التكنولوجيا في زمن الكورونا
الأستاذ الدكتور يعرب قحطان الدُّوري
رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي / المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
جامعة مالايا – ماليزيا
تستخدم التكنولوجيا للتواصل المباشر بين الناس، وسهولة التنقلات بين المجتمعات البشرية، وتسريع حركة العمران بمختلف أشكاله على سطح الأرض. كما ساعدت التكنولوجيا العالية من الحصول على التشخيص الطبي سريعاً وممارسة الرياضة عبر التطبيقات الإلكترونية وبث وسائل الترفيه في وقت الحجر الصحي. وأصبحت ملجاً للأمان في زمن فيروس الكورونا ما حفّز الشركات التكنولوجية على زيادة حركة البيع والشراء إلكترونياً. ويسرت التكنولوجيا على إقاء دوام وعمر المؤسسات الحكومية والخاصة بالعمل والتعليم عن بعد حفاظاً على سلامة المستخدمين، مما ساعد على التواصل بين الطلبة والأساتذة، والموظفين والرؤساء لتبادل الدروس والمعلومات. بل قامت شركات الواقع الافتراضي الذهاب أبعد من ذلك باستبدال المعارض المهنية بمؤتمرات رقمية. وتعزز العالم الافتراضي في زمن الكورونا حيث سيكون الموظفين والمستهلكين على تماس مع هذه التكنولوجيات. والمتوقع زيادة الاستثمارات بما يعود بالفائدة الربحية للشركات المصنعة والعملية للمستخدمين جميعا.
كما ساهمت التكنولوجيا بالحد من انتشار فيروس الكورونا عبر إدارة الأزمة، وتضييق اتساعها، وتعقيم الأبنية والشوارع، باستخدام الروبوتات والدرونز وغيرهما، وكما يلي:
- استخدمت الروبوتات كبديل للطاقم الطبي الذي يلازمه مخالطة الحالات المصابة، ولتجنب انتشار فايروس الكورونا. حيث تساعد الروبوتات في العمل الطبي والعلاجي دون أن يحدث احتكاك مباشر بين المرضى والطاقم الطبي.
- استخدام سيارات إسعاف بدون سائق لنقل الحالات المصابة إلى المستشفيات لتلقى هذه الحالات دون أن يحدث احتكاك مباشر بينهم وبين غيرهم من أفراد الطواقم الطبية. وكذلك لتوصيل الطلبات والأغذية والمواد الطبية إلى المستشفيات، في محاولة لتحجيم انتشار المرض.
- وتلعب الدرونز أو الطائرات بدون طيار، دوراً إيجابياً في عمليات المسح السريع للمارة في الشوارع، وتوجيه الإرشادات والتعليمات الطبية والتوعوية لهم. كما يتم استخدمها في عمليات التعقيم عبر رش المواد الطهرة على الأشخاص في المناطق المزدحمة وفي الشوارع، لمكافحة انتشار فيروس الكورونا.
- ويعتبر الذكاء الاصطناعي المرتبط بتقنيات الجيل الخامس جذاباً لمراقبة المرضى في المستشفيات من خلال غرف إدارة مركزية وكاميرات ونظم طبية ذكية ل متابعة الحالة الصحية للمرضى.
- تعتبر البيانات الطبية للمريض المصاب هامة جدا حيث تستطيع نظم المراقبة الذكية أن تحدد خط سيره سواء استقل سيارة أو حافلة أو قطاراً أو ذهب لمكان عام. وبالتالي يصبح تعقيم المناطق أولوية هامة.
- وتتميز تطبيقات الهواتف الذكية بأمرين رئيسيين؛ أولًا التحكم في صلاحية دخول المرضى للأماكن العامة، وثانياً هناك احتمالية لإصابته، وبناء عليه يتم السماح للشخص المصاب بدخول المناطق العامة من عدمه.
- توجد شاشات ذكية توضع في الأماكن العامة لقياس درجة حرارة المصابين بفايروس الكورونا، مما يوجه إنذاراً بضرورة إخلاء المصاب بأسرع وقت ممكن ووضع تحت الرعاية الطبية.
- كما وفرت تكنولوجيا طباعة ثلاثية الأبعاد غرفاً للحجر الصحي لاستيعاب المصابين في زمن قياسي.
- وأخيراً، أبرزت تكنولوجيا الجيل الخامس من الاتصالات أهمية أدوات مواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية التي قد تفوق قدرة البشر في بعض الأحيان، للحد من انتشار الفايروس.
وبالتالي فأن التكنولوجيا الذكية أصبحت أهم أدوات إدارة الأزمات، لقدرتها على توفير الوقت والجهد، والقيام بوظائف يعجز عنها البشر. ولكن تبقى القضية الأهم وهي سرعة اكتشاف مصل يُعالج الأضرار المباشرة لهذا الوباء الجديد. أثبت الذكاء الإصطناعى قدرته في مجالات تفوق سيطرة الإنسان بعض الأحيان. دخل الذكاء الإصطناعى كحل سحرى وضرورة حتمية في مواجهة فيروس الكورونا، متجلياً في الحفاظ على انتشاره وتكاثره.
وهنا نصل إلى بيت القصيد، هل تلعب التكنولوجيا الحديثة دوراً هاما في محاربة فايروس الكورونا؟ تساعد طائرة بدون طيار لقياس درجة الحرارة وتسجيلها عن بُعد للسكان، لتجنب حدوث العدوى. كما ساعد التطبيق المكثف للعديد من التقنيات الحديثة على تحسين كفاءة الوقاية من الوباء إلى حد كبير، ويساعد الناس في المنزل التحقق من الوضع الوبائي في أي وقت. وكذلك أن الروبوت الذكي لا يمكن أن يقدم الإمدادات النادرة فحسب، بل يقلل العدوى الناجم عن الاتصال إلى حد كبير. كما أن التكنولوجيا الطبية المتقدمة لا غنى عنها في السباق مع الزمن للتغلب على الوباء، حيث يتم تشغيل مختبر يمكنه اختبار 10000 عينة جديدة لفيروس كورونا يومياً، ما يزيد القدرة على الكشف عن الفيروس. وتفيد التكنولوجيا في بناء نظام التشاور الطبي عن بُعد بين المستشفيات إضافة إلى مجموعة من المعدات الطبية الذكية مثل مكيفات الهواء المختصة لوحدة العناية المركزة وغرفة العمليات الجراحية، ورقاقات التصويرالحراري ومصابيح التطهير بالأشعة فوق البنفسجية وأجهزة تنقية الهواء الاحترافية لمقاومة فايروس الكورونا.
وبالحقيقة تهافتت التكنولوجيا في كثير من المجلات في زمن الكورونا وكما يلي:
- أثبت فايروس الكورونا غير المرئي بالعين المجردة إمكانية هزيمة أعتى جيوش الأرض المدججة بآخر التكنولوجيا العسكرية والاختراعات والابتكارات ما يدهش الإنسان
- تمكن فايروس الكورونا من المجتمعات التي أعتقدت أنها متعلمة ومثقفة بما يكفي بوصولها إلى القمر والمريخ
- برهن فايروس الكورونا أن الإنسان هو الإنسان، بل أن الأغنياء أقل مناعة من القراء
- ضحك فايروس الكورونا على البدعيون من رجال الدين والكهنة والمنجمون بفعل كذبهم وزورهم وغشهم المتواصل على الناس
- وقفت أزمة فايروس الكورونا لتقول أن الأولوية تعطى للقطاع الطبي والصحي للحفاظ على البشرية وليس للهويات الإحترافية مثل كرة القدم وما ساواها
- العمل عبادة وهو أساس الحياة ولا معنى للثروات الطبيعية ما لم تكن المجتمعات منتجة وواعية ومثقفة
- يكاد يكون الإحساس متشابه بين الحجر الصحي للبشر وأقفاص حديقة الحيوان للحيونات بالسلام والطمأنينة وترقب المستقبل
- أن الإنسان هو المخرب الحقيقي لكوكب الأرض عبر المصانع والمنشآت الكبرى للبتروكيمياويات والصناعات الثقيلة التي تتجدد ذاتياً بدون تدخل بني البشر
- أثبت فايروس الكورونا قيمة الطعام الذي يرمية الإنسان في سلة المهملات
- البيئة الصحية مهيأة وميسرة لبني البشر إن حدوا من الطمع والجشع بينهم
- التعاون بين أجناس البشر كفيل بالتغلب على مصاعب الحياة
- بل أن الإعلام ثرثار أكثر منه مفيد للتغلي على عوائق الحياة
- وأن المشاهير ما هم إلا تسالي وليسوا أبطال قدموا خدمة للإنسانسة
- وأخيراً، الاعتناء بالحياة مهمة بني البشر كافة وليست التكنولوجيا التي تكاد تكون عقبة لخضرة البيئة.
وبالنتيجة فأن مهارات البشر وكفائتهم وتفكيرهم وتعاونهم وتكاتفهم هو السبيل الوحيد لمواجهة فايروس الكورونا والقضاء عليه وليست التكنولوجيا الحديثة التي سببت في هذا الفايروس عابر للقارات والحدود فأصبح ضرره عام وتأثيره أشمل على البشرية وانعاكساته أصعب على الإنسانية. والأيام القادمة كفيلة بوضع خارطة طريق جديدة بأولويات جديدة خدمة للإنسانية وتقدماً للبشرية.
– تم نشر هذه المقالة في مجلة فكر العدد 29، الصفحة 156-157، السنة حزيران 2020.