الدور الايراني في أزمة الكهرباء المستديمة في العراق
الدور الايراني في أزمة الكهرباء المستديمة في العراق
بقلم الدكتور بشار عبد الجبار
استشاري واستاذ مشارك
عضو لجنة الصناعة والطاقة في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
منذ اكثر من ثمانية عشر عاما !! والمشكلة هي هي كما كانت دوماً كل صيف في العراق … تشتد ازمة الكهرباء ويثور الناس ويبحث الجميع في خلايا ازمة ومعالجات ترقيعية ساذجة عن حل اني وابرة تخديريه جديدة عسى ولعل!!
البعد الايراني للازمة :
أن طبيعة ومدى دور طهران واضح جلي لدى المختصين في مجالات تزويد الطاقة بصورة مباشرة او من خلال الوقود الغازي…..
كُتب الكثير عن اعتماد بغداد على الطاقة الإيرانية، وعملت الولايات المتحدة وبعض شركائها في السنوات الماضية على الحد منها دون جدوى … ففي عهد ترامب أعيد فرض عقوبات ثانوية أمريكية على الجمهورية الإسلامية بقصد وقف الصادرات إلى العراق لكن تم إصدار إعفاءات من العقوبات في نهاية المطاف بشرط أن يعمل العراق على تقليل اعتماده على إيران وقد تعرضت حكومة بغداد لضغوط ايرانية واضحة بسبب ذلك وبسبب انفتاحها للتعامل مع جيرانها العرب لتنويع إمدادات الطاقة كذلك. و تلوح ايران بين الفينة والأخرى بقطع امدادات الغاز او من خلال إيقاف التغذية الطاقوية بحجة المطالبة بسداد العراق لديونه البالغة 6 مليارات دولار أمريكي لإيران.
الصادرات الايرانية للعراق:
تصدر إيران في المتوسط 1.2 جيجاوات من الكهرباء إلى العراق – أي ما يعادل حوالي 6٪ من إجمالي إمدادات البلاد البالغة 19 جيجاوات حسب احصاءات الوزارة الرسمية .
كما ان هناك مساهمة إيرانية اكثر أهمية لشبكة الكهرباء في العراق تتمثل في استيراد الغاز الطبيعي من خلال خطي أنابيب يستخدمان لمحطات الطاقة في البصرة والسماوة والناصرية وديالى وتغذي محطات الطاقة الرئيسية بما يصل الى 50 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم ومثل هذا الحجم يمكن أن يستخدم لتوليد ما يصل إلى 6 جيجاوات اي ما يعادل ثلث إمدادات العراق تقريبا!!
يستند الضغط الإيراني على العراق في هذين المجالين الى الخلل الفادح في أسلوب التعاقد مع ايران لتجهيز العراق بالغاز والطاقة واستغلال ايران البشع لهذا الخلل مما حمل العراق ديونا مستحقة لازمة السداد لإيران لم يستطع تلبيتها وما زالت ايران تلوح بقطع امدادات الطاقة بكافة أنواعها بين الحين والأخر ان لم يسدد العراق هذه الديون المستحقة
وكمثال على اساليب الضغط الايراني ودورها في تخريب هذا القطاع فقد أعلنت طهران أواخر العام الماضي أنها ستخفض صادراتها من الغاز بنسبة 90٪ لتصل إلى 5 ملايين متر مكعب في اليوم واستمرت في عدم ضخ القيم المتعاقد عليها رغم مفاوضات واتفاقات متفرقة خلال الفترة الماضية …حيث وصلت الصادرات الغازية الايرانية في حزيران من هذا العام الى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا بما يوازي 40% فقط من القيمة المتعاقد عليها … كما توقفت صادرات الكهرباء بالكامل …
وفي 18 حزيران / يونيو ، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن الشركة الإيرانية لتوليد وتوزيع ونقل الطاقة الحكومية (تافانير) قولها إن صادرات الكهرباء إلى العراق قد توقفت بعد “هجوم إرهابي” وأن الخط المار بمحافظة ديالى الشرقية قد توقف ، مما أدى إلى انخفاض حاد في صادرات الكهرباء.
ولكي يزداد الضغط ويتعزز تقوم فئات معروفة الولاءات بضرب وتخريب خطوط امداد الطاقة (خطوط الضغط العالي لنقل الطاقة) لإيقاف تشغيل المحطات ومنع تجهيز المستهلكين حيث تم خلال أسبوعين فقط تدمير او تخريب (104 ) أبراج لنقل الطاقة حسب إحصاءات الوزارة الرسمية لأسباب يفهمها العارفون بالشبكة ، علما أن تكلفة اعادة البرج الواحد الى الخدمة تبلغ بحدود 30 مليون دينار تقريبا ..
بعد هذه الخلاصة السريعة للدور التخريبي الايراني وتحكمه في انتاج نسبة لا باس بها من الطاقة الكهربائية …لابد من الإشارة إلى ان هناك فجوة هائلة بين السعة القصوى في ظل الظروف المثالية مقابل إنتاج الطاقة الفعلي في المنظومة الوطنية العراقية حيث يشير تقرير عام 2020 إلى أن الانتاج الفعلي وصل الى “11.9 جيجاوات فقط” وبما يقرب من ثلث السعة القصوى البالغة 30 جيجاوات تقريبا.
أن القدرة الفعالة المنخفضة هذه ترجع إلى حد كبير إلى نقص الوقود المجهز للمحطات وعدم مطابقة نوعيته لمواصفات الوقود المطلوب مما يجعل محطات التوليد تعمل بأقل من 60٪ من طاقتها …. اضافة الى الضياعات الهائلة في الطاقة والتي تصل احيانا الى 58٪ من الطاقة الكهربائية المولدة بين الانتاج ولحين وصولها الى المستهلك!!!! وهو رقم مخجل يمكن ان نعزوه الى الكثير من الاسباب والعوامل بما في ذلك المشكلات الفنية نتيجة لضعف الصيانة والأضرار الناجمة عن التخريب والسرقة ….
ما الحل؟
يمكن اختصار الحل بعبارتين طالما نرددها ويقولها معنا كل عارف مخلص في قطاع الطاقة الكهربائية:
ادارة رشيدة حازمة ذات تخطيط استراتيجي ناجز… وارادة وطنية مخلصة ….
لكن ذلك يحتاج الى الكثير ليتحقق والى الزمن الذي ليس في صالح المواطن المستهلك مما يعمل على زيادة المأساة.