولايات المتحدة دولة مارقة بامتياز وإنها عنوان العنف في العالم وأنها كانت وما زالت تمارس التسلط والقتل والتعذيب ضد الإنسان في مناطق كيرة من العالم لحفظ مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني المحتل الغاصب وأن أمريكا المارقة تخرق قواعد القانون الدولي والإنساني باستمرار دون رادع . وأن الدول التي ترفض الانقياد لها تطلق عليها دول مارقة وتشن الحروب عليها ومن ثم احتلالها والعبث بثرواتها ومواردها ـ ونحن نرى أنه لا يحق مطلقا لأي دولة مهما بلغت قوتها وتعاظمت أن تقوم بتصنيف غيرها بالدولة المارقة لتفرض عليها أغلظ العقوبات وعزلها دوليا لمجرد أكاذيب دون أدلة دولية مادية يعلن عنها ومن ثم تشن عليها الحرب لا احتلالها ـ كما أن حق النقض ( الفيتو) ساعد الولايات المتحدة على تقديم أفضل دعم للكيان الصهيوني المارق بإفشال صدور أي قرار يلزم أو يدين الكيان المحتل بوقف احتلال أراضي فلسطين وأعمال العنف ضد الفلسطينيين أو استخدام القوة المفرطة وبالذات في العدوان على لبنان في حرب 2006 والعدوان على قطاع غزة نهاية عام 2008 والعدوان على القطاع بعد طوفان الأقصى في 7/ 10 / 2023 ولا يزال العدوان مستمر بسبب الفيتو الأمريكي والدعم العسكري والمشاركة الفعلية في هذا العدوان . الأمر الذي يقتضي أعادة النظر بهذا الباطل ( الفيتو) وأجراء تعديلات جوهرية على تشكيلة مجلس الأ من وبالذات المادة (27 ) بما يضمن تحقيق العدالة الدولية وإنفاذها .
كما نرى أن أمريكا دولة مارقة مكتملة أركان هذا المصطلح بما تقوم به من حروب واعتداءات على الدول المستقلة وتسلب أرادة شعوبها وثرواتها . وأن الكيان الصهيوني هو الآخر مارق وعدواني ولا يحتاج إلى أدلة أو شواهد والإعلام الفضائي الحر يشهد على ذلك بالصورة والصوت على جرائمه ومجازره في غزة وغيرها من الدول التي تعارض أمريكا . وأن على العالم الحر أن يعي ويتعض فليس هناك مفر إلا بالمواجهة والدفاع عن أوطانهم وإلا فأن مصيرهم الهلاك والخسران المبين .