لجنة الشباب و الرياضة

صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية – الحلقة الرابعة عشرة

الدورة السادسة عشرة … ملبورن 1956

أ. د إسماعيل خليل إبراهيم

نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة

   اختيرت مدينة ( ملبورن ) الاسترالية لتنظيم الدورة السادسة عشرة من الألعاب الأولمبية في المؤتمر الثالث والأربعين للجنة الأولمبية الدولية الذي عقد في ( 28 نيسان 1949 ) متفوقة بفارق صوت واحد على مدينة ( بوينس أيرس ) الأرجنتينية التي تقدمت لتنظيم الدورة إلى جانب مدن ( لوس أنجلوس و ديترويت و شيكاغو و مينيابوليس و فيلادلفيا و سان فرانسيسكو الأميركية و مكسيكو المكسيكية ) .

كانت تلك المرة الأولى التي تقام فيها الدورة الاولمبية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وجرت فعالياتها بحضور الرئيس الجديد للجنة اللأولمبية الدولية الأميركي ( افري برونديج ) الذي شهد حفل الافتتاح في الملعب الأولمبي في ( ملبورن ) بحضور ( 104 ) آلاف متفرج استمعوا لنشيد اولمبي جديد وضعه موسيقي بولوني .

أقيمت الدورة من ( 22 تشرين الثاني لغاية 8 كانون الأول ) بحضور ( 3184 ) لاعبا منهم (371 ) لاعبة من ( 67 ) دولة تنافسوا في ( 17 ) لعبة هي ( ألعاب القوى و الشراع و التجذيف و كرة السلة و الملاكمة و كرة قدم و الجمباز و رفع أثقال و الهوكي على الحشيش و المصارعة و الخماسي الحديث و ألعاب الماء ( كرة ماء ، سباحة ، غطس ) و الرماية و المبارزة . وبسبب إلغاء أستراليا مسابقة الفروسية من الجدول لمنعها دخول الخيول لأراضيها بسبب الحجر الصحي اضطرت اللجنة الاولمبية الدولية إلى إقامة هذه المسابقة بشكل منفرد في ستوكهولم في ( العاشر من حزيران ) أي قبل انطلاق الأولمبياد بخمسة أشهر ونصف ، وباتت تلك المرة الثانية التي تجرى فيها الألعاب في دولتين الأولى كانت العام 1920 في دورة انفيرس حين أقيم سباق التجذيف بين بلجيكا وهولندا .

بمبادرة من اللجنة الأولمبية الدولية شاركت الألمانيتان الشرقية والغربية بفريق موحد ، فيما شاركت لأول مرة دول ( إثيوبيا و فيدجي و كينيا و ليبيريا و ماليزيا و أوغندا و تايوان ) .

انطلقت الشعلة الأولمبية من وادي اولمبيا في اليونان في ( الثاني من تشرين الثاني 1956 ) وبعد أن جرى بها أكثر ( 2700 ) رياضي تسلمها بطل العاب القوى الاسترالي ( رون كلارك ) ليضيء بها الشعلة الأولمبية داخل الملعب ، فيما ردد قسم الرياضيين  لاعب ألعاب قوى أخر هو ( جون لاندي ) .

كادت الدورة أن تتعطل بسبب العدوان الثلاثي على مصر والغزو السوفيتي للمجر ، غير أن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الأميركي ( أفري برونديج ) أعلن أن ( الألعاب حاجة ماسة والصراع القائم في العالم هو بين الدول والأنظمة وليس بين الشعوب ، وأن الألعاب الأولمبية تنافس رياضي شريف بين الأشخاص ويجب أن يستمر ) وهذا ما حصل ، وشهد حفل ختام الأولمبياد مسيرة مشتركة و مختلطة بين جميع الوفود كانت بمثابة ردٍ قاسيٍ على الصراعات والنزاعات والأطماع التي تدفع الشعوب ثمنها دائماً . لكن خمس دول قاطعت الدورة  هي ( مصر ، لبنان ، العراق ، هولندا ، أسبانيا ) .

أبرز نجوم الدورة : في فئة السيدات حصلت الأسترالية ( كاتي كاثبرت ) على ثلاث ميداليات ذهبية في جري ( الـ100م ، والـ200م والبدل 4×100م ) . وفاز الأمريكي ( بوبي مورو ) بثلاث ذهبيات في جري المسافات القصيرة ، وفاز السوفيتي ( فلاديمير كوتس ) بذهبيتي ( الـ5 و10 آلاف متر ) .

واستطاع السباح الأسترالي ( موراي روز ) من تكرار إنجاز عمره 32 عاما حين أحرز ذهبيتين في السباحة الحرة في مسافتي ( الـ400م والـ1500م ) في إنجاز لم يسبقه إليه سوى السباح الأميركي الشهير ( جوني ويسمولر ) في دورة عام 1924. ونالت السباحة الاسترالية ( داون فرايزر ) ذهبيتي سباق ( المائة متر حرة والبدل 4×100م حرة ) . ونالت نجمة الجمباز السوفيتية ( لاريسا لاتينينا ) ست ميداليات منها أربع ذهبيات . كما حصل نجم الجمباز السوفيتي ( بوريس شاخلين ) على ذهبيتي  الفرق وحصان الحلق .

وفي بقية المسابقات : في رياضة الجمباز حصل السوفييت على ( 11 ميدالية ذهبية و6 فضيات ومثلها من البرونز ) ، ونال السوفيات بقيادة الأسطورة ( ليف ياشين ) حارس المرمى الشهير ذهبية كرة القدم لأول مرة في تاريخهم الاولمبي . وفي رفع الأثقال فازت الولايات المتحدة بـ ( 7  ) ميداليات منها أربع ميداليات ذهبية . ونال السوفيات ( 6 ) ذهبيات في المصارعة في فئتيها بينها ( 5 ) ذهبيات في المصارعة الحرة ، وتفوق الأميركيون في الغطس ( بـ3 ) ذهبيات من أربع ممكنة ، وتصدر السوفيات مسابقة الرماية وفازوا ( بـ3 ) ذهبيات وأربع فضيات وبرونزية . ونالت سلة الولايات المتحدة الميدالية الذهبية ، وفي الهوكي نالت الهند الذهب . في مسابقة كرة الماء أحرزت المجر الميدالية الذهبية بعد مباراة دموية ضد فريق الاتحاد السوفيتي إذ انعكس الغزو السوفيتي للمجر على أحداث امباراة .

نوادر و طرائف : شهدت مسابقة 3 آلاف متر موانع للرجال اضطرابا وجدلاً واسعاً إذ جرد القضاة العداء البريطاني ( كريس براشر ) من ذهبيته معتبرين أنه أعاق أثناء السباق منافسه النروجي ( ارنست لارسن ) واعتبر المجري ( سانور روزنيوي ) فائزاً بالسباق ، لكن البريطاني استأنف القرار وبشكل ملفت لقي دعماً من ( لارسن و روزنيوي ) والعداء الألماني ( هاينز لوفر ) الذي حل رابعاً ، ونجح البريطاني باستئنافه وأعيدت له الميدالية الذهبية  .

بات الملاكم المجري ( لازلو باب ) أول ملاكم يحتفظ بلقبه ثلاث دورات متتالية هي دورات ( لندن 1948 وهلسنكي 1952 وملبورن 1956 ) حيث في الأولى بذهبية وزن المتوسط ، وفي الثانية والثالثة فاز بذهبيتي وزن الخفيف المتوسط .

وشهدت مسابقة السباحة ظهور مسابقة جديدة هي سباحة الفراشة واقتصرت على ( 200 م  ) رجال و  ( 200 م ) سيدات . واستخدمت الزانة المصنوعة من الألياف الزجاجية للمرة الأولى في مسابقة القفز بالزانة من قبل اليوناني ( يورغيوس روبيناس ) الذي حل ثالثا . واستمرت سيطرت البرازيلي ( اديمار فيريرا دا سيلفا ) على مسابقة الوثبة الثلاثية ففاز بالذهبية الثانية بعد التي حققها في هلسنكي يوم توج بالمسابقة للمرة الأولى .

فاجأ الفرنسي الجزائري الأصل ( ألن ميمون ) الكثيرين بإعلانه خوض سباق الماراثون سعيا إلى تتويج ذهبي طال انتظاره له بعدما لفت الأنظار ببروزه في سباقي ( 5 آلاف و10 آلاف م ) في دورتي لندن وهلسنكي ، وكان ينتظر حدثا سعيدا في بلاده ، وعشية السباق المقرر في الأول من كانون الأول تبلغ برقيا بولادة طفلته التي سماها ( أولمب ) تيمنا بالمناسبة. وحملته الفرصة الكبيرة لبذل جهد استثنائي وسط حرارة مرتفعة تخطت 35 درجة مئوية ليفوز في النهاية بالميدالية الذهبية .

الأمريكي ( هارولد كونولي ) كان عريس ملبورن على محورين ، فقد أحرز ذهبية رمي المطرقة مسجلا رقما عالميا مقداره 63.19 م، وتجاوز “إنجاز” المجري جوزف شيرمك في هلسنكي بنحو 3 أمتار. وتعدت شهرته الآفاق بمباركة من أكثر من مائة ألف متفرج في استاد ملبورن بعدما تطور إعجابه ببطلة رمي القرص التشيكوسلوفاكية ( أولغا فيكوتوفا ) إلى حب ثم إلى الزواج بعد نحو ثلاثة أشهر .

صورة الاختلاط الجميل و الودي التي ظهرت بين الوفود في حفل اختتام الألعاب لم تكن كافية لعودة أعضاء الوفد المجري كلهم على إلى بلدهم ، فمن بين ( 112 ) شخصا تشكلت منهم البعثة المجرية عاد (44 ) منهم فقط  ولم يكن من بينهم الفائزين بالميداليات الذهبية ومنهم أبطال كرة الماء وبقي ( 16 ) في استراليا وتوجه ( 52 ) إلى الولايات المتحدة .

نجح السوفيات ومن المشاركة الاولمبية الثانية لهم تحت اسم الاتحاد السوفياتي في كسر الهيمنة الأميركية على الاولمبياد فتصدروا قائمة الميداليات بفارق 24 ميدالية في المجموع العام عن الأميركيين .

جدول الميداليات :  تصدر الاتحاد السوفياتي للمرة الأولى جدول ميداليات الدورة برصيد (37 ميدالية ذهبية و29 ميدالية فضية و32 برونزية ) أمام الولايات المتحدة التي فازت بـ (32  ميدالية ذهبية و25 فضية و17 برونزية ) وجاءت أستراليا ثالثة بـ (13 ذهبية و8 فضيات و14 برونزية ) والمجر رابعة بـ (9 ذهبيات و10 فضيات و7 برونزيات ). وسجلت 38 دولة اسمها في جدول الميداليات . وفي المجموع العام للميداليات احتل الاتحاد السوفياتي الصدارة للمرة الأولى برصيد ( 98 ) ميدالية مقابل( 74 )  ميدالية للولايات المتحدة و ( 35 ) لأستراليا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى