التجاوزات على الاراضي في العراق ، بين الواقع والحلول
الاستاذ علي محمد شاكر
عضو لجنة الصناعة والطاقة في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
لا يختلف اثنان عن وصف الاستثمار العقاري في العراق بالفوضوي والعشوائي فمع غياب الرقابة والاهمال الحكوميين ومع الزيادة السكانية المضطربة وسبل معالجتها, فقد تفشت العديد من ظواهر البناء الشاذة وابتعد هذا القطاع الاستثماري المهم عن التنظيم والسيطرة.
ففي بغداد مثلا تم القضاء على القسم الاعظم من الاراضي الزراعية والبساتين وتحولت الى وحدات سكنية صغيرة خارجة عن الضوابط ولا تتمتع بمقومات البناء المعماري الملائم للسكن, حيث لا ارتدادات عن الشوارع ولا مساحات مخصصة لوقوف السيارات عدا حالات البناء على الارصفة الملاصقة واعمدة الانارة وغيرها من الحالات الغير نظامية .
اما الوحدات السكنية ذات المساحات ( 800 و600 و400) مترا مربعا فقد تم هدم معظمها وقسمت الى قطع صغيرة جدا بمساحات ربما لا تتجاوز ال 50 مترا مربعا في بعض الاحيان ناهيك عن المحلات التجارية التي اصبحت الشوارع تغص بها وتسبب ضررا في الخدمات وازدحامات خانقة داخل المناطق السكنية وخارجها. في المقابل, يتعاظم فساد الدوائر المعنية بالمتابعة وخصوصا امانة بغداد والبلديات في المحافظات والتي يغض موظفيها الميدانيين النظر عن كل هذه الانتهاكات مقابل تسعيرة تحدد حسب نوع التجاوز والمكان ومقدار الضرر حيث يمكن غض النظر مقابل مقدار مادي محدد ليتحول هذا التجاوز لاحقا الى ما صار يعرف “بواقع الحال” وحينها لا تجرؤ الجهات الحكومية على هدمه ولا معاقبة المخالف .
من المشاكل الاخرى التي تفاقمت ايضا هي استخدام المواد الانشائية غير المطابقة للمواصفات المطلوبة, وهذا يشكل خطرا حقيقيا لحياة السكان وامكانية حصول انهيارات كلية او جزئية على ساكنيها في ظل غياب الوعي المجتمعي بخطورة هذه المشاكل.
القرار الحكومي الاخير بتمليك التجاوزات لساكنيها, هو قرار غير موفق و عقيم وذو نتائج سلبية كبيرة في المستقبل القريب فهو سيشجع المواطنين على شراء الاراضي المتجاوزة طمعا في تمليكها مستقبلا مما سيزيد من العشوائيات ومن ناحية اخرى فان الاراضي المستملكة للمتجاوزين تحتاج الى خدمات وطرق جديدة لا بد من للحكومة من توفيرها لكنها في نفس الوقت تتعارض مع التصميم الاساسي للمدينة مما سيشكل تحديا او استحالة ربطها بشبكة الطرق والمناطق والخدمات الرئيسية عدا عن تكاليفها الباهظة على الدولة.
كان من الافضل للحكومة دراسة قضية التجاوزات قبل اتخاذ اي قرار جديد وتقديم حلول عديدة ربما من بينها استملاك الدولة لهذه الاراضي او مقايضتها بوحدات سكنية واطئة الكلفة بالإضافة الى محاسبة ملاك الاراضي والوسطاء الذين باعوا وقسموا هذه الاراضي لمنع استمرار هذه الحالة.
يعتبر العراق من الدول ذات المساحات المتوسطة وهناك الكثير من الاراضي الصحراوية غير الصالحة للزراعة والتي من الممكن انشاء مدن جديدة فيها اضافة الى وجود الكثير من المدن والنواحي ذات الكثافة السكانية القليلة بسبب الفقر وانعدام الخدمات وعدم توفر فرص العمل نتيجة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين المدن العراقية فهي تحتاج الى استراتيجيات حكومية لتنميتها من خلال بناء مجمعات صناعية على سبيل المثال او تحويلها الى مراكز تسويق وتجارة او سياحة او تشجيع المواطنين للهجرة اليها من خلال التحفيز المالي والمعنوي مما ينعكس ايجابا في انتعاشها واستقرار السكان فيها بدلا من التفكير في الخروج والهجرة نحو المدن الكبرى وخصوصا بغداد والبصرة بل العكس في تحويلها الى نقاط جذب سكاني فتحدث هجرة عكسية تؤدي الى تقليل الضغط عن المدينة وتوزيع مراكز الاعمال ورفع مستوى الدخل في هذه المدن وخلق بيئة اقتصادية منافسة.
ففي كثير من دول العالم تتوجه العديد من المصانع والمعامل نحو البلدات الصغيرة حيث تتوفر الايدي العاملة الرخيصة والمساحات المفتوحة شرط وجود البنى التحتية وشبكات الطرق ووسائل النقل التي تتيح نقل البضائع المنتجة وتوزيعها على الاسواق المحلية والدولية.
تمثل هذه الحلول جزءا من حلول كثيرة اخرى يمكن للحكومة ان تنظر فيها وتختار الملائم والامثل حسب الظروف الراهنة والسيولة والوضع الاستثماري لكن في نهاية المطاف فأن الوضع الذي تعيشه العاصمة والمدن الاخرى يتدهور يوما بعد اخر وبدون توقف او تحرك حكومي وصارت المدن العراقية تعتبر حسب القياسات العالمية كمدن غير صالحة للعيش.