في معنى المنتدى : ميدان البحث العلمي والمنهجي وفرص الانجاز المتميز
في معنى المنتدى :
ميدان البحث العلمي والمنهجي وفرص الانجاز المتميز
د صباح ياسين ، نائب الامين العام
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يندر أن يتحقق الإجتماع النوعي تحت مسمى النخب والكفاءات ضمن فرصة تأريخية ، وبإختصاصات الحياة والعمل في محيط دائرة الاهتمام بشؤون الوطن ومصلحته المباشرة ، كما يتحقق عمليا في تلك الصيغة التنظيمية الحضارية في إطار تنظيم المنتدى العراقي للنخب والكفاءات ، هذه الصيغة التي تجمع وتكثف في ذات الوقت العقل العراقي المبدع في مواجهة تداعيات ظروف الوطن الإستثنائية الراهنة ، إنها في الواقع إمتياز للتعبير عن الولاء أمام جيل كامل من العلماء والمبدعين وذوي الخبرة المتراكمة عبر سنوات من العمل والعطاء .
وهنا يأتي المعنى الاوسع للهدف الرابع من أهداف المنتدى : العمل على توفير فرص بحثية وعلمية لأصحاب الكفاءات من العراقيين لممارسة إختصاصهم . وهذه الفرص لاتعني فقط الوصول الى نتائج عبر البحث العلمي للمشكلات القائمة في العراق اليوم ، بل انها تهدف قبل شيء الى إتساق المعارف والخبرات الميدانية للعلماء والخبراء العراقيين مع تطورات مناهج البحث العلمي وأساليبه العلمية الحديثة ، وتحقيق اصطفاف المعنين بالبحث العلمي وكل حسب تخصصه باتجاه هدف مركزي واحد هو استخدام المعرفة الانسانية لخدمة الانسان وسعادته .
وكان هذا الهدف غاية المنتدى الاسمى منذ اليوم الاول لتأسيسه عبر البرنامج الطموح الذي شمل جميع اللجان المتخصصة في المنتدى ، لعقد الندوات العلمية وبمشاركة واسعة من أعضاء تلك اللجان لتقديم الدراسات والبحوث العلمية النظرية والميدانية أزاء المشكلات المطروحة ، وكان النجاح في إجراء البحوث العلمية ، وعقد الندوات الدورية المنظمة ، ليس في النتائج التي خرجت بها تلك الندوات التخصصية والتي تم نشرها في كتب عدة عن المنتدى وحسب ، بل بإجتماع وتلاقي الخبرات العلمية على طاولة الحوار والنقاش العلمي المنهجي الهادف ، وهي غاية سامية من أهداف المنتدى في جمع شمل أبناء العراق من العلماء ، وعرض مشكلات الوطن أمامهم وتحفيزهم على تكريس علومهم وخبراتهم على طريق إصلاح الواقع وضمان تقدم الوطن وازدهاره .
وأثمرت تلك الندوات التخصصية عن تلاقي الخبرات بين جيلين من الخبرات والكفاءات في البيئة العراقية الراهنة ، الجيل الأول من الرواد والمبدعين والقادة الميدانين الذي أسهموا في نهضة العراق العلمية خلال العقود الماضية ، مع جيل الشباب الواعد الذي يملك العزيمة والايمان للمواصلة . ويقف اليوم أمام تراكم المشكلات في مختلف ميادين الحياة بسب فشل السياسات التنموية بعد الاحتلال ، وتداعيات ذلك على البيئة العراقية ، وفي ذات الوقت ينهل ويستزيد من علوم وخبرات الجيل الذي سبقه ، وهذا التلاقي والتفاعل ربما هو من أغلى الثمار الإيجابية التي تحققت عبر مسيرة المنتدى الصاعدة في هذا الميدان .
ولا تتوقف هذه الجهود في ميدان البحث العلمي وحسب ، وانما تفتح المجال لتجديد الطاقة وإيجاد فرص العمل للكثير من العلماء الذين أجبرتهم الاوضاع الاستثنائية التي مر بها العراق منذ عام 2003 ولغاية اليوم ، على مغادرة الوطن والعيش أو العمل في بلدان العالم المختلفة ، لايجاد فرص جديدة للتعبير عن إمكانياتهم في ميادين العمل والانجاز ، فالعقل الانساني المبدع لابد ان تتواصل خبراته العلمية والميدانية ، وان تتلاقي مع خبرات الاخرين والانجازات العلمية المتجددة يوما بعد أخر .
وعمليا يتجاوز البحث الميداني في طموحه حدود الواقع القائم ، فهو مستند على إفتراض تجاوز مستمر للمشكلات نحو مساحة الحلول الممكنة ، وهذا الأمر لايمكن أن يتحقق دون إنتهاج وإكتساب النظريات العلمية الحديثة . والمنتدى بحكم مسؤوليته الوطنية يسعى نحو تفعيل هذا الجانب وتمكين العلماء والباحثين العراقيين من التفاعل مع المعارف والنظريات العلمية الحديثة ، وتبادل الخبرات مع الاخرين في ميدان العمل العلمي المشترك .وتلك الندوات عمليا قد حققت ذلك الهدف في افضل صيغه .
ومن جملة الاسئلة والتحديات المطروحة أمام المنتدى في إطار تفعيل عمل الكفاءات والخبرات العلمية والعملية ، هو الى آي مدى يستطيع فيه المنتدى ، وضمن ظروف عمله وإمكانياته المادية أن يسهم في انجاز ذلك الهدف على أفضل صيغة وتحقيق النتائج الرجوة ؟ . إن إجابة هذا السؤال مرتبطة بشكل وثيق بابداع الصيغ والوسائل التواصلية بين أعضاء المنتدى المتواجدين داخل الوطن وخارجه .
ومهما يبذل المنتدى من جهود تنظيمية لعقد ورش العمل والندوات وتنظيم المحاضرات لأعضاءه ، فان الجهد الحقيقي هو ما يجب ان ينهض به أعضاء المنتدى ذاتهم ، وعبر صيغة تزويد مقر المنتدى ، وبشكل خاص موقع المنتدى وصفحته الالكترونية بانتاجاتهم العلمية ، وخبرات تجاربهم الميدانية ، وهذه الصيغة سوف تحقق ذلك الهدف النبيل للمنتدى في أفضل صوره وأفاقه ، فالعلم مثل مجرى النهر دائم التدفق ، ولابد من كل عضو من أعضاء المنتدى أن يشعر بمسؤوليته في هذا المجال ، وأن يعتبر المنتدى بيت الخبرة والعلم لكل العراقيين ، ومعين الحاجة الوطنية المستمرة لحل المشاكل وضمان التطور والتقدم الحضاري .
كما ان الأنشطة العلمية لأعضاء المنتدى داخل الوطن وخارجه يجب أن تعطي الاهتمام الأول للبحث العلمي في مواجهة المشكلات التي يواجهها الوطن ، وتكريس نتائج العلوم والمعارف ، والتي تشهد في كل الميادين تسارعا وإنجازا بالغ النظير ، الى مساحة التفاعل العلمي في ميادين الحياة في العراق اليوم . وأن تبتدع صيغ التواصل المباشرة وغير المباشرة ، والتي توفرها بكثافة اليوم ممكنات تقنية التواصل عبر الانترنيت وغيرها ، فالعلم أضحى خلية متواصلة في ميادين البحث العلمي ، ونتائج الكثير من البحوث والدراسات أضحت أيضا متاحة للمعنيين على المواقع الالكترونية للمؤسسات العلمية والبحثية للراغبين بالاطلاع والاستفادة منها .
ومن المفيد كذلك أن يعطي جيل الرواد من العلماء والخبراء إهتماما خاصا ونوعيا للجيل الصاعد من الباحثين و العلماء في العراق ، والذين يواجهون مشكلات تدني أداء المؤسسات البحثية في العراق وتراجع التخصيصات المالية المفترضة لدعم البحث العلمي او الحصول على المجلات العلمية المحكمة من خارج العراق , وهذه القضية لاتعد مطلبا علميا وحسب ، وانما هي تعبير عن وعي وطني بطبيعة الظروف الراهنة ، والمعضلات التي تواجه مسيرة البحث في العراق وضرورة تجاوزها بكل الوسائل والسبل .
واخيرا فان ميدان البحث العلمي وإن كان تنافسيا بالمعنى العام بين الاختصاصين في العلوم المختلفة ، إلا انه عمليا مجالا يتسع للكثيرين ، بل ان الإنجازات العلمية الفعلية عبر مسيرة التطور الخضاري هي إنجازات علمية – بحثية تراكمية ، جمعت كل الجهود البشرية في الابتكار والتجديد ، حتى وان ظهرت للواقع باسماء محددة من العلماء ، ولكنها أضحت ملك البشرية وثمرة من ثمار التعاون والتكاتف الخلاق من أجل سعادة البشر ورفاهيته .
وهنا يتجسد المعنى الحضاري لهذا الكيان العلمي ، المنتدى العراقي للنخب والكفاءات ، باعتباره المنصة الوطنية للعلماء والخبراء للتعبيرعن نتاجهم الفكري والعملي ، وصياغة نتائج خبراتهم في إطار تكريسها لخدمة التنمية والتطور ، ووضعها في برنامج شامل من أجل خدمة الوطن وحريته وتقدمه الحضاري .