تعليم المرأة .. حاجة ملحة في المجتمعات العربية
دكتورة مثال عبدالله العزاوي/ جمهورية العراق
عضو لجنة العلوم الاجتماعية والانسانية / المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
مدير قسم البحوث والتوثيق / الجهاز التنفيذي لمحو الأمية
يعتبر التعليم من وجهة نظر الخبراء التنمويين أحد ركائز العملية التنموية التي تحقق في جوهرها جملة من الفوائد على مستوى التنمية الذاتية للأفراد كما التنمية الوطنية في آن معا. أن تعليم المرأة له نكهة تنموية بمذاق خاص كونه يحقق مكاسب إضافية لا بد ستلقي بظلالها على التمكين الذاتي للمرأة والأسرة كما المجتمع. من بين ذات المكاسب؛ إطلاق الطاقات الإبداعية الكامنة لديهنّ بفعل الثقافة الذكورية والعادات والتقاليد التي تنظر إليهنّ من منظور إنجابي يحصرهن في أروقة العمل المنزلي وتبعاته، وبالتالي غير قادرات على ترك بصماتهن في الحياة العامة على اختلاف مستوياتها، كما تشمل زيادة الإنتاجية الاقتصادية لهن، زيادة دخول أسرهن، انخفاض معدلات الخصوبة لديهن، تحسين مستويات الصحة لهن ولأفراد عائلاتهن، رفع معدلات البقاء على قيد الحياة لأطفالهن، وأخيرا يمكنهن من المضي قدما بغية امتلاكهن القدرة للسيطرة على قراراتهن التي تتعلق بخياراتهن في رسم ملامح الحياة اللاتي ينشدنها. وهو أيضاً الأساس لنهوض أي مجتمع من المجتمعات، من خلال أهميته المعرفية والثقافية ودوره وفاعليته في إعداد قطاعات كبيرة من العقول المنتجة والمساهمة في التنمية وعلى مدار تاريخ الانسانية، ونطاق تحولاتها الجوهرية، فأن نقطة الارتكاز الأساسية مازالت متمثلة بالتعليم والتعلم والتربية، وإذا أرادت أمة من الأمم أو مجتمع من المجتمعات، الرقي والارتقاء، أو النهوض من نكسة أو نكبة فأن الوصفة الجاهزة هي الانطلاقة، نحو مزيد من المتعلمين والمعلمين والمدارس والجامعات، مع الأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص في التعليم، الذي يعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى التوسع في جميع مراحل التعليم ومؤسساته لتستوعب كل من لديه الاستعداد والقدرة من ابناء المجتمع. لأنه يُعد أداة أساسية ورئيسة في بناء القدرات البشرية اللازمة لتقدم الفرد والمجتمع وخاصة المرأة لأنها أساس بناء الأسرة الرصينة والمتعلمة، من خلال تأثيرها في تعليم الابناء وصحتهم والحفاظ على العلاقات الأسرية وتحويلها من علاقة سلطوية الى علاقة شراكة، والتعليم يجعل المرأة قادرة على أن تكون عضواً فاعلاً في المجتمع، ويزيد من وعيها بالآليات القانونية والقضائية لحمايتها من انتهاكات الحقوق بما في ذلك الاستغلال والُعنف المنزلي، فضلاً عن ذلك يعزز مشاركتها في الحياة الديمقراطية للدولة مما يزيد مشاركتها في مجالات صنع القرار وهياكل السلطة الرسمية، وتعليم المرأة يغير علاقات القوة غير المتكافئة السائدة دائماً في المنزل والجو العام للتجربة الحّية لاضطهادها. لذا لا يمكن أن نعترف بأهمية التعليم دون تحقيق المساواة بين الجنسين لتحقيق الأهداف الاجتماعية والثقافية والسياسية باعتبار المرأة تشكل كل المجتمع. فتعليمها من أهم قوى الكرامة الإنسانية كما أنه مسألة من مسائل حقوق الإنسان واستراتيجية للتقدم بسرعة في مجال التنمية البشرية والسلام، وهو أيضاً أفضل استثمار على المدى الطويل لأي بلد ينشد تعزيز الاندماج الاجتماعي والعدالة والمساواة والنمو الاقتصادي. حصل بعض التطور في تعليم الاناث وبالأخص الالتحاق وتنفيذ الزامية التعليم الابتدائي الذي اعطى بعداً جديدا لمشاركتها في النظام التعليمي، انطلاقا من مبدأ أن اعطاءها المزيد من فرص التعليم ينعكس بصورة متزايدة على تكافؤ الفرص في سوق العمل وسيخلق أنماط جديدة في هيكل العمالة، الا ان الواقع المتحقق عدم تحقيق مشاركة للإناث متساوية مع الذكور مما انعكس على البنية التعليمية للسكان الإناث وعندما تحصل الفتاة على فرصة للتعلم من خلال الحصول على تعليم مدرسي جيد والاستمرار فيه، فإن لهذا تأثيراً تحويلياً ليس فقط على فرص حياتها الخاصة وتحقيق حقوقها الإنسانية، بل وعلى البيئة الاجتماعية والاقتصادية الاوسع نطاقاً.
فتعليم المرأة أهمية خاصة في السياسة التعليمية لعدة اعتبارات تنطلق من أهمية الارتفاع بالمستوى العلمي والكمي والنوعي لمساهمة المرأة في النشاط الاجتماعي، وهو يشمل مجموعة معقدة من القضايا والمناقشات المحيطة بتعليمهن في مراحل التعليم (الابتدائي، والثانوي، والعالي، وعلى وجه الخصوص التربية الصحية) ويتضمن مجالات المساواة بين الجنسين وتلقي التعليم، وارتباط ذلك بتخفيف وطأة الفقر. كما يتضمن أيضاً قضايا تعليم جنس واحد، والتعليم الديني، وتقسيم التعليم بين الجنسين على عدة أسس، وكذلك التعاليم الدينية التي كانت سائدة، ولاتزال ذات أهمية كبيرة في المناقشات المعاصرة التي يدور موضوعها حول تعليم الإناث بوصفه موضوع ذات اعتبار عالمي،
في الختام نود ان نبين بأن الدول العربية تعاني في مجال تحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم، رغم الجهود التي بذلتها لتحقيق الهدف الثاني من أهداف الألفية، أي توفير التعليم الابتدائي للجميع. إذ تشير آخر الإحصائيات الى أنه “على العالم العربي أن يبذل مزيدا من الجهد لتمكين حوالي 5 ملايين طفل (61% من البنات) في سن التعليم الابتدائي من التمتع بهذا الحق”. ومن يتصفح التقارير الوطنية للدول العربية المتعلقة بتحقيق أهداف الألفية عموما، وهدف التعليم الإبتدائي للجميع، سيصادف التشديد المتكرر على الجهود المبذولة لبلوغ هذا الهدف. وهو ما يتم دعمه بأرقام كثيرا ما تكون قريبة من تحقيق المأمول، أذن لابد من أيلاء موضوع تعليم المرأة أهمية خاصة في السياسة التعليمية لعدة اعتبارات تنطلق من أهمية الارتقاء بالمستوى العلمي الكمي والنوعي لمساهمتها في النشاط الاجتماعي، واعطاءها المزيد من فرص التعليم ينعكس بصورة متزايدة على تكافؤ الفرص في سوق العمل وسيخلق أنماط جديدة في هيكل العمالة .