لغتنا العربية … هل تصمد؟ أم حان وقت التجديد؟
لغتنا العربية … هل تصمد؟ أم حان وقت التجديد؟
بشار عبد الجبار صالح بيك
عضو لجنة الصناعة والطاقة
المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
مراجعة سريعة لبرامج تدريس اللغة العربية في مدارس أمتنا، وإلى نتائج التوجيهي (البكالوريا)، والتي تمثل أعلى مراحل الدراسة قبل الجامعة .. فضلًا عن قراءة لمواقع التواصل الاجتماعي، وما تحويه من عبارات لفظية، وأسلوب كتابة تعطيك انطباعًا عامًا حول اللغة العربية … إنها تغيب عن الجيل الجديد وتتخذ صورًا جديدة تأثرت في اللهجات العامية والمحلية واللغات الحية الأخرى ….
يعيدني ذلك إلى أيام دراستي الثانوية والأولية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وتعلقنا باللغة العربية نثرًا وشعرًا وكتابة ولفظًا …، وكم كانت سلسة وجميلة تنساب إلى مسامعنا، في حين كانت معضلة أغلب الطلبة حينها هي اللغة الأجنبية (الإنكليزية غالبًا).
إننا يا سادتي اليوم نواجه كارثة كبرى ترتبط بلغة يفترض أنها (لغتنا الأم) لغة آبائنا وأجدادنا، اللغة التي تعرفنا على أننا أمة العرب!! هذه المعضلة أراها في شبابنا.. اسمعها في قنواتنا الفضائية… في مذيعينا ومتعلمينا قبل البسطاء منا… حتى غدت اللغة الفصحى كما تسمى غائبة غريبة على الألسن وبعيدة عن الآذان …
وبما أني عشت العصرين… عصر اللغة النقية، ثم الهجينة، وبحكم تخصصي العلمي التقني … وتعايشي المستمر مع لغات أجنبية حية أخرى مارستها في حياتي العملية، ودرستها ولعًا وحبًا في اللغة المعبرة عن الشعوب الناطقة بها… وجدت أن اللغات الحية قد تطورت مع الزمن ولم تعد كما كانت قبل قرن أو اثنين ما عدا لغتنا العربية التي صمدت بوجه التغيير إلى اليوم….
اللغات الحية وخصوصًا اللغة الإنكليزية تطورت وتشكلت بأشكال جديدة مع التطور التقني والصناعي، واختلاط الشعوب المستخدمة لها، وصارت اللغة العالميّة الأولى بسبب تفوّق دولها في المجالات المذكورة، ويكفي القول، مثلاً لا حصراً، إنّ الإنكليزيّة هي لغة الحاسوب ومتفرّعاته، مما أنتج اغتناؤها بعدد هائل من الكلمات الجديدة سنويّاً…..
انعكس هذا بكل تأكيد على اللغات الأخرى، فبدأت بالانكماش والتغير؛ لعجزها عن المنافسة في مجالات الإنتاج والإبداع، ولتراجع استخداماتها العملية، وظهرت لغات جديدة يستخدمها الجيل الجديد تماشيًا مع ما يستخدم من وسائل تواصل وكتابة، ووصل هذا الجيل إلى قناعة مفادها أن لغته الفصحى لا تفي بالغرض، ولا تتواءم مع متطلبات العصر وسرعة إيقاعه، فابتكر لغته التي تنسجم مع أدواته، أو ما يطمح أن يكون عليه في عالم جديد متسارع…
السؤال اليوم هو: أين تربويونا اليوم؟ كيف يجب أن يكون كتابنا المدرسي؟ هل نبقى حبيسي القواعد والنحو وأصوله والوزن والقافية؟ هل نستمر بتدريس الأدب القديم؟ أم نواكب لغة جيلنا الجديد؟ هل هناك مجال للتناغم بين الاثنين والتطوير كي نساير المتغيرات؟ كيف نساير الانشطار الذي نعانيه في البلدان العربيّة جميعها بين الكلام الفصيح المكتوب والكلام العاميّ المحكيّ؟
شبابنا اليوم يعاني مما يسميه: القِدَم والتخلّف عن حركة الواقع في اللغة العربيّة وتعليمها، وأضحوا ينفرون منها، حيث باتوا أكثر ميل إلى السرعة والإيجاز والتيسير والاختزال في كلامهم كما في كتاباتهم….
لست مدرسًا للغة العربية ولا معلمًا لها؛ لكني محب لها عاشق لمرونتها وسلاستها في التعبير … لا أريد أن أوصف بأني أطلب إحلالها بلغة هجينة، أو اختزالها أو تفكيكها معاذ الله ، إنّما أطالب وأدعو إلى إعادة النظر في أسلوب تدريسها، وتقريبها إلى أذهان جيلنا الجديد واللحاق بشيء من السرعة بالمستجدّات التي تغزونا…
إن هذا بلا شك يستدعي نوعًا من الجرأة والشجاعة لمفكرينا ولغويينا … وقد سبقنا في ذلك الأوروبيّون حين تجاوزوا اللاتينيّة القديمة من غير أن يردعهم عن ذلك كونها لغة اجدادهم ورمزا من رموز عراقتهم، فهل يجرؤ العرب على فعل كهذا؟ سؤال بحكم إجابتكم وإجابة ذوي الشأن.