أزمة الطاقة الكهربائية في العراق : دراسة ميدانية
أ . د بشار عبد الجبار عبد الرحمن
عضو لجنة الصناعة والطاقة في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
عانى العراق ، بلد الحضارات الأولى والاختراعات… البلد الذي يضم أكثر من 38 مليون مواطن ، رغم كل ما يملك من الموارد المعدنية أو البشرية ، من نقص في إمدادات الطاقة الكهربائية منذ العدوان الثلاثيني عليه عام 1991 ، وتراكمت الأزمة واستفحلت بعد الغزو الاميركي عام 2003 ووصول المعارضة الجديدة للسلطة. في هذه الورقة، سيتم عرض مراجعة لحالة الطاقة الكهربائية في العراق منذ دخولها للخدمة والى اليوم ، مع التركيز على التحديات واقتراح بعض الحلول العملية لقطاع الكهرباء في العراق.
- مراجعة تاريخية
يعتبر العراق من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي دخل اليها الكهرباء منذ 100 عام ، وتحديدا مع الاستعمار البريطاني عام 1917. حيث تم تركيب أول آلة كهربائية في مبنى خان دله في بغداد. ومنذ ذلك الحين ، مر العراق بتاريخ طويل من الأحداث والمتغيرات التي اثرت على الشبكة الكهربائية واستخداماتها.
ولو عدنا الى ما قبل حرب الخليج 1991 مباشرة لوجدنا ان إجمالي طاقة التوليد بلغ 9295 ميغاواط، وبلغ عدد السكان الذين يتمتعون بخدمات الكهرباء ما يقارب ال 87٪ من سكان العراق ذلك الوقت.
خلال حرب الخليج عام 1991، تلقت الشبكة الكهربائية آلاف الضربات الجوية وتم تدمير حوالي 90 ٪ من الشبكة الكهربائية ، وتأثر ما يقرب من 80 ٪ من وحدات التوربينات الغازيه اضافة الى العديد من خطوط النقل مع تلف وخروج العديد من المحطات الفرعية خارج الخدمة. حيث بلغ عدد الوحدات العاملة بعد الحرب عام 1991 ، حوالي 50 وحدة فقط بطاقة توليد تبلغ 2،325 ميجاوات.
بمجرد وقف اطلاق النار قام العراقيون بحملة اعادة اعمار سريعة وخيالية بما يتوفر لديهم من مواد احتياطية وبخبرات عراقية خالصة واستطاعوا خلال زمن قياسي إعادة تأهيل 25٪ من قدرات التوليد المدمرة والتي وصلت إلى 3000 ميجاوات خلال الأشهر الستة الأولى بعد ايقاف اطلاق النار في الأول من مارس 1991.
عاش العراق فيما تلا عام 1991 حصارا ظالما وحظرا على العديد من مناحي الحياة مما انعكس على انتاج الطاقة الكهربائية وبدأت الحكومة العراقية 1992 بتطبيق مبدأ توزيع الحمل والقطع المبرمج لتفادي نقص الطاقة المجهزة وكإجراء احترازي آخر لمواجهة تصاعد الطلب والأزمة المالية بسبب الحظر ، بدأ العراق بتنفيذ مبدأ التمويل الذاتي في جميع دوائر الكهرباء في عام 1996. وفي عام 1999 ، تم إنشاء هيئة الكهرباء الوطنية العراقية التي أصبحت فيما بعد وزارة الكهرباء في نهاية عام 2002 .
مع بداية العام 2003 وقبل الغزو الاميركي للعراق كانت طاقة التوليد المتاحة قد بلغت 4500 ميجاواط مع بقاء امدادات الطاقة غير كافية مقابل الطلب وكانت عمليات القطع المبرمج مستمرة ومتكررة.
ما بعد الحرب
بعد كل ما حصل اثناء حرب 2003 وما نجم عنها وما بعدها من تخريب وسلب ونهب تأثرت البنية التحتية لمنظومة الطاقة بكاملها في العراق. واستمرت الاعطال وتفاقم نقص قطع الغيار اضافة الى توقف اعمال الصيانة الدورية مما اثر على الانتاجية وانخفضت السعة إلى 3300 ميغاواط تقريبًا في حين بلغ الطلب 6000 ميجاوات تقريبا في العام 2004 كما ورد في تقرير الوكالة المسؤولة عن مشاريع الائتلاف PCO.
وفي عام 2006 ، كان متوسط إمداد الكهرباء بالذروة 4،280 ميغاواط مقابل حجم طلب وصل الى 8800 ميغاواط. واستمر التخبط وعدم التخطيط لما تلا من اعوام حيث بلغ مجمل انتاج الكهرباء في منتصف عام 2013 بحدود 10000 ميكاواط في حين بلغ معدل الطلب اكثر من 14000 ميكاواط.
(داعش) ISIS وما بعدها:
قبل يونيو 2014 ، بلغت الطاقة التصميمية لمحطات الطاقة باستثناء حكومة إقليم كردستان 26900 ميغاواط. وفي يونيو / حزيران 2014 ، سيطرت ما تسمى بالدولة الإسلامية (IS) / داعش، على ثاني أكبر مدينة في العراق ، الموصل ، إلى جانب العديد من المدن الأخرى في شمال وغرب البلاد، مما جعل حوالي ثلث المساحة الكلية للعراق بيد الارهاب وتم بسبب ذلك تدمير معظم محطات الطاقة والمحطات الفرعية في المنطقة مما تسبب في أضرار وخسائر كبيرة للشبكة.
لقد ضربت هذه الأزمة خطط التنمية الاقتصادية الطموحة في البلاد ، بما في ذلك الجهود الرامية إلى إصلاح قطاع الكهرباء الهش الذي عانى من انقطاع التيار لفترة طويلة وانخفضت أموال الاستثمار في قطاع الكهرباء إلى ثلاثة مليارات دولار فقط في عام 2015 ، وفقا لأرقام الميزانية الاتحادية الصادرة.
كما أعلنت وزارة الكهرباء أن تقدم داعش والعمليات العسكرية لطرده من العراق، وموجات النازحين داخلياً، وتراجع أسعار النفط العالمية أدى إلى تقويض خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ، وكانت خطوط النقل مرة أخرى هدفاً لهجمات المسلحين بينما اضطرت عدة محطات توليد كهرباء في محافظات خطرة وغير مستقرة مثل صلاح الدين ونينوى والأنبار وكركوك إلى التوقف بسبب القتال العنيف ، مما تسبب في خسائر إضافية في الشبكة تجاوزت 8000 ميغاواط فبلغت القدرة الكلية المتبقية بحدود 21000 ميجاوات عام 2015-2016 وبخسائر مالية سنوية تقدر بنحو 40 مليار دولار للاقتصاد العراقي.
في عام 2016 بدأ العراق باستعادة الأراضي وبعض المحطات الفرعية ومحطات الطاقة وتم رفع قدرة توليد الطاقة لتصل حوالي 23369 ميجاوات في جميع أنحاء البلاد.
ولو عدنا الى العام الماضي كاخر احصائية ، فان طاقة التوليد في العراق بلغت حوالي 15 جيجاوات ، ونظرًا لظروف التشغيل غير القياسية ، وعمر المنظومة ، ونقص الوقود ، وشحة المواد الاحتياطية فان هذه القدرة تعمل بشكل غير فعال.
وكخلاصة للخسائر التي عانت منها الشبكة الكهربائية في العراق منذ 2003 وحتى نهاية عام 2017 فأنها يمكن تقسيمها إلى فئتين ، مباشرة وغير مباشرة.
الخسائر المباشرة:
- تدمير وسرقة وتخريب المحطة الحرارية الشمالية 6 * 350 ميجاوات: الخسائر المقدرة – 2 مليار دولار
- تدمير وسرقة وتخريب محطة الانبار الحرارية 6 * 300 ميجاوات: الخسائر المقدرة – 1.5 مليار دولار
- تدمير وسرقة وتخريب محطة اليوسفية الحرارية 6 * 210 ميجاوات: الخسائر المقدرة – مليار دولار
- تدمير وسرقة محطة بيجي 6 * 200 ميجاوات حرارية + 800 ميجاوات غاز: الخسائر المقدرة – 3 مليارات دولار
- تدمير وتخريب محطة الناصرية الحرارية 2 * 2010 ميجاوات: الخسائر المقدرة- 0.5 مليار دولار
اما الخسائر المباشرة الناجمة عن الأعمال العسكرية والهجمات الإرهابية
- تدمير الشبكة الكهربائية في الأنبار: الخسارة المقدرة – 2 مليار دولار
- تدمير الشبكة الكهربائية في صلاح الدين: الخسائر التقديرية – 2 مليار دولار
- تدمير كبير للشبكة الكهربائية في ديالى: الخسائر المقدرة – مليار دولار
- تدمير الشبكة الكهربائية للموصل بما في ذلك سد محطة كهرباء الموصل: – 3 مليارات دولار
وبذلك يصل مجموع الخسائر المباشرة إلى قيمة تقدر ب (16 مليار دولار أمريكي)
الخسائر الغير مباشرة
بالإضافة إلى الخسائر المباشرة ، فإن هناك الكثير من الخسائر غير المباشرة حدثت نتيجة للحرب منها:
- تغيير الهيكل التنظيمي لوزارة الكهرباء حيث تم إعفاء عدد كبير من الموظفين المؤهلين وذوي الخبرة واستبدالهم بموظفين غير مؤهلين غير كفؤين وبطريقة عشوائية او بتوصيات من احزاب وميليشيات متنفذة او من خلال الضغط العشائري مما أدى إلى خلق خلل في عمل الوزارة وانتاجيتها، فمثلا: تم زيادة عدد موظفي الوزارة من 34،000 موظف عام 2003 إلى أكثر من 150،000 موظف في عام 2016. كما تم زيادة عدد مديري الدوائر من 12 مديرًا إلى 44 مديرًا عامًا (باستثناء إقليم كردستان). لقد أدى ذلك إلى زيادة التكاليف الإنتاج وبلغت الخسائر المقدرة لهذا التضخم حوالي مليار دولار سنوياً ، أي ما مجموعه 15 مليار دولار في 15 عاما. لقد كان العراق معروفا على المستوى الإقليمي كنموذج متميز بكادره المحترف المتميز وكفاءته الفنية والاكاديمية التي تجلت اثناء إعادة تأهيل الشبكة الكهربائية في جميع أنحاء البلاد بعد حرب الخليج عام 1991. حيث العراقيون في ظروف عمل غير تقليدية على مدار الساعة خلال فترة الحظر (1992-2003) ونجحوا في العثور على طرق بديلة وتدابير مبتكرة لضمان استمرارية الشبكة الكهربائية. لذا فان استبعاد أو استهداف هؤلاء الموظفين المؤهلين كان أحد أهم الأسباب لتراجع قطاع الكهرباء من جميع الجوانب.
- شراء الكهرباء من الدول المجاورة: كما سنبين لاحقا.
- أستيراد الوقود (زيت الديزل) من إيران بما يعادل 4 مليار دولار سنوياً، مع مبالغ اضافية لتحويل الوقود للعمل على الوقود السائل قليل الكفاءة، ويمكن تقدير الخسائر بحدود 40 مليار دولار لمدة 10 سنوات.
- أهم الخسائر التي يصعب حسابها هي الفساد المالي والإداري وضعف الحكومة في استحصال فواتير المستهلكين وجمع الإيرادات ، بالإضافة إلى عدم قدرتها على الحد من الإساءات والسرقات للشبكة.
بإضافة كل ما سبق ، قد تصل الخسائر العراقية في قطاع الكهرباء إلى ما يقارب 110 مليار دولار منذ 2003 ولغاية نهاية 2017 !!
مع كل ما تقدم لا زال العراق يعاني من نقص كبير في تجهيز الطاقة حيث بلغ معدل التجهيز اليومي بما لا يزيد عن 15 ساعة. هذا النقص يسبب خسارات كبيرة للاقتصاد الوطني وتعطيلا لعجلة الاعمار والتقدم في وطن يعاني من تدهور في كافة الاصعدة. كما أدى عدم وجود مصدر طاقة موثوق به من الشبكة إلى تركيب مولدات الديزل الخاصة على نطاق واسع ، والتي يفرض تشغيلها المستمر تكاليف عالية ، وضوضاء وتلوث الهواء حيث تطلق كميات كبيرة من الكربون في الغلاف الجوي. وتشير التقديرات إلى أن خسائر الاقتصاد العراقي الذي يعزى إلى هذا النقص في الطاقة يتجاوز ال 40 مليار دولار سنويا.
- الهيكل التنظيمي للوزارة:
ان إدارة قطاع الطاقة في العراق مناط بوزارة الكهرباء، التي تقوم بإدارة وتطوير مصادر الطاقة في العراق خارج أقليم كردستان حيث تدير حكومة الاقليم كهرباء الاقليم وليس هناك تنسيق او تعاون بين الجهتين.
تتألف الوزارة تنظيميا من عدة مديريات وتعمل رأسيا داخل مؤسسة واحدة، وتعتمد تشغيليا على ثلاث مديريات عامة مسؤولة على التوالي عن التوليد والنقل والتوزيع. اضافة الى الإدارات العامة الاخرى التي توفر الدعم اللوجستي ودائرة للتخطيط اضافة الى مديرية للمشاريع. ووفقاً للهيكل المذكور أعلاه فأن هناك (6) شركات إنتاج ، (5) شركات نقل ، و (7) شركات توزيع ، بالإضافة إلى (6) شركات دعم و خدمات لوجستية مما يجعل مجمل الشركات (24) شركة تشغيلية.
- التحديات التي تواجه الشبكة الكهربائية الوطنية في العراق / الفشل في التخطيط
مشكلة الكهرباء في العراق ليست تقنية فقط. فقد عانى هذا القطاع من سوء الإدارة ، وضعف السياسات ، وعدم التخطيط السليم للمستقبل. منذ تسعينيات القرن الماضي ، وبعد العدوان الثلاثيني وما تلاه من عقوبات فرضتها الأمم المتحدة، وتتويج هذه النكسات بالهجوم الاميركي وغزو العراق عام 2003، شهدت المؤسسات القانونية والتنظيمية والسياسية والاقتصادية في البلاد تراجعاً بما في ذلك مؤسسات الكهرباء المملوكة للدولة. علاوة على ذلك ، فإن تداعيات غزو الولايات المتحدة في عام 2003 شهد ظهور حكومة عراقية طائفية بامتياز، مما قوض الاستقلال المؤسسي للكيانات العامة.
فيما يلي استعراض لاهم المشاكل والتحديات الذي يعاني منها قطاع الكهرباء في العراق:
أ . التحديات الفنية:
إن المشكلة الفنية الأساسية لأزمة الكهرباء في العراق هي الفجوة الآخذة في الاتساع بين العرض والطلب. تشير الدراسات الحديثة التي أجرتها بعض الشركات المستقلة العاملة في العراق إلى أن إجمالي الطلب المقدر يصل في ذروته إلى ما بين 50000 إلى 60000 ميجاوات بحلول عام 2030 ، في حين تتوقع الوزارة ارتفاع الطلب إلى 35000 ميجاوات، اضافة الى التصعيد غير القياسي للطلب على الأحمال بسبب التوسع الأفقي في المناطق السكنية إلى الحد الذي لا يمكن التحكم فيه. على سبيل المثال ، تطلب الطلب في بغداد / صيف 2015 نقل أكثر من 5000 ميجا فولت أمبير مع حوالي 5 مليار دولار ، ولم تكن هناك ميزانية لتحقيق ذلك. هذا الطلب يتعدى ما كان متوقعاً في الخطة الرئيسية للوزارة (بنسبة 50 – 70 في المائة).
من ضمن التحديات الفنية الاخرى :
- الاعتماد على محطات توليد الطاقة الغازية (أكثر من 50٪ اليوم) ، في حين يعتبر النوع بمثابة محطات احتياطية وداعمة.
- الاخفاق في الاعتماد على محطات التوليد الهيدروليكية وعدم الاهتمام بهذا النوع من التوليد على الرغم من أنه يعتبر النوع الرئيسي والأكثر استقرارًا ونظافة بيئيا. كانت نسبة التوليد بهذا النوع تشكل 30% من مجمل انتاج الطاقة في العراق في التسعينات في حين تراجعت الى 3٪ فقط حاليا !!
- عدم وجود رؤية واضحة لأهمية الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والكتلة الحيوية وغيرها ، وكيفية الاستثمار في تلك المصادر المستدامة المتاحة في العراق.
- تقادم المعدات وضعف اساليب الصيانة و/ أو إعادة التأهيل وفقًا للاساليب القياسية الحديثة.
- عدم توافر إستراتيجية للاستثمار في الغاز الطبيعي وتحسين انواع الوقود المستخدم في توليد الطاقة
- عدم وجود صناعة دعم (عامة أو خاصة) لإنتاج معدات الدعم المطلوبة في قطاع الكهرباء مثل المحولات والعوازل والأسلاك والكابلات ، وكذلك الأبراج وما إلى ذلك، حيث كانت هذه الصناعات موجودة قبل 2003 في العراق ، وكانت تغطي احتياجات السوق.
ج . التحديات الإدارية والموارد البشرية:
تشكل التحديات الادارية وضعف الموارد البشرية معضلة حقيقية على مستوى اداء الوزارة وتطوير عملها بعد عام 2003 في قطاع الكهرباء للأسباب التالية:
- الفساد الاداري والمالي المستشري في كافة مرافق الوزارة
- التخريب المتعمد والنهب والسرقة الذي حصل بفعل الارهاب والميليشيات المسلحة والعصابات.
- عدم وجود رؤية ستراتيجية للوزارة وخطة عملها المستقبلية، سواء للبقاء كمؤسسة قطاع عام او الانتقال التدريجي والمدروس نحو القطاع الخاص أو الشراكة (PPP).
- ادارة سيئة للشبكة الكهربائية وضعف حكومي في الجانب الاداري والتنظيمي، اضافة الى عدم وجود ﻗﺎﻧون ﺗﻧظﯾﻣﻲ ﻟﻟﮐﮭرﺑﺎء أو أي ﻟواﺋﺢ ﻟﺗﺣدﯾد ﻧطﺎق اﻷﻧﺷطﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺟب إدارﺗﮭﺎ .
- العمليات الأمنية والعسكرية التي تتسبب في تأخير مشاركة فعالة للشركات الدولية للمشاركة في صناعة الكهرباء في العراق ، بالإضافة إلى التأخير في المشاريع الجديدة.
- الموظفون: تضخم عدد العاملين في قطاع الكهرباء كما اشرنا سابقا إضافة إلى استبعاد أو استهداف الخبراء والمسؤولين المؤهلين واستبدالهم بموظفين غير مؤهلين اعتماداً على العرق او الطائفة او العشيرة دون التركيز على الخبرة والاختصاص، وكان هذا أحد أهم أسباب تراجع عمل القطاع
- إن آليات تنسيق السياسات والخطط بين وزارة الكهرباء والوزارات الأخرى التي ترتبط بها بشكل أساسي ومنها: وزارة النفط ، وزارة الري، وزارة المالية، وكذلك وزارات التخطيط والداخلية والدفاع ضعيفة. فعلى سبيل المثال ليس هناك اي تخطيط مشترك فعال لضمان تسليم الوقود المناسب في الوقت المناسب إلى محطات توليد الطاقة بين وزارة النفط ووزارة الكهرباء رغم اعتماد الاخيرة على إمدادات موثوقة من الوقود لتشغيل محطات توليد الكهرباء ، وقد أدى ذلك إلى تحميل وزارة الكهرباء دفع مستحقات إلى ميزانية الدولة بلغت 4 تريليون دينار (وفقا لوزارة الكهرباء).
- ضعف الوزارة في معالجة الامور التالية:
- إعادة النظر في التعرفة مع الحفاظ على دعم المواطنين محدودي الدخل.
- التعامل مع الخسائر غير الفنية الناتجة عن التجاوزات الحاصلة على الشبكة.
- ملكية الأراضي التي تنشأ عليها مشاريع الكهرباء والاجراءات الطويلة والشاقة لحيازة الأراضي لانشاء محطات الطاقة والمحطات الفرعية وخطوط النقل.
- كفاءة الطاقة واتباع معايير جديدة في تصاميم المباني ، والامتثال لمعايير متطلبات كفاءة الطاقة من أجل السيطرة على الطلب المتزايد، وتنفيذ استراتيجية تثقيف وتوجيه الناس نحو ترشيد استهلاك الطاقة.
د . التحديات المالية :
تعتمد وزارة الكهرباء على الموازنة العامة للحكومة ، ولا تغطي إيراداتها سوى جزء صغير من تكاليف التشغيل الفعلية، حيث إن إيرادات الكهرباء ضعيفة نظراً لمعدلات التعرفة المنخفضة حالياً.
تشمل تكاليف إنتاج الكهرباء بشكل أساسي نفقات الإنتاج والنقل والتوزيع، اضافة الى أجور ومرتبات الموظفين ، ومشتريات المواد (مثل الوقود والزيت للتوليد في بعض محطات الطاقة)، وتشكل النفقات المتعلقة بالأجور والمرتبات الجزء الأكبر من الإنفاق التشغيلي للوزارة. كما ان هناك نفقات اضافيه بسبب استيراد الطاقة الكهربائية من دول الجوار واقليم كردستان، حيث ان الكلفة السنوية لاستيراد الكهرباء من ايران بلغت لعام 2017 بحدود 1332 مليون دولار، والطاقة المستوردة من تركيا بحدود 1576 مليون دولار اضافة الى 300 مليون دولار سنويا تشتريها الوزارة من اقليم كردستان!! اي ما مجموعه اكثر من 3 مليار دولار سنويا!!
تقوم الدولة بدفع التعويضات (التي تكون عادة غيركافية) لدعم تكاليف انتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية من الميزانية الفيدرالية حيث تقدر الوزارة كلفة الدعم المطلوب بحدود 10 تريليون دينار، في حين بلغت التعويضات التي منحتها وزارة المالية للقطاع بحدود (314 مليار دينار) فقط، إلى جانب الاستثمارات البسيطة الأخرى للقطاع مما اضطر الوزارة إلى الاقتراض وتأجيل النفقات غير الأساسية.
لقد فرض الاداء الضعيف للوزارة أعباءا مالية ضخمة على الميزانية الفيدرالية. ومما جعل الوضع أسوأ هو العجز الذي حصل في الموازنة المالية الوطنية للاعوام القليلة الماضية والذي بلغ مليارات الدولارات. كما أثر الوضع الأمني غير المستقر بشكل سلبي على تنفيذ المشاريع الجديدة في قطاعات التوليد والنقل والتوزيع، بالإضافة إلى تأخر أعمال الصيانة واعادة الاعمار للشبكة الكهربائية والمحطات في المحافظات المتضررة.
فوق كل ما تقدم فقد كان تمويل قطاع الكهرباء بعد عام 2003 يفتقر إلى أي استراتيجية سياسية متماسكة، فتم ضخ مليارات الدولارات في القطاع لزيادة سعة الشبكة دون دراسة جادة عن أفضل السبل لتحسين كفاءة اداء القطاع. كما ان هناك تخوفا عاما في أوساط المسؤولين العراقيين من أن أي إصلاحات اقتصادية جذرية كإلغاء الدعم للمواد الأساسية مثل الكيروسين وغاز الطهي والكهرباء والحصص الغذائية ، ستواجه معارضة قوية من قبل الشعب وقد تسبب بأعمال شغب واسعة، مما يزعزع استقرار العملية السياسية الهشة بالفعل.
كما ترددت الدولة في اجراء اي خصخصة للشركات المملوكة للدولة ، بحجة أن البلاد غير مستقرة بما فيه الكفاية وأن مثل هذه الاجراءات قد تضع مئات الآلاف من موظفي الخدمة العامة في الشارع دون عمل في بلد لديه معدل بطالة يتجاوز 15%.
ورغم اقرار الحكومة العراقية أخيراً بأن القطاع الخاص يجب أن يكون له دور في تطوير القطاع ، ووجوب وضع قانون إصلاح الكهرباء على جدول الأعمال البرلماني، الا ان المشروع لم ير النور بسبب الخلافات بين الكتل البرلمانية المختلفة فيما بينها لاسباب سياسية وطائفية وعرقية.
ومن المشاكل الاضافية المستديمة في هذا المجال:
- التعرفة: ان اجمالي الايرادات حسب التقارير السنوية التي تصدرها الوزارة تتمثل بايرادات استحصال الفواتير حسب التعرفة التي يحددها مجلس الوزراء وهي لا تغطي في الوقت الحالي سوى جزء صغير من التكاليف الفعلية ( بحدود 10٪ من إجمالي تكاليف الإنتاج) ويتم تصنيف العراق من بين الدول العربية الأرخص في الشرق الأوسط من حيث أسعار الكهرباء. وليس من الواقعي سياسياً زيادة التعريفة في وقت تعاني خدمات الطاقة من ضعف الموثوقية ، لذلك من المرجح أن يستمر عدم التوافق بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع لبضع سنوات. إن عدم التطابق هذا سيجعل من الصعب على الوزارة تشجيع الاستهلاك الفعال للطاقة عدم دفع رسوم الكهرباء من قبل المستهلكين بالإضافة إلى العديد من الجهات العامة أو المملوكة للدولة، حيث أصبح عدم الامتثال للدفع أسهل بسبب ضعف الرقابة من قبل شركات الكهرباء.
- تركيز الاستثمار على الانتاج مع ضعف الاستثمار في مجالي النقل والتوزيع ، مما أدى إلى اختناقات في شبكات التوزيع على مر السنين وعدم قدرة الشبكة على استيعاب القدرات الإنتاجية .
- قدرت وكالة الطاقة الدولية (IEA) الأضرار الاقتصادية الناجمة عن عدم إنتاج الطاقة بحدود 40 مليار دولار سنويا بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن القطاعات الاقتصادية.
- الطاقة المتجددة في العراق:
في العراق ، ليس من الصعب إيجاد مورد جديد للطاقة اضافة للطاقة التقليدية لبلد ثري بالنفط يعاني من نقص متزايد في الطاقة الكهربائية وفشل في تحقيق الطلب المتزايد على الطاقة بسبب محدودية قدرات الإنتاج والعديد من العيوب . لقد ازداد الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومن المتوقع أن يكون العراق من أغنى الدول في موارد الطاقة المتجددة لموقعه الجغرافي المتميز.
- الطاقة الشمسية في العراق
يتميز العراق بساعات اشعاع شمسي طويلة حيث أن العراق يستقبل أكثر من 3000 ساعة من الإشعاع الشمسي سنوياً وكثافة شمسية لكل ساعة تتراوح بين 416 واط/ م2 في يناير إلى 833 واط/ م2 في يونيو.
لقد كان العراق من الدول الاولى في المنطقة التي بدأت دراسة الطاقة الشمسية بعد أزمة الطاقة في عام 1973حيث أجريت العديد من الدراسات النظرية والعملية لدراسة استخدام تسخين المياه بالطاقة الشمسية ثم استخدمت الخلايا الكهروضوئية (PV) لتوليد الطاقة. وتعتبر تكنولوجيا الطاقة الشمسية الكهروضوئية مناسبة لإنتاج الكهرباء في جميع أنحاء العراق سواءا عن طريق الربط مع الشبكة او استخدامها كوحدات توليد مستقلة في المناطق النائية الصحراوية والريفية. كما ان من المتوقع أن تكون منظومات توليد الطاقة الشمسية المركزة CSP مناسبة جداً لأيام الشمس الطويلة ودرجات الحرارة المرتفعة في العراق.
- طاقة الرياح في العراق
أجريت دراسات بحثية عديدة للتحقق من طاقة الرياح في العراق. أوضحت هذه الدراسات أنه يمكن الحصول على طاقة متوسطة تقارب 287.2 واط / م 2 وهي قيم مشجعه خصوصا في المناطق الجنوبية للعراق. وان سرعة الرياح في الصيف أعلى مما كانت عليه في فصل الشتاء.
مما تقدم يمكن تلخيص الملاحظات والاستنتاجات التالية حول تطبيق الطاقة المتجددة في العراق :
- كثافة الطاقة الشمسية في العراق هي من بين أعلى المعدلات في العالم. بالإضافة إلى ان هناك إمكانات كبيرة لتوليد طاقة الرياح في عدة مناطق في العراق.
- الدعم الحكومي المالي مطلوب لتنفيذ مشاريع للطاقة المتجددة لا سيما تلك التي تخدم الناس في المناطق الريفية.
- يمكن اعتبار إدخال المجمعات الحرارية الشمسية في المباني العامة لإنتاج المياه الساخنة خطوة أولى نحو تقليل الاعتماد على موارد الوقود الأحفوري.
- عدم وجود مسح دقيق للاشعاع الشمسي ولطاقة الرياح على مستوى العراق لتحديد المواقع الافضل اقتصاديا لمثل هذه المشاريع
- هناك تحديات بيئية لتطبيق توليد الطاقة المتجددة في العراق تشمل:
- درجات الحرارة العالية خلال فصل الصيف حيث تتعدى ال 50 درجة مئوية
- تأثير الغبار والعواصف الترابية التي تجتاح العراق على مدار العام
- الحاجة الى خبراء دوليين في مجال المشاريع العملاقة لتوليد الطاقة الشمسية والاستثمار فيها.
- وضع تسعيرات ونظام تعرفة معقول لجذب المستثمرين في مجال الطاقة الشمسية مستفيدين من تجارب الدول المجاورة للعراق.
- الاستنتاجات والتوصيات
يواجه قطاع الطاقة تحديا هائلا يتمثل في تحويل المنظومة الكهربائية المتعثرة اليوم الى منظومة قادرة على دعم الاقتصاد وتحقيق احتياجات المواطن اليومية. إن إدارة هذا التحول لا تتطلب موارد رأسمالية فحسب بل إدارة قوية ودعم مؤسسي. لذا يجب على وزارة الكهرباء أن تنشئ فريق عمل للإشراف على الإجراءات اللازمة لتلبية الطلب وتطوير ومتابعة خطة لتقليل الخسائر الفنية والتجارية والحد منها. اضافة الى إنشاء لجنة للإصلاح المؤسسي لمعالجة الاحتياجات المباشرة والطويلة الأجل لقطاع الطاقة.
تعتبر التوصيات التالية مهمة للغاية لتحقيق ذلك وتقليص الفجوة بين العرض والطلب وتوجيه قطاع الكهرباء في العراق نحو الامام.
أولا: الاصلاح المؤسسي:
- إعادة النظر في الهيكل التنظيمي للوزارة وكادرها الفني والاداري لزيادة كفاءة أداءها. ان المعيار الدولي لعدد الموظفين هو 1 لكل 1 ميجاوات ، وهو ما يعني أن العراق يحتاج إلى تقليص الكادر بنسب تصل الى 20% او اقل.
- إعادة بناء موظفي الوزارة ، وتحسين مؤهلات وخبرات موظفي التشغيل والصيانة للحفاظ على مستويات خبرة مناسبة ومواكبة للتطور في هذا القطاع ، بحيث يمكنهم مراقبة وتشغيل الأجزاء المختلفة للشبكة بشكل مستقل
- تفعيل التنسيق المشترك للجان بين الوزارات المتعلقة بالطاقة والخدمات وهي: وزارة الكهرباء – وزارة النفط – وزارة الري ، وزارة المالية ووزارة التخطيط والداخلية والدفاع لتشغيل محطات الكهرباء بكفاءة. وبالتالي تقليل الخسائر
- تنشيط القطاع الصناعي العام والخاص لانتاج وتصنيع المعدات واللوازم المستخدمة في قطاع الكهرباء مثل المحولات والعوازل والأسلاك والكابلات ، وكذلك الأبراج ، إلخ.
- صياغة سياسة للتوصيل البيني الإقليمي حيث ينبغي وضع استراتيجية طويلة الأجل لتبادل الطاقة مع الدول المجاورة إما كمصدر صافي أو كجزء من شبكة إقليمية تعاونية لتقاسم الاحتياطيات وموازنة الحمل. إن موقع العراق يمنحه موقعاً استراتيجياً لإمكانية نقل الطاقة من الشرق الأوسط إلى أوروبا. حيث يمكن أن يكون لهذا الموقع قيمة مهمة في بيئة مستقبلية يتم فيها تطوير إمكانات الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية في الشرق الأوسط
- ينبغي أن تنشئ وزارة الطاقة فرق عمل لمراقبة التقدم في أعمال التوليد، وضمان وجود موارد إدارية وتقنية لتشغيل وصيانة المحطات الجديدة كما يجب أن تسهل متطلبات مقاولي التنفيذ.
- إنشاء لجان متابعة لتخفيض الخسائر بانواعها من أجل تطوير ومتابعة خطة شاملة للحد من تسرب الطاقة خلال النقل والتوزيع. حيث اثبتت دراسات ميدانية ان حوالي عشرين بالمائة من الطاقة المولدة يتم فقدانها بسبب العيوب الفنية في أنظمة النقل والتوزيع ، و يتم فقدان 23 بالمائة إضافية عبر السرقة والتوصيلات الغير قانونية إلى الشبكة وهناك 26 في المائة من العملاء الذين تصلهم الخدمات دون ان يسددوا فواتيرهم.
- ضرورة اشراك القطاع الخاص في توزيع الطاقة، ووضع استراتيجية واضحة للانتقال التدريجي نحو خصخصة الكهرباء او المشاركة الفاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص لانتاج ونقل وتوزيع الطاقة. ولجذب القطاع الخاص نحو الاستثمار يجب وضع برنامج مؤلف من 3 مراحل:
- اﻟﻣرﺣﻟﺔ اﻷوﻟﯽ: (1-2 ﺳﻧﺔ): تستمر الوزارة على هيكليتها الرأسية ومعالجة الخلل الحالي
- المرحلة الثانية : متوسطة الأجل (2-5 سنوات): وتهدف الى إعادة تنظيم السوق وتهيئة بيئة مواتية لدخول المستثمرين. وتبقى وزارة الكهرباء مسؤولة مسؤولية كاملة عن عملية الانتقال، في حين يمكن أن يشارك القطاع الخاص في قطاعات التوليد والتوزيع.
- المرحلة الثالثة : طويلة الأجل (5-10 سنوات): الانتقال الكامل نحو سياسة السوق ويتضمن التفكيك التدريجي لمنظومة وخصخصة (كاملة / جزئية) لقطاع التوزيع.
ثانيا: الاصلاحات المالية/ أعادة النظر بنظام التعرفة واحتساب التكاليف :
- يحتاج العراق إلى ردم الفجوة بين التسعيرة والكلفة الحقيقية لانتاج الكهرباء، لذا نوصي برسم سياسة لاعادة النظر بالتعريفات من خلال الحفاظ على مستويات التعريفة الحالية حتى يتم تلبية الطلب على الطاقة ، ثم زيادة التعريفة تدريجيا لتغطية حصة متزايدة من الكلفة الإجمالية. ينبغي أن تكون التعريفة الجديدة غير مؤثرة على القطاعات الفقيرة وذات الدخل المنخفض مع زيادة الرسوم المفروضة على القطاع الحكومي.
- ﺗﺤﺘﺎج الوزارة إﻟﻰ إﺻﻼح أو اﺳﺘﺒﺪال اﻟﻌﺪادات اﻟقديمة والمتهالكة باخرى حديثة تواكب التطورات في الشبكة والمنظومة وتحولها نحو منظومة اكثر ترشيدا للطاقة واعلى كفاءة. كما تحتاج الوزارة إلى تحديث قاعدة بيانات حسابات العملاء الخاصة بها ، وتزويد العملاء ببدائل سهلة لدفع الفواتير ، وتثبيت نظام شامل للفواتير وخدمة العملاء ، ووضع عمليات متناسقة لمتابعة التحصيل والتنفيذ
- تحتاج الوزارة إلى وضع القوانين واللوائح التي تحفز على دفع الفواتير، وتعاقب على السرقة ، وتسمح بقطع امدادات الكهرباء عن الزبائن المتلكئين عن الدفع، مع إطلاق حملة توعية عامة تعزز هذه القوانين وتشدد على مخاطر سرقة الطاقة.
ثالثا: التوصيات الفنية
- بناء توربينات غاز الدورة المركبة (CCGT) وهي التكنولوجيا الأكثر فعالية من حيث التكلفة والفعالية في استهلاك الوقود لتلبية الطلب على الحمولة. وبسبب كفاءتها الحرارية ، فهي أيضاً الأقل ضرراً بيئياً من تكنولوجيات الوقود الأحفوري. حيث يتوجب على الوزارة وبمجرد توفر موارد الغاز بصورة موثوقة إضافة “CCGT”هذه الوحدات ، مع الحفاظ على الوحدات الغازية والبخارية الحالية لتحل محل مصادر التوليد الحالية الأقل كفاءة.
- انهاء خدمة المولدات الأقل كفاءة بشكل تدريجي ، بدءاً من تلك الأقل كفاءة والأكثر ضرراً للبيئة ، والتخلص التدريجي من جميع المولدات الحالية بحلول عام 2027.
- زيادة كفاءة الطاقة وبذل الجهود في موضوع ترشيد الاستهلاك من خلال إجراءات تنفيذية والتوعية وتنظيم حملات مستمرة للحد من التجاوزات على الشبكة الكهربائية وتوجيه الاستخدام السليم للطاقة الكهربائية. اضافة الى تشجيع المستهلك على استخدام المصابيح الموفرة للطاقة وإدخال أساليب التحكم الحديثة في التشغيل. هذه الاجراءات سوف تضمن تقليل انبعاثات الغاز التي قد تؤثرعلى ظاهرة الاحتباس الحراري مما يؤدي إلى تنمية مستدامة.
رابعا : التوصيات المتعلقة بقطاع الطاقة المتجددة:
- يجب على العراق التوسع في مجال التوليد باستخدام الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والصخر الزيتي بما لا يقل عن 5% من مجمل التوليد لغاية عام 2030 على ان يتم تضمين التوليد بالطاقة المائية (الهايدروليكية ) كمصدر نظيف وكفوء لتوليد الطاقة .
- يجب تطوير الاطر التنظيمية والتشريعات اللازمة لتحفيز وتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة، حيث يمكن للعراق فتح مجال الاستثمار المباشر في الطاقة الشمسية ، لدعم الشبكة الوطنية من خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية ، ودون أي تكلفة إضافية.
- يجب تطوير خريطة شمسية للعراق لإيجاد مواقع مناسبة لتوليد الطاقة الشمسية على الشبكة. كما يجب إجراء تحقيق مماثل في إمكانات الرياح ، خاصة في الجزء الشمالي من البلاد. وأخيرا ، ينبغي إجراء دراسة تقنية لتقييم إمكانية العراق على المدى الطويل لتنمية الطاقة المائية. حيث من المتوقع أن تصل الطاقة الاجمالية للطاقة المتجددة إلى 1.2 جيجا واط بحلول عام 2025 ، وتشمل بشكل رئيسي الطاقة الشمسية المركزة ، الكهروضوئية ، وطاقة الرياح. ومن المتوقع بحلول عام 2030 أن تتجاوز الطاقة المتجددة 2 غيغاواط ، أي ما يقرب من 4 في المائة من سعة النظام المركبة ويمكن أن تزيد القدرة إلى 8 بالمائة من سعة المنظومة إذا تم أضافة قدرات اقليم كردستان الى المنظومة الوطنية. يتماشى هذا الهدف مع طموحات عام 2030 التي ذكرتها معظم الدول الغنية بالنفط في المنطقة. اعتماداً على نتائج هذه الدراسات، يمكن تحديد نسبة استخدام الطاقة المتجددة في العراق.
- على المدى القصير ، ينصب تركيز الطاقة المتجددة على توفير محطات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح كبديل فعال من الناحية الاقتصادية وسليم للبيئة لتوليد الطاقة بصورة مستقلة.
- على المدى المتوسط ، يجب على الوزارة وضع خطة لتوفير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الموصولة مع الشبكة الوطنية
- ينبغي أن تواصل السلطات استكشاف أفضل السبل لتحقيق الاستفادة من الطاقة المتجددة ، والنظر في امكانية التكامل مع أسواق الطاقة الإقليمية لزيادة توفير الطاقة الكهربائية لمستويات كافية باساليب قابلة للتطبيق ومجدية.
خاتمة
لقد تضررت البنية التحتية للكهرباء في العراق بشكل كبير خلال حرب الخليج ، وما تلاها من عقوبات وحصار، وعانت أكثر بعد الغزو الاميركي عام 2003 مما جعل الضرورة ملحة للمزيد من الادارة القوية الفعالة والمؤثرة لمعالجة الفجوة المتسعة بين العرض والطلب المتزايد مع النمو السكاني المتسارع.
يواجه قطاع الكهرباء تحديات مختلفة في الانتاج والنقل والتوزيع ، والإدارة كما يعاني من سرقات وتسريب للطاقة الكهربائية وفساد مالي واداري كبير اضافة الى تنامي الطلب المتسارع، وﻏﻴﺎب ﻧﻈﻢ اﻟﻔﻮاﺗﻴﺮ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ. كل هذه التحديات ضغطت على الحكومة للبحث عن بدائل ، مثل الخصخصة ، لإصلاح قطاع الكهرباء.
ان النقص الكبير في توليد الطاقة يخلق عدم استقرار سياسي ، نتيجة عدم رضا المواطنين عن انقطاع التيار الكهربائي ، كما انه يعمل على ايقاف عجلة النمو الاقتصادي وتقليل فرص العمل ، حيث إن نقص الكهرباء يكلف الاقتصاد العراقي ما يقدر بنحو 3-4 مليار دولار سنويا. ونظراً لانخفاض أسعار النفط والحاجة إلى تمويل العمليات الأمنية ، فإن الحكومة العراقية ببساطة لا تملك القدرة على التمويل الذاتي لتوليد الطاقة اللازمة لسكانها.
إن إصلاح قطاع الكهرباء أمر ضروري ليس فقط لتلبية الاحتياجات المحلية ، بل لجذب الاستثمار كذلك ، حيث يجب على الحكومة أن تقدم جهدا متضافرا وشاملا لتقديم حوافز مجدية للمستثمرين في قطاع الطاقة، ويشمل ذلك حقوق الأراضي، والدعم في الحصول على التصاريح والتراخيص ، والتعريفات المواتية للمستثمرين، اضافة الى الحوافز الجمركية، والضمانات.
إن توليد الطاقة الموثوق به سيسمح للعراق بتحسين آفاقه الاقتصادية من خلال تطوير مجموعة واسعة من الصناعات وتنمية موارده البشرية العاملة المتعلمة. ولعل الأهم من ذلك ، أن مثل هذا التطور في توليد الطاقة سيعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي عن طريق خفض البطالة ، وتزويد المواطنين بمستلزمات الحياة والبنى التحتية الأساسية.
ان قضية الكهرباء في العراق لا تتعلق بالمال فقد تم إهدار ما يقرب من 60 مليار دولار حتى الآن ، وتقوم وزارة الكهرباء بإستغفال الشعب واغراق الوزارة بكادر يعد الاكبر في المنطقة. لذا فأن حل مشكلة الكهرباء في العراق ، مثل بقية مشاكل البلاد ، هو في الإدارة ، وليس في المال.
ان الحل المتكامل لازمة الكهرباء في العراق يتطلب عملية ترجمة للخطط والمقترحات الفنية اعلاه إلى إجراءات مقبولة سياسياً والاتفاق على الأهداف الاستراتيجية الشاملة للإصلاح وهذا ما نتمناه.