مجموعة البريكس ( BRICS ) بداية التحدي دراسة تحليلية للواقع الاقتصادي لدول البريكس
ا. د. محمد طاقة
العضو المؤسس في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
اللجنة الاقتصادية
المحتويات
اولاً: المقدمة.
ثانياً: بريكس ( BRICS ) التأسيس والاهداف.
ثالثاً: الابعاد الاقتصادية لمجموعة البريكس على الاقتصاد العالمي.
رابعاً: الاستنتاجات.
اولاً: المقدمة
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها… فرزت الحرب نظاماً عالماً جديداً, تميز بظهور قوتين تقاسمتا النفوذ العالمي وخلقتا حالة من التوازن الدولي الذي كان بأمس الحاجة اليه وبدأ كل قطب يستقطب حوله مجموعة من الدول حتى تشكل على أُثر ذلك مجموعة الدولة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي ومجموعة الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.. ولكل منهما خطة الأيديولوجي (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) ومنهجه في العمل, وبدأ صراعاً بينهما ما سمي في حينه بالحرب الباردة… وتميزت هذه الفترة بظهور تكتلات اقتصادية, نتيجة التغيرات العالمية المتلاحقة كونها لا تخلو من بعض المخاطر التي لا تستطيع دوله بمفردها من تحملها, وهذا مما دفع الكثير من الدول من التوجه نحو التكامل الإقليمي والذي بات يزداد يوماً بعد يوم وحتى الدول الكبرى التجأت لمحيطها الإقليمي تحاول ان توسعه, فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الامريكية انشأة منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (النافتا) وكذلك قامت السوق الأوروبية المشتركة (الاتحاد الأوروبي) ومنظمة جنوب اسيا (الأسيان) ومنظمة مجموعة التعاون الاقتصادي قارة آسيا والمحيط الهادي (ابيك)…الخ من التكتلات الاقتصادية, كل ذلك من اجل تحقيق التكامل والتعاون الاقتصادي بين هذه الدول وان كل دولة تحقق من خلال ذلك أمنها الاقتصادي.
فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الامريكية كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية وهيمنة أمريكا على مجلس الامن وجميع منظمات الأمم المتحدة كصندوق النقد والبنك الدولي وظهور العولمة الامريكية كتكييف فكري لمزيد من الهيمنة والسيطرة على الاقتصاد العالمي من خلال عولمة راس المال وقوة العمل والتجارة الدولية من خلال أذرعها العملاقة الشركات المتعددة الجنسيات والي تغزوا العالم باستثماراتها فالعولمة تهدف الى جعل الاقتصاد العالمي مترابطاً ومتشابكاً وذلك من خلال التجارة والاستثمار وانتقال الأموال والتكنولوجيا ضمن اطار حرية الأسواق… وهذا سيسهل عليه اختراق الحدود القومية للدول وجرح سيادتها وسيادة اقتصادها الوطني..
وهذا ما يسهل على الدول الرأسمالية السيطرة على الاقتصاد العالمي..
أصبح العالم يعيش اليوم متغيرات عديدة ومتشابكة ومعقدة.. تتطلب من الدول النامية وعلى رأسها الصين من مراجعة مسار عملها التنموي والعمل على تصحيح الاختلالات الهيكلية لاقتصاداتها, حيث أصبح من المستحيل ان تحقق دولة ما متطلباتها التنموية بجهودها المنفرد دون اللجوء الى غيرها من الدول لتبادل المنافع المشتركة..
لذلك اصبح تنامي التوجه الى التكتلات الاقتصادية, رغم كونها بدأت بعد الحرب العالمية الثانية, الا ان الوضع الجديد يتميز بسرعة التوجه الى انشاء هذه التكتلات أو الانتماء اليها وبالأخص الدول النامية, كون ما شهدته الدول المتقدمة من ظهور المزيد من التكتلات الاقتصادية فيما بينها.. كون التحديات الاقتصادية أصبحت الهاجس الأساسي لدى هذه الدول… ونلاحظ على سبيل المثال ان تكتل الاقتصاد الأوروبي يسعى بكل قوة الى ان يكون له دور أساسي في النظام الاقتصادي العالمي المزمع تشكليه… وكذلك بالنسبة لتكتل الاقتصادي الاسيوي واصبح امام الدول الاسيوية فرصة تشكيل تكتل اقتصادي مهم ومن الممكن ان يتنافس مع بقية التكتلات الاقتصادية وتطوير تكتل (أسيان (ASEAN)…
نلاحظ أن نتيجة التطورات العالمية على مستوى الاقتصاد العالمي وإصرار الولايات المتحدة الامريكية على تحقيق عولمتها للهيمنة على الاقتصاد العالمي بدأت الكثير من الدول الكبرى وبالأخص دول العالم الثالث ان تحتاط لمواجهة هذه الهيمنة والتدخل في شؤونها الداخلية وبالأخص الاقتصادية لذلك اصبح تشكيل التكتلات الاقتصادية او الانتماء اليها ضرورة موضوعية ضمن الظروف الدولية الحالية والتي تتميز بهيمنة التكنولوجيا العالمية المتطورة والتي تتمركز بشكل أساس بيد الولايات المتحدة الامريكية والتي تمكنها من تحقيق أهدافها في الهيمنة على الاقتصاد العالمي فضلاً عن ما تمتلكه من اقوى اقتصاد في العالم وهيمنة الدولار على بقية العملات..
لذا فالهدف من هذه الدراسة التحليلية حول تشكيل تكتل اقتصادي جديد تقوده الصين هو لبيان أهمية هذا التكتل وهل بإمكانه ان يكون بداية التحدي الحقيقي لمواجهة التكتل الغربي بقيادة أمريكا وهيمنتها على اقتصاديات العالم وهل بإمكان مجموعة البريكس ان تساهم في إعادة التوازن الدولي الذي فقدناه بسبب غياب الاتحاد السوفيتي… وخلق نظام دولي جديد متعدد الأقطاب..
ثانياً: بريكس ( BRICS ) التأسيس والاهداف
في عام (2006), تم تأسيس مجموعة البريكس ( BRICS ).. وهو تجمع اقتصادي يضم كل من الصين, والبرازيل, وروسيا, والهند, وتم إضافة جنوب افريقيا مؤخراً..
أن هذا التكتل الاقتصادي الجديد تميز كون جميع هذه الدول المؤسسة لهذا التجمع الاقتصادي هي من الدول الناشئة أو ما تسمى بالدول الصاعدة أي صاحبة اكثر نمو اقتصادي عالمي.. وكان هذا التجمع سابقا يدعى (البريك) (BRIK).. قبل انضمام جنوب أفريقيا اليه, وظهور هذا الاتحاد بعد عقد سلسلة من الاجتماعات بين مسؤولي الدول المشكلة له, وعلى أثر لقاء وزراء خارجية هذه الدول في نيويورك في شهر أيلول عام 2006… تم عقد أول لقاء قمة للمجموعة في 16 / حزيران / 2009 في روسيا وبمدينة يكاترينبورغ وبحضور رؤساء دول البرازيل وروسيا والهند والصين.. وفي 24 / كانون اول / 2010 انضمت جنوب افريقيا للاتحاد.. وتميزت اقتصاديات هذه الدول المشكلة للاتحاد, بأنها ذات نمو سريع في اقتصادياتها, وتشكل منافساً قوياً لاقتصاد وبلدان الـ (7G) وهي مجموعة الدول السبعة صاحبة الاقتصادات الأكبر في العالم وهم فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية, حيث تشكل هذه الدول 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويسكنها 10% من سكان العالم… وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الامريكية, مما يؤهلها ان تلعب دوراً مؤثراً على الاقتصاد العالمي وعلى السياسة الدولية…
حيث يعيش في بلدان مجموعة البريكس اكثر من 3 مليار نسمة وفي عام (2011) انبثق عن المجموعة منتدى يعمل على تشجيع التعاون بين دولها في مختلف الاصعدة, وكذلك تم الاتفاق على تأسيس مؤسسة مالية عالمية لمنافسة صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه الدول الغربية وأمريكا.. كما اتفقت مجموعة دول البريكس على اصدار عملة خاصة بها, تمثل احتياطي دولي جديد وتكون هذه العملة متنوعة وذات استقرارية ومقبولة.
أن كلمة بريكس هي مختصر للحروف الأولى (باللغة الإنجليزية) المكونة لأسماء الدول صاحبة اسرع نمو اقتصادي في العالم وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا ( BRICS ) وبهذا التجمع أعلنت عن طموحها في تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية.. وهذا يعتبر من أهدافها المهمة..
بعد ان ادركت الصين ومعها دول البريكس, أهمية التعاون الاقتصادي كونه يشكل أساساً مهماً لعملية التنمية الاقتصادية وقوة دافعة لمواجهة التكتلات والتحديات الاقتصادية العالمية, ظهر تكتل بريكس كغيره من التكتلات الإقليمية, وله خلفية سياسية وعسكرية يسعى هذا التجمع الى انشاء نظام دولي جديد يتميز بتعدد الأقطاب, بحيث يشكل بيئة اقتصادية ملائمة لتحقيق المصالح المهمة لهذه البلدان وأن تسعى هذه الدول الى تحقيق التعددية القطبية.
ومن المتوقع ان تلعب دول بريكس دوراً مهماً ومتنامياً على الساحة الدولية, كونها تمتلك الإمكانات اللازمة لتحقيق ذلك ومنها, أن دول بريكس الخمسة تعتبر من الدول النامية باستثناء روسيا, دولاً صناعية جديدة وتتميز بضخامة اقتصادها, وحققت نمواً مستديماً اكثر من معظم البلدان الأخرى, وان نصيبها من احتياطات العملة الأجنبية حيث تعتبر الدول الأربعة من بين اكبر دول تحتفظ باحتياطات تبلغ نحو 40% من مجموع احتياطات العالم. ويبلغ مجموع الاحتياطي النقد الأجنبي بدول المنظمة 4 ترليون دولار.
وتشكل مساحة دول بريكس 30% من مساحة الأرض اليابسة وتضم بنحو 40% من مجموع سكان العالم, ويصل حجم الناتج الاقتصادي لهذه الدول ما يقرب الـ 20% من الناتج الاقتصادي العالمي, وتصل حجم التجارة الخارجية للمجموعة بنحو 15% من حجم التجارة العالمية, ولديها الامكانية من جذب نصف الاستثمارات الأجنبية في العالم ومن المعلوم ان الاقتصاد الصيني يعتبر ثاني اكبر اقتصاد في العالم مع نمو سنوي يقدر بـ 10% على مدى الثلاثين سنة الماضية.. وتعتبر الصين اكبر مصدر وثاني اكبر المستوردين في العالم.. وتمثل البرازيل سادس اكبر اقتصاد في العالم وتحتل روسيا المرتبة (11) في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي والسادسة من حيث القوة الشرائية… وتمتلك الهند سوقاً استهلاكية كبيرة وهي من اهم الدول المصدرة, وتعتبر جنوب افريقيا بصفتها الرائدة في التعدين وتصنيع المعادن في العالم.. وهناك مشاريع عديدة مشتركة بين هذه الدول وهنالك خططاً اقتصادية ومبادرات بين الصين والهند لتطوير طريق الحرير والحزام الاقتصادي الخاص به… وتم الاتفاق بينهم على انشاء بنك جديد خاص لتنمية دولهم, ووقعوا وثيقة تأسيس برأسمال قدره 100 مليار دولار وذلك عام 2014 وسيكون المقر الرئيسي للبنك في مدينة شنغهاي في الصين.
وهنالك الكثير من الإمكانات المادية والبشرية التي تمتلكها مجموعة دول بريكس ولا مجال لحصرها ولكن المهم في الامر, ان تم تحقيق حاصل تفاعل هذه الإمكانات وليس حاصل جميعها, ستكون لهذه المجموعة دوراً محورياً في تحديد اتجاهات الاقتصاد العالمي واذا تم استخدامه بما يخدم البشرية وبشكل عقلاني وعلمي صحيح, فمن الممكن ان تحدث تغيرات مفصلية وغير محسوبة على مستوى الاقتصاد العالمي واتجاهاته وكذلك على المستوى السياسي.
أما بالنسبة لاهم الأهداف التي تم تحديدها من قبل هذا التجمع او التكتل الاقتصادي وتم الاتفاق عليها وتم التأكيد عليها في جميع اللقاءات واجتماعات القمة..
أن بريكس هي منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية في عضويتها وهي تعمل جاهدة على مواصلة التنسيق في القضايا الاقتصادية فيما بينها وكذلك الاقتصادية العالمية بما فيها التعاون في المجال المالي والعمل على حل مشكلة الغذائية ومشكلة الطاقة.. ومن اهداف هذا التجمع ان تسعى هذه الدول من ان تصبح قوة اقتصادية وسياسية ضخمة تسهم في تحول البنية الدولية والعلاقات الدولية وفي دفع نمو الاقتصاد العالمي الى الامام.
وان تمارس هذه الدول تأثيراً واسعاً من اجل تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وتوسيع العمل الديمقراطي في العلاقات الدولية وكذلك العمل على تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية, من اجل ضمان تحقيق العدالة الدولية وتعزيز السلام والتنمية وإقامة علاقات دولية جديدة بعيدة عن الاستغلاليات والتبعية وان تكون علاقات متكافئة وان يكون التنافس فيما بين الدول مبنياً على المبادئ والقيم الإنسانية ومن اجل تحقيق المصالح المشتركة بين الأمم والشعوب. ومن اهم الأهداف التي تسعى مجموعة البريكس تحقيقها هي:
1 – العمل على تحقيق تكامل اقتصادي وسياسي وجيوسياسي بين الدول الأعضاء, بما يؤهلها بخلق قفزات نوعية على مستويات النمو الاقتصادي وان تعمل على خلق منافسة حقيقية وجدية مع ما موجود من تكتلات اقتصادية على الساحة الدولية.
2 – العمل على أنهاء سياسة القطب الواحد, والتي تمارسه الولايات المتحدة الامريكية وفرض هيمنتها على الاقتصاد العالمي من خلال عولمتها..
3 – العمل على خلق توازن دولي في العملية الاقتصادية ومنع تفرد قطب واحد بالاقتصاد العالمي.
4 – انهاء هيمنة أمريكا على السياسة المالية العالمية وهيمنة الدولار على أكثرية التعاملات التجارية وبالأخص ربط النفط بالدولار.
5 – العمل على إيجاد بديل فعال وحقيقي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
فبعد ان وضحنا وبشكل مختصر عن ماهية مجموعة البريكس وأسباب نشوئها والظروف المواتية لذلك وحددنا اهم الأهداف التي من اجلها تم انشاء هذا التكتل الاقتصادي والذي ولد في خضم صراع دولي أخذ الشكل الاقتصادي والتجاري الأساس فيه, بحيث وجدت الصين والتي تقود محورها من ضرورة القيام بتشكيل تكتل اقتصادي قوي يواجه فيه الطرف الثاني من الصراع الدائر وهو المحور الأمريكي والدول الغربية, والذين يتربعون ويهيمنون على الاقتصاد العالمي.. وان هذا النوع من الصراع الدائر اليوم في العالم, هو صراع من اجل تشكيل نظام دولي جديد, أمريكا تسعى ان تكون أمريكيا تفرض من خلاله نفسها على مقدرات العالم كله والصين ومجموعتها تعتقد ان تعدد الأقطاب يكون من مصلحتها ومصلحة بقية دول العالم.. وهذا النوع من الصراع لن يحسم بسهولة ونحن نعتقد سيستمر لفترة ليست بالقصيرة ويأخذ الاقتصاد والتجارة أساساً له وان لم يحسم قد يذهب الى الحرب وهذا ما لا نريده جميعاً..
ثالثاً: الابعاد الاقتصادية لمجموعة البريكس على الاقتصاد العالمي..
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, أقامت المؤسسات الدولية التقليدية, أطراُ أساسية لإدارة المشاكل والسياسات الدولية وبشكل خاص الاقتصادية منها, وكان ذلك خلال الحرب الباردة بين القطبين المتنافسين.. بدءً من الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها كصندوق النقد الدولي (FMI) والبنك الدولي (BM) واتفاقات الجات (GATT) ثم منظمة التجارة العالمية (WTO), فضلاً عن المنظمات والتكتلات الإقليمية التقليدية.. بالإضافة الى مجموعة الدول السبع (7G), وجميعها قامت وعملت وفق مواصفات واسس محددة لا تتوفر عند غيرها من المجموعات الدولية الصاعدة.. واستمرت جميع هذه المؤسسات تعمل والى يومنا هذا ولم يحدث عليها أي تغيرات جوهرية وبما ينسجم والتطورات التي حدثت في العالم, وعلى الأصعدة كافة حتى تم تأسيس مجموعات اقتصادية وسياسية دولية صاعدة والتي لا تتوفر عندها ما ذهبت اليه التجمعات القديمة.. ومن هذه التجمعات الصاعدة هي مجموعة العشرين (G20) ومجموعة البريكس ( BRICS ) ..
تعتبر مجموعة البريكس ( BRICS ) من الدول الناشئة او الصاعدة كونها من الدول التي تمتلك قدرات طبيعية ومادية وبشرية, تتمكن من خلالها تحقيق معدلات نمو صناعي واقتصادي مرتفع مقارنة بدول أخرى, وعلى وجه الخصوص في رفع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي والمساهمة في رفع الناتج العالمي.. بالإضافة الى تحقيق تطور كبير ومستمر في التنمية الاقتصادية بحيث تساهم بشكل كبير في الاقتصاد العالمي من خلال دورها الفعال في المؤسسات الاقتصادية الدولية ومساهمتها في التجارة الخارجية ودورها وتأثيرها في السياسية الدولية.. وفعلاً ساهمت دول البريكس في تحقيق معدلات نمو جيدة حيث ساهمت في انتشال الاقتصاد العالمي من الركود وعلى وجه الخصوص أبان الازمة المالية التي حدثت في الولايات المتحدة الامريكية عام 2008.
لقد بلغ عدد سكان العالم لسنة 2021 (7,8) مليار نسمة 1,3 يعيشون في الدول الأكثر تقدماً و 6,5 مليار نسمة يعيشون في الدول الأقل تقدماً, اما بالنسبة لعدد سكان دول البريكس اصبح بنحو 3,555 مليار نسمة والجدول رقم (1) يمثل عدد سكان دول البريكس لسنة 2021 ونسبة كل بلد الى عدد السكان العالم:
التسلسل | اسم البلد | السنة | عدد السكان | النسبة لعدد سكان العالم |
1 | الصين | 2021 | 1,444,216 مليار | %18,5 |
2 | الهند | 2021 | 1,393,409 مليار | %17,8 |
3 | البرازيل | 2021 | 212,559 مليون | %2,73 |
4 | روسيا | 2021 | 145,938 مليون | %1,87 |
5 | جنوب افريقيا | 2021 | 59,308 مليون | %0,76 |
6 | مجموع دول البريكس | 2021 | 3,255,430 مليار | 31,5 % |
7 | الولايات المتحدة الامريكية | 2021 | 355,426 مليون | 4 % |
ويتضح من الجدول أعلاه عدد سكان مجموعة البريكس تشكل اكثر من ثلث 1/3 سكان العالم وتمثل اكثر من 31% من سكان العالم أمام 4% ما تشكله الويلات المتحدة الامريكية من سكان العالم ويبين الفارق الشاسع بين دول بريك وأمريكا.
أي ان دول البريكس تتمتع بقوة عمل بشرية هائلة ورخيصة تمكنها من زيادة انتاجيتها وتحقق معدلات نمو عالية مما لا تتوفر في كثير من دول العالم وعلى وجه الخصوص الصين والهند حيث يبلغ عدد سكانهم بنحو 2,837,625 مليار نسمة وعلى هذا الأساس ان دول البريكس تتمكن من تحقيق نمواً اقتصادياً كبيراً وتتمكن من منافسة الدول المتقدمة.
وتكمن أهمية بريكس بالنسبة للعلاقات الدولية وفي النظام العالمي كونها تحتوي على مجموعة من الدول الناشئة والصاعدة ورغم كونها متفرقة جغرافيا, فهي موجودة في قارة أسيا وافريقيا وأوروبا, لأنها بنفس الوقت تسعى ان تكون متحدة اقتصادياً, وان البعد الجغرافي لم يعد عائقاً أمام التكامل الاقتصادي بسبب التقدم التكنولوجي ووسائل الاتصالات الهائلة…
وبسبب الإمكانات البشرية والمادية والمالية التي تتمتع بها دول البريكس نجد أن ترتيب اقتصادياتها من بين اقوى مئة اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية والهند أصبحت في المرحلة الخامسة والبرازيل في المرحلة التاسعة وروسيا في المرحلة الثانية عشر وجنوب افريقيا في المرحلة الثامنة والثلاثين, وهي مواضع متقدمة من حيث تسلسلها..
والجدول رقم (2) يبين الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس وتسلسلها من بين اقوى مئة اقتصاد في العالم لسنة 2020
التسلسل | اسم البلد | التسلسل من مئة بلد | الناتج المحلي الإجمالي | حصة الفرد |
1 | الصين | 2 | 15,47 ترليون | 10747 الف دولار |
2 | الهند | 5 | 3,26 ترليون | 2631 الف دولار |
3 | البرازيل | 9 | 2,06 ترليون | 9703 الف دولار |
4 | روسيا | 12 | 1,67 ترليون | 11462 الف دولار |
5 | جنوب افريقيا | 38 | 386,73 مليار دولار | 6251 الف دولار |
6 | مجموع دول البريكس | / | 22,826 ترليون | 7333 الف دولار معدل الدخل |
7 | الولايات المتحدة الامريكية | 1 | 22,2 | 67063 الف دولار |
تضح من الجدول رقم (2) أن تسلسل دول البريكس من بين مئة اقتصاد عالمي, فهذه الدول الصاعدة كان تسلسلها جيد ومتميز حيث اصبح تسلسل الصين كثاني اقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية التي احتلت المرتبة الأولى, ويلاحظ ايضاً ان مجموع الناتج الإجمالي للدول الخمسة يكاد يكون متساوي مع الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا مع فارق بسيط جدا وهذا يعطينا مؤشر ان الاقتصاد الأمريكي اقتصاد لا زال قوياً جداً وهو في مقدمة دول العالم.
أما نصيب الفرد من الناتج القومي سنوياً يتضح ان الفارق بين أمريكا والصين والهند مثلاً شاسع جداً وذلك بسبب الكثافة السكانية لكل من الصين والهند حيث ان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي, يمثل مؤشر اقتصادي يقيس درجة التنمية الاقتصادية في بلد ما وأثرها الاجتماعي ويتم ذلك من خلال قسمة قيمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان.. ويعتبر الناتج المحلي الإجمالي, هو القيمة السوقية لكل السلع النهائية والخدمات المعترف بها محلياً, والتي تم انتاجها في دولة ما, خلال فترة زمنية معينة وعلى الاكثر تكون سنة..
ومن المعروف في هذا المجال أنه كلما ازداد عدد السكان في أي دولة قل نصيب الفرد من الدخل السنوي, وهذا ينعكس على وجود دول صغيرة تتقدم بدخل الفرد عن الدول الكبيرة, وهذا يعني ان الدول الاقتصادية الكبرى ليست بالضرورة تكون الأعلى في مستوى دخل الفرد بسبب عدد سكانها, كالصين والهند, وكذلك الولايات المتحدة الامريكية…
ورغم كل ذلك ان الاقتصاديين يعتمدون على الناتج المحلي الإجمالي ودخل الفرد كمقياس للنشاط الاقتصادي لأي بلد وكلما قل الناتج المحلي الإجمالي انعكس ذلك على حالة الفقر في البلد ومما يؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للأفراد.
وكما يلاحظ من الجدول رقم (2) أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا بلغ 167063 الف دولار بينما بلغ في الصين 10747 الف دولار وفي الهند 2361 دولار وهكذا بقية الدول الأخرى.
ان مجموعة البريكس تعد واحدة من التكتلات المؤثرة في العالم, وان هذا النموذج الاقتصادي من شأنه أن يخلق بديلاً عن هيكل التمويل في العالم مستنداً الى النمو المضطرد للناتج المحلي الإجمالي لبلدانها.. وبإمكانها ان تلعب دوراً اكبر في صنع السياسات الاقتصادية العالمية.
كما ان للبعد السكاني من تأثير على الأداء الاقتصادي, حيث تمتلك هذه البلدان كم هائل من قوة العمل المؤهلة والنصف مؤهلة, وتكلفتها قليلة مقارنة بقية دول العالم المتقدم فاذا تمكنت دول البريكس من زيادة إنتاجية العمل ستصبح من عمالقة الاقتصاد في العالم بسبب حجم اسوقها المحلية ونمو التجارة العالمية في ظل العولمة…
واذا استمر الحال على هذا المنوال نتوقع ان يكون الناتج المحلي الإجمالي المشترك لهذه الدول الخمسة اعلى من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع حتى عام 2050.
أن المؤشرات الاقتصادية والإمكانات المادية والبشرية لدول البريكس الحالية قد تضع هيمنة مجموعة السبع (7G) الأكثر تصنيفاً في العالم محل شك وترقب في العلاقات الدولية وان المجموعة الصاعدة ستلعب دوراً مهماً في رسم طريق جديد للعالم من حيث النفوذ والقوة الاقتصادية والسياسية.. فعلى سبيل المثال ان روسيا بلد عملاق جغرافياً وغني بالموارد المعدنية وفي مجال الطاقة وله موقع جيوسياسي مهم جداً ويشكل البرازيل بمساحته الزراعية العظيمة سلة عالمية للغذاء, وان الصين هي الأخرى تمثل العملاق الاسيوي وتملك الموارد المادية والبشرية مما يجعلها مؤهلة ان تتصدر العالم بمعدلات النمو الاقتصادي وخاصة بعد استخدامها سياسة الانفتاح المنضبط على العالم الغربي وتمكنت من نقل التكنولوجيا المتطورة ورؤوس الأموال ووسعت من مجال الاستثمارات الخارجية واستفادت أيضا من توفير الايدي العاملة الرخيصة وكذلك الهند التي تمكنت من القضاء على الفقر والجوع وأصبحت بلداً مصدراً.. أن هذا الدول الصاعدة لديها من الإمكانات التي تشكل بالنسبة لها الدافع الأساس للتبادل والتكامل الاقتصادي فيما بينها, ووضع كل هذه القدرات المتاحة للتنمية الاقتصادية التي هي اصلاً الأعلى في العالم.. خاصة ان هذه الدول تمتلك قواعد صناعة وتكنولوجية وايدي عاملة ولديها من اكبر احتياطات الصرف بالعملة الصعبة..
فقد تمكنت هذه الدول من رفع حجم التبادلات التجارية البيئية, حيث قفزت قيمة التجارة البيئية من 15 مليار دولار سنة 2000 الى 158 مليار دولار سنة 2008 ومن المتوقع ان تصل الى 1000مليار دولار سنة 2030 ومن البديهي ان تفكر هذه الدول في قدراتها العسكرية من اجل حماية هذا التكتل الاقتصادي المهم وبنفس الوقت الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي حيث احتلت مجموعة البريكس المرتبة الخامسة عشر عالمياً بنفقاتها العسكرية حيث بلغت 314 مليار دولار سنة 2011 وهي تأتي بعد الولايات المتحدة مباشرة..
والجدول رقم (3) يمثل بلدان مجموعة السبع (7G) من حيث عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي ونسبة الانفاق على الجانب العسكري ومساهمة هذه البلدان حسب نسبة التجارة الخارجية من ناتجها المحلي:
جدول رقم (3) يمثل بلدان الدول السبع (7G) لسنة 2020
التسلسل | اسم البلد | عدد السكان مليون نسمة | الناتج المحلي الإجمالي | نسبة التجارة الخارجية من اجمالي الناتج المحلي | نسبة الانفاق العسكري من اجمالي الناتج المحلي |
1 | بريطانيا | 66,5 | 2,83 ترليون | 29,9% | 1,8% |
2 | كندا | 37,1 | 1,71 ترليون | 32,4% | 1,3% |
3 | فرنسا | 67,0 | 2,78 ترليون | 32,4% | 2,3% |
4 | المانيا | 82,9 | 3,99 ترليون | 42,9% | 1,2% |
5 | إيطاليا | 60,4 | 2,07 ترليون | 29,4% | 1,3% |
6 | اليابان | 126,5 | 4,97 ترليون | 17,4% | 0,9% |
7 | أمريكا | 327,2 | 20,94 ترليون | 20,49% | 3,2% |
8 | المجموع | 767,6 | 39,29 | 29,27% معدل مجموع الدول السبع | 1,7% معدل مجموع الدول السبع |
ومن هذا الجدول يبين لنا ان الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع بدون الولايات المتحدة الامريكية بلغ 18,35 ترليون دولار وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الامريكية وحدها 20,94 ترليون دولار بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس 22,826 ترليون دولار سنة 2020 وهو اكثر من الناتج المحلي الإجمالي للدول الصناعية السبع عدا أمريكا.. هذا اذا علمنا ان اجمالي الناتج المحلي العالمي للاقتصاديات العالم مجتمعة بلغ ما قيمته 91,98 ترليون دولار امريكي للعام 2020.
والجدول رقم (4) يبين دول مجموعة العشرين والناتج المحلي الإجمالي لسنة 2019 وعدد السكان ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي:
جدول رقم (4) مجموعة دول الـ 20 (20G) الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان ونسبة نصيب الفرد من الناتج لسنة 2019.
تسلسل | اسم البلد | الناتج المحلي الإجمالي | عدد السكان مليون نسمة | نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي |
1 | الصين | 23,393 ترليون | 1,409,000,000 | 10,000 الف دولار |
2 | الاتحاد الاوروبي | 22,433 ترليون | 447,700,000 | ؟ |
3 | الولايات المتحدة الامريكية | 21,433 ترليون | 335,426 | (65,1) الف دولار |
4 | الهند | 9,542 ترليون | 1,374,760,000 | 2,100 الف دولار |
5 | اليابان | 5,450 ترليون | 126,150,000 | (40,3) الف دولار |
6 | المانيا | 4,672 ترليون | 83,073,100 | (46,5) الف دولار |
7 | روسيا | 4,135 ترليون | 146,739,744 | 11,1 الف دولار |
8 | اندونيسيا | 3,331 ترليون | 266,911,900 | 4,1 الف دولار |
9 | بريطانيا | 3,254 ترليون | 66,435,600 | (40,8) الف دولار |
10 | فرنسا | 3,228 ترليون | 67,055,000 | (41,6) الف دولار |
11 | البرازيل | 3,222 ترليون | 214,612,000 | 8,7 الف دولار |
12 | إيطاليا | 2,665 ترليون | 60,278,616 | (32,9) الف دولار |
13 | المكسيك | 2,626 ترليون | 126,577,691 | 9,9 الف دولار |
14 | تركيا | 2,471 ترليون | 82,003,882 | 8,8 الف دولار |
15 | كوريا الجنوبية | 2,304 ترليون | 51,811,167 | (31,8) الف دولار |
16 | كندا | 1,920 ترليون | 38,017,220 | (46,0) الف دولار |
17 | السعودية | 1,667 ترليون | 34,218,169 | 23,2 الف دولار |
18 | استراليا | 1,345 ترليون | 26,029,500 | (54,0) الف دولار |
19 | الارجنتين | 1,033 ترليون | 44,938,712 | 9,9 الف دولار |
20 | جنوب افريقيا | 0,761 ترليون | 58,77,022 | 6,0 الف دولار |
تأسست منظمة الشعرين (GROUP OF TWENTY) سنة 1991 وهو منتدى يجمع مكونات ومحافظي البنوك المركزية من 19 دولة إضافة الى الاتحاد الأوروبي الذي مثله من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي يمثل اقتصاديات الدول الأعضاء في مجموعة العشرين مجتمعة حوالي 90% من اجمالي الناتج العالمي و 80% من التجارة العالمية وثلثي سكان العالم وحوالي نصف مساحة اليابسة في العالم.. ويلاحظ أن هذا التجمع الاقتصادي ينضم الية جميع دول البريكس الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا… أي انضموا الى هذا التجمع قبل تشكيل مجموعة البريكس.. واحتلت كل من أمريكا واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا أعلى الدول من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي..
ويتضح مما تقدم ان دول البريكس تساهم بنحو 22% من اجمالي الناتج العالمي وتحتل قرابة 26% من مساحة الأراضي في العالم وتتوزع أعضائها على ثلاثة قارات وان مجموع سكان البريكس تشكل اكثر من 1 / 3 سكان العالم وهذا مما يجعلها مؤهلة من ان تلعب دوراً محورياً في وضع تصورات حول حالة الاقتصاد العالمي من حيث حل مشاكل الحماية التجارية والمنافسة غير العادلة الى جانب تفاقم الصراع من اجل الوصول الى الموارد والتقنيات وخلق حالة من التوازن وتحقيق الاستقرار العالمي والامن المشترك وبأماكنها ان تساهم في تشكيل نظام متعدد الأقطاب, وكما تشير الأرقام الواردة في الجداول المستخدمة في هذه الدراسة الى ان حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس يشكل نحو ثلث الاقتصاد العالمي ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فان حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس ووفقا لتعادل القوة الشرائية يبلغ 44,1 ترليون دولار فيما يبلغ حجم اقتصادات دول مجموعة السبع الكبار (7G) يبلغ 40,7 ترليون دولار…
ومما تقدم فأننا نعتبر تشكيل مجموعة بريكس هو بمثابة الخطوة الأولى والجدية وتمثل بداية التحدي الكبير لجميع القوى الاقتصادية الغربية والولايات المحتدة الامريكية.. والتي من الممكن ان تعيد حالة التوازن الدولي التي افتقدها العالم منذ غياب الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الامريكية بالعالم دون منازع.
رابعاً: الاستنتاجات
لقد سلطت الدراسة الضوء على تكتل البريكس من حيث نشأته وأهدافه وابعاده الاقتصادية على اقتصاديات العالم ومن خلال ذلك نستخلص أهم الاستنتاجات والتي تؤكد الهدف من هذه الدراسة من أن هذا التجمع عبارة عن تجمع فريد من نوعه أنشئ عام 2011 ويضم بعضويته خمس دول من ذوات الاقتصادات الصاعدة ويعد منتدى بريكس منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية بعضويته, وقد حققت كل الدول الأعضاء (باستثناء روسيا) نمواً مستديماً اكثر من معظم البلدان الأخرى خلال فترة الكساد وتمثل مجموعة بريكس اكبر اقتصاد خارج منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية… وأن التجمع يعتبر بداية التحدي السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الامريكية وبقية التجمعات الاقتصادية الغربية.. وان من اهم الاستنتاجات التي توصلت اليها الدراسة هي:
اولاً: أن العامل الجغرافي يمثل عاملاً مهماً من عوامل التكامل الاقتصادي وتحقيق الوحدة الاقتصادية, كما وجدنا أهميته في أوروبا كونها دول متجاورة على العكس بالنسبة لدول البريكس فهي دول متباعدة جغرافياً مما سيشكل ذلك عامل أعاقة لعملية التكامل وبالأخص في مجالات الصناعة والزراعة وقطاع الخدمات, رغم التطورات التكنولوجيا ووسائل التواصل والاتصالات التي تخفف من أهمية هذه العوامل.
ثانياً: أن عملية التعاون والتكامل الاقتصادي يتطلب وجود عمل مؤسسي متطور يقود هذا التجمع فدول بريكس لا زالت في بداية جهدها وان المنظمات المؤسسية لا زالت غير مكتملة مما سيعيق عملها وتكاملها ودورها في مواجهة بقية التكتلات التي لديها عمل مؤسسي راسخ كما في السوق الأوروبية المشتركة.
ثالثاً: من اجل إنجاح مشروع تكتل البريكس واستمراره في مواجهة التحديات العظيمة التي ستواجه لا بد من الشروع ببناء بنىّ ارتكازية تستند عليها في عملية التكامل والتوحد الاقتصادي, كون البنى الارتكازية تمثل الدعامة الأساسية لمثل هكذا مشروع.. منها طرق المواصلات بأنواعها كافة وفي مجال الطاقة والنقل والصحة والتعليم والمختبرات وغيرها…
رابعاً: تم تشكيل هذا التكتل في خضم الصراع التجاري والاقتصادي بين الصين وامريكا… وولد كضرورة موضوعية لهذا الصراع كون الصين بحاجة ماسة له في حسم هذا الصراع لصالحها وادركت ان حجم الاقتصاد الأمريكي ومعه الدول الغربية لا يمكن للصين مواجهته لوحدها دون خلق تكتل اقتصادي سياسي ينافس الولايات المتحدة الامريكية ومحورها.
خامساً: في لقاء القمة لبلدان البريكس الذي انعقد في 17 نوفمبر 2020 صدر عن الاجتماع ما سمي بإعلان موسكو (قمة البريكس الـ 12 ) ورد في الفقرة (50) ما نصه (تقديراً منا للدور المستمر لمجموعة العشرين لمنتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي والعمل المنسق للتغلب على التحديات العالمية الحالية, نلتزم بمواصلة التنسيق والجهود التعاونية في اطار مجموعة العشرين بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك…الخ”.
من ذلك يتضح ان دول البريكس هي داخلة وملتزمة بالتنسيق مع مجموعة دول العشرين علماً ان الولايات المتحدة الامريكية والغرب جميعهم في هذا التجمع وان من ام اهداف البريكس هو العمل على انهاء سياسة القطب الواحد الذي تمارسه أمريكا وفرض هيمنتها على الاقتصاد العالمي… ان هذا يوقع دول البريكس في شيء من التناقض خاصة ان توجهات دول البريكس تتقاطع مع توجهات أمريكا ومحورها.
سادساً: كما جاء ايضاً في أعلان موسكو (قمة البريكس الـ 21) وفي الفقرة (51) ما نصه “ونؤكد من جديد التزامنا بالإبقاء على صندوق النقد الدولي القوي والقائم على الحصص والمزود بالموارد الكافية في قلب شبكة الأمان المالي العالمية”. وفي هذه الفقرة الذي تؤيد مجموعة بريكس بالدور المهم لصندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة الفقيرة, ومن جه أخرى نرى ان من اهم اهداف دول البريكس هو العمل على إيجاد بديل فعال وحقيقي لصندوق النقد الدولي… هذا تناقض صارخ بين ما جاء بموقف بريكس في اعلان موسكو مع اهم هدف من اهداف دول بريكس!! علماً أن دول بريكس قد انشأة بنك التنمية الجديد لمساعدة الدول النامية وبشروط ميسرة!!.
سابعاً: كما يتضح من الجدول رقم (1) ان عدد سكان يمثل القوة الرافعة الأساسية لدول البريكس وبالأخص الصين والهند والتي تتفوق على بقية بلدان العالم وما توفره من قوة عمل رخيصة بحيث تمكنت هذه البلدان من جذب رؤوس الأموال وازداد حجم الاستثمارات فيها حيث انتقل راس المال من الولايات المتحدة الامريكية الى الصين والهند بسبب قلة تكاليف الإنتاج فيها وتحقيق معدلات عالية من الأرباح… أعطاها موقفاً تنافسياً كبيراً وعلى مستوى العالم حيث غزت المنتجات الصينية العالم مما ساهمت دول البريكس في تعزيز التجارة العالمية بشكل عام.
ثامناً: تميزت دول البريكس كونها من الاقتصادات الصاعدة وتميزت بنمو المضطرد للناتج المحلي الإجمالي ومساهمتها في الناتج العالمي حيث ساهمت في الناتج العالمي بنحو 22%, وكما يلاحظ من الجدول رقم (2) تسلسل هذه الدول من بين اقوى مئة اقتصاد في العالم فجاءت الصين بالدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية وان مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الخمسة تجاوزت الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا بنسبة قليلة جداً.. ويلاحظ كذلك في الجدول رقم (3) ان الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع عدا أمريكا بلغ (18,35) ترليون دولار بحيث تجاوزت دول البريكس ذلك بنمو (4,5) ترليون دولار… مما يؤكد الدور الذي من الممكن ان تلعبه دول بريكس في إعادة التوازن الاقتصادي العالمي…
تاسعاً: من الملاحظ ايضاً أنه لن ينتمي لهذا التجمع اية دولة أخرى وبقي منذ تأسيسه وحتى اليوم على الدول الخمسة فقط, ولم نجد في اساسياته أي شروط ومحددات للانتماء لهذا التكتل الاقتصادي والسياسي والثقافي.
عاشراً: تشير توقعات أصدرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الى ان الدول الاسيوية قد تحتل المراكز الـ 5 الأولى على قائمة اكبر اقتصاديات العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي وذلك بحلول عام 2024 متجاوزه بذلك القوى الاقتصادية الأوروبية من المتوقع ان يصبح اقتصاد الصين الأول والاكبر من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العام 2024 وكذلك الهند واندونيسيا ولكن هذه التوقعات قد تصطدم بما ستخلفه جائحة كورونا على معدلات النمو الاقتصادي العالمي وما لها من آثار كبيرة على الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول العالم ومنها الصين وامريكا.. وعليه ستكون هذه التوقعات غير دقيقة ولا يمكن حسابها في الوقت الحاضر.
بعد ان سلطنا الضوء على مجموعة البريكس واعطينا صورة عن نشأتها وهدفها ومساعيها في خلق تكتل يواجه الولايات المتحدة الامريكية وهيمنتها على الاقتصاد العالمي.. وجدنا ان هذا التكتل يمثل بالفعل بداية التحدي من الوصول الى أهدافه, خاصة ان الولايات المحتدة الامريكية ومحورها سوف لن تقف مكتوفة الايدي امام من ينافسها على قيادة العالم وستعمل كل ما بوسعها للوقوف امام هذا التكتل, وخاصة ان الإمكانات المادية والبشرية للولايات المتحدة الامريكية والمجموعة الأوروبية هائلة وهي في حالة تطور ايضاً وخاصة على مستوى التطور التقني بما يمكنها إيقاف أي قوة من ان تمارس دوراً ضد مصالحها الحيوية حتى لو استخدمت قوة السلاح.. فعلى تكتل بريكس ان يعمل بجهد عال المستوى من الاستمرار في تطوره ونموه الاقتصادي وتهيأت جميع المستلزمات المادية والبشرية ووضع تصورات وخطط وبرامج للوصول الى الأهداف التي طرحتها البريكس في بداية التأسيس… فضلاً عن قبول عدد آخر من الدول الناشئة والصاعدة الى صفوفها كتركيا واندونيسيا ومصر وغيرها من الدول الناشئة حتى تتمكن من خلق تجمع دولي فاعل ومؤثر سياسياً واقتصادياً, وتعمل جاهدة على رفع وتأثر إنتاجية العمل وبشكل مضطرد كون مؤشر الإنتاجية هو من أدق وافضل من مؤشر الناتج المحلي الإجمالي.. فالبلدان تتفوق على الاخرين بزيادة إنتاجية العمل..
الذي نخشاه من كل ذلك هو ان الصراع القائم بين الصين ومحورها من جهة وامريكا ومحورها من جهة ثانية وكلاهما يبحثان عن قيادة العالم والسيطرة على مقدراته أن يأخذ هذا الصراع التجاري الاقتصادي الى صراع عسكري خطير يؤذي الإنسانية جمعاء.