صفحات من تأريخ الألعاب الأولمبية – الحلقة السابعة عشرة
الدورة التاسعة عشرة … مكسيكو … 1968
أ. د إسماعيل خليل إبراهيم
نائب رئيس لجنة الشباب والرياضة
أقيمت دورة الألعاب الأولمبية في مدينة ( مكسيكو ) ما بين ( 12 إلى 27 / تشرين الأول 1968 ) حيث أعلن الرئيس المكسيكي ( غوستافو دياز أورداز ) افتتاح الدورة التي سبقتها بأيام قليلة تظاهرات للطلبة تم قمعها من قبل الحكومة المكسيكية مما هدد الدورة بالإلغاء لكن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية ( أفري برونديج ) أعلن أن الألعاب لن تؤجل ، وعلى الرغم من ذلك فإن الأحداث التي شهدها العالم حينها أثرت بشكل سلبي على الرياضيين المشاركين في الدورة . أصبحت المكسيكية ( نورما انريكيتا بازيليو دي سوتيلو ) أول امرأة تقوم بإيقاد الشعلة الأولمبية ، فيما ردد القسم الأولمبي بطل ألعاب القوى المكسيكي ( بابلو غاريدو ) .
شاركت في الدورة ( 112 دولة ) لتكون المرة الأولى التي يتخطى فيها عدد الدول المشاركة ( 100 ) دولة منها ( 12 دولة ) شاركت للمرة الأولى هي ( باربادوس و بيليز و غينيا و هوندوراس و جزر العذراء الأميركية و الكويت و نيكاراغوا و باراغواي و جمهورية أفريقيا الوسطى و السلفادور و سيراليون و سورينام ) و شاركت كل من ألمانيا الشرقية و المانيا الغربية بوفد مستقل ، واستمر منع جنوب أفريقيا من المشاركة في الأولمبياد بسبب سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها . أما عربيا فشاركت ( الجزائر و مصر و تونس و المغرب و لبنان و سوريا و الكويت و العراق ) .
مثل الدول المشاركة ( 5516 لاعبا ولاعبة ) منهم ( 781 ) من النساء ، تنافسوا في ( 18 ) لعبة مختلفة هي : ألعاب الماء ( سباحة ، غطس ، كرة ماء ) و ألعاب قوى و كرة السلة و الملاكمة و الكانوي كاياك و الدراجات و الفروسية و المبارزة و كرة القدم و الجمباز و الهوكي على الحشيش و الخماسي و التجذيف و الإبحار و الرماية و الكرة طائرة و رفع الأثقال و المصارعة .
أبرز أبطال الدورة : يعد ( بوب بيمون ) من أبرز من مرَّ في تاريخ رياضة الوثب الطويل ومن أبرز أبطال دورة مكسيكو ، وهو أميركي الجنسية ، كان عام ( 1968 ) الذروة في انتصاراته حيث فاز بـ (22 ) مسابقة من بين ( 23 ) شارك فيها قبل الألعاب الاولمبية في مكسيكو ، لكنه واجه في التصفيات خطر احتمال الإقصاء من المسابقة حين أخطأ في أول محاولتين له وبقيت له واحدة تمكن من النجاح فيها والعبور للنهائي الذي جرى يوم ( 18 تشرين الأول ) وفيه حقق ( بيمون ) ومن القفزة الأولى مسافة ( 8،90م ) محطماً الرقم السابق بـ ( 55 سم ) والذي كان ( 8،35 ) ، والغريب أن ( بيمون ) لم يستطع بعدها تحقيق رقمه أو حتى الاقتراب منه .
وشهدت مسابقة الوثب العالي استخدام تقنية جديدة ما زالت معتمدة إلى اليوم وهي التقنية التي عرفت باسم ( فوسبوري ) نسبة للقافز الأميركي ( ديك فوسبوري ) الذي فاز بالميدالية الذهبية للمسابقة مسجلا رقما أولمبيا جديدا بلغ ( 2،24م ) ، وقد أحدثت هذه التقنية ثورة حقيقية في الوثب العالي .
أحرزت ( فيرا كاسلافسكا ) لاعبة الجمباز التشيكوسلوفاكية، ، أحرزت في مسيرتها الأولمبية 11 ميدالية بينها 7 ذهبيات وأربع فضيات، تقسمت ذهبياتها بين ثلاث في أولمبياد 1964، أربع ميداليات ذهبية على أجهزة ( الفردي العام و حصان القفز و المتوازي المختلف الارتفاع و الحركات الأرضية ) ، ليصبح مجموع ما أحرزته من ميداليات في مشاركاتها الأولمبية ( 11 ) ميدالية منها ( 7 ) ذهبيات وأربع فضيات توزعت بين أولمبياد ( طوكيو 1964 ، مكسيكو 1968 ) .
وبرز رامي القرص الأميركي ( آل اورتر ) الذي فاز برابع ميدالية ذهبية له على التوالي في المسابقة مسجلاً ( 64،78م ) ومحققا رقماً اولمبيا جديدا . عربيا نالت تونس ذهبية سباق الخمسة آلاف متر بفوز بطلها ( محمد القمودي ) الذي نال أيضاً برونزية سباق العشرة آلاف متر وهو الذي سبق وأن توج بفضية السباق في أولمبياد 1964 .
تمكن العداؤون الأفارقة في اولمبياد ( 1968 ) من تسجيل انجاز تاريخي بفوزهم بجميع سباقات المسافات المتوسطة و الطويلة بدءاً من سباق ( الـ1500م حتى الماراثون ) في إنجاز كان الأول من نوعه على الصعيد الأولمبي ، حيث أحرز العداء الكيني ( كينو كيبتشوغي ) ذهبية سباق ( الـ1500م ) ، والتونسي ( محمد القمودي ) ذهبية ( الـ5000 آلاف متر ) ، والكيني الآخر ( تيمو نافتالي ) ذهبية ( الـ10 آلاف متر ) ،والاثيوبي ( مامو وولدي ) ذهبية ( الماراثون ) ، و ( أموس بيووت ) ذهبية ( الـ3 آلاف متر موانع ) .
شهدت اولمبياد مكسيكو أول مشاركة نسائية في رياضة الرماية عن طريق البولونية ( انريكيتا بازيليو ) والبيروفية ( غلاديس سيميناريو ) ، وباتت الاميركية ( فيوميا تيوس ) أول عداءة تحتفظ بلقبها في مسابقة الـ100 متر ، وسجل العداء الأميركي ( تومي سميث ) رقماً عالمياً جديداً في سباق ( 200 م ) متخطياً لأول مرة في تاريخ السباق حاجز ( الـ20 ثانية ) بتسجيله ( 19،83ث ) .
في بقية اللعبات تصدرت اليابان الجمباز بست ذهبيات مقابل خمس للسوفيات وأربع لتشيكوسلوفاكيا ، ونال السوفيات ذهبيتي الكرة الطائرة للرجال و النساء على حساب اليابان في الفئتين ، وفازت الباكستان بالهوكي على الحشيش على حساب أستراليا والهند ، واكتسحت الولايات المتحدة مسابقات السباحة بحصوها على ( 21 ) ميدالية ذهبية بينها ( 11 ) حصلت عليها السيدات ، وحصلت فرنسا في سباقات المضمار للدراجات عن طريق ( دانيال مورلون و بيار ترنتان و دانيال روبييار ) على أربع ذهبيات من أصل خمس .
وفي كرة القدم شارك 16 فريقاً وفازت المجر في النهائي على بلغاريا ( بأربعة أهداف لواحد ) ، فيما نالت البرونزية اليابان بفوزها على المكسيك ( بهدفين دون مقابل ) .
غرائب و نوادر : تميز اولمبياد مكسيكو باعتماد اختبار المنشطات لأول مرة وتم اجراء الفحوصات في خمس لعبات بواقع خمسون اختبار يومياً طيلة أيام الدورة ، إذ كان يؤخذ يومياً ست عينات من بول أول ستة رياضيين من الأول للسادس في العبات الفردية ، وكان مجموع من خضع في النهاية لاختبار المنشطات طيلة ايام الدورة ( 667 ) رياضياً ورياضية للاختبار . وقد أسفرت الاختبارات عن ظهور حالة إيجابية واحدة تمثلت للاعب السويدي ( هانس-غونار ليلينفال ) حيث وجد في دمه آثار مواد منشطة لتكون أول حالة منشطات في التاريخ الاولمبي رسمياً .
اعتمد التوقيت الإلكتروني رسمياً في الألعاب للمرّة الأولى ، وأزال استخدام أرضية الترتان على مضمار ألعاب القوى أي عائق طبيعي أمام العدائين ، وأجريت فحوص للتأكد من الأنوثة.
ذاع صيت العداء التنزاني ( جون ستيفن أكواري ) عالمياً على الرغم من أنه حل في المرتبة الأخيرة في سباق الماراثون الذي شارك فيه 74 متسابقاً ، إذ تعرض أثناء المشاركة لإصابة قوية وخطيرة في الركبة اضطر معها اكمال السباق وهو يعرج متحاملاً على ألمه وقد عبر خط النهاية بزيادة أكثر من ساعة عن زمن باقي المتسابقين وقال عقب وصوله : ( لم يرسلني بلدي من مكان يبعد 10 آلاف كلم عن هنا كي أنطلق في السباق بل كي أنهيه ) فكان مثالاً للإصرار و العزيمة والحرص على التمثيل المشرف لبلده .
القت الأحداث العالمية التي سبقت الأولمبياد بضلالها على بعض جوانب الدورة ومنها ما قام به العداءان الأميركيان ( تومي سميث وجون كارلوس ) اللذان حلا في المرتبة الأولى والثالثة في سباق 200 متر ، فأثناء التتويج وعزف النشيد الأميركي رفع العداءان قبضتهما بما عرف آنذاك بـ ( القبضة السوداء ) في رسالة احتجاج على السياسة العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية ، فما كان من اللجنة الاولمبية الدولية إلا أن رفضت تصرفهما باعتبار أن السياسة لا مكان لها في الألعاب الاولمبية ، لذا تم طردهما من الحركة الأولمبية ومنعا من الاشتراك فيها مدى الحياة .
تصدرت أمريكا جدول الميداليات بحصولها على ( 45 ميدالية ذهبة ، 28 ميدالية فضية ، 34 ميدالية برونزية ) و بمجموع 107 ميداليات ، وحل الاتحاد السوفيتي ثانياً بـ ( 29 ذهبية ، 32 فضية ، 30 برونزية ) و بمجموع 91 ميدالية ، وجاءت اليابان ثالثة بـ ( 11 ذهبية ، 7 فضيات ، 7 برونزيات ) وبمجموع 25 ميدالية ، وحلت المجر رابعة بـ ( 10 ذهبيات ، 10 فضيات ، 12 برونزية ) وبمجموع 32 ميدالية ، و حلت المانيا الشرقية خامسة بـ ( 9 ذهبيات ، 9 فضيات ، 7 برونزيات ) وبمجموع 25 ميدالية .