عجز القطاع الزراعي بتأمين الغذاء في الأقطار العربية
عجز القطاع الزراعي بتأمين الغذاء في الأقطار العربية
الأستاذ إسماعيل الدليمي
مقرر اللجنة الاقتصادية
- مقدمة:
إنها لفرصة طيبة للاستماع لمحاضرة الصديق القديم الأستاذ القدير الدكتور سمير عبد الحميد الشاكر حول الأمن الغذائي العالمي والأمن الغذائي في العراق والتي امتازت بالعمق والشمول ونالت الاهتمام والثناء من قبل الحاضرين في الندوة التي ألقاها في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات بتاريخ 26/3/2021، لذا وجدتُ من المناسب إلقاء الضوء على قصور القطاع الزراعي في الوطن العربي وفي العراق خاصة من تلبية احتياجات الشعب من الغذاء بالرغم من توفر الإمكانات الطبيعية والبشرية.
- إن مساهمة القطاع الزراعي للدول العربية لا تتجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي كمتوسط خلال السنوات العشر الماضية، بحسب دراسة معمقة للأستاذ الدكتور حميد الجميلي قدمها في منتدى الفكر العربي، الأمر الذي يؤكد على محدودية مساهمة هذا القطاع في الأمن الغذائي العربي.
- إن تدني مساهمة قيمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي في الوطن العربي لا تتناسب مع الإمكانات المتاحة في معظم الأقطار العربية من مساحات شاسعة صالحة للزراعة ومياه وفيرة نسبياً وتوفر القوى العاملة، فضلاً عن الأموال لدى معظم الدول العربية التي يمكن تخصيصها لهذا القطاع، ومع ذلك فأن الإنتاج الزراعي لا يغطي الاحتياجات الغذائية فيتم اللجوء الى الاستيراد لمعظم فقرات الأمن الغذائي العربي، وهي علامة فشل واضحة وغير مقبولة.
- يمكن تحديد أربعة عوامل أساسية لتخلف القطاع الزراعي العربي وهي:
- تدني كفاءة استخدام الأراضي والمياه للأغراض الزراعية وتخلف الطرق والوسائل الأروائية وعدم كفايتها.
- محدودية استخدام التكنولوجيا في الأعمال الزراعية.
- الإنتاجية في القطاع الزراعي ضعيفة ومتدنية بشكل عام، سواء كان ذلك في الإنتاج الزراعي النباتي أو الحيواني.
- نزوح وبطالة مقنعة في القوى العاملة الزراعية، لأسباب اقتصادية واجتماعية في معظم الأقطار العربية.
- إن تأثير العوامل الواردة أعلاه يؤدي الى تزايد تحديات الأمن الغذائي في معظم الدول العربية وخاصة في العراق الذي انطفأ فيه ضوء النهوض الزراعي منذ الحصار الغاشم على البلاد في بداية التسعينات من القرن الماضي وما يتبعه من احتلال قاسٍ ومدمر للبلاد والعباد، شمل البنى التحتية الزراعية في مشاريع الري والبزل والأراضي المستصلحة التي أنفقت الدولة عليها الأموال الطائلة بتضحية من عموم الشعب العراقي في سبيل تحقيق التقدم للقطاع الزراعي وتأمين الغذاء الكامل للمواطن العراقي.
- من أهم الحلول التي يمكن أن تواجه العوامل السلبية المتمثلة بضعف كفاءة الإنتاج الزراعي وتحديات تأمين الغذاء في الأقطار العربية هي اعتماد سياسات وتشريعات وإجراءات تتعلق بالتنمية الزراعية الحديثة على أن تتوفر الإرادة والإدارة الحكيمة والكفؤة والمخلصة لقيادة عمليات نهوض القطاع الزراعي في الأقطار العربية التي تتوفر فيها الإمكانات الطبيعية والبشرية والمالية ومنها العراق، للقيام بدورها في تقدم القطاع الزراعي وتأمين الغذاء على المستوى القطري والقومي.
- لا شك في أن القيام بالتنمية الزراعية الحديثة في الأقطار العربية يعتبر من أهم الوسائل لمحاربة الفقر والبطالة وتحسين مستويات المعيشة والدخل لسكان الأرياف بما يحقق زيادات ملحوظة في الإنتاج الزراعي الذي ينعكس إيجاباً على تأمين الغذاء للمواطنين، وذلك باستخدام الوسائل الحديثة في جميع العمليات الزراعية بما في ذلك استخدام المكننة الزراعية واستخدام التكنولوجيا الحديثة ودعم البحث العلمي في المجالات الزراعية المتعددة، إضافة الى التركيز على إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعمها من قبل الدولة، الأمر الذي يمكن أن يساعد على تحقيق النمو في القطاع الزراعي والذي يؤدي حتماً الى تأمين معظم مفردات الغذاء في الأقطار العربية، كما أن تنظيم القطاع الزراعي وتقديم التسهيلات المطلوبة له يعتبر الأساس لنهوض وتقدم هذا القطاع.
- إن تحقيق الأمن الغذائي لأية دولة أو مجموعة من الدول تربطها عوامل بيئية وجغرافية ومصالح مشتركة كالدول العربية، تواجه تحديات في الأمن الغذائي يمكن معالجته بالاعتماد على ما يمكن توفيره من موارد طبيعية ومادية وبشرية، وتحقق ظروف بيئية ومناخية مناسبة، إضافة الى ضمان وجود الإرادة لدى المسؤولين والمختصين مع توفر الحكمة والنزاهة في تولي المسؤولية مع الإدارة الحازمة التي تقود النشاطات المسؤولة عن توفير الأمن الغذائي والتي يمكن أن تؤمن احتياجات المواطنين من الغذاء بالإضافة الى غايات التصدير.
- كما أن تطوير مناطق إنمائية زراعية متكاملة تتضمن مشاريع لإنتاج المواد الزراعية التي تدخل في الصناعات الغذائية الممكن تأسيسها ضمن هذه المواقع إضافة الى إقامة مشاريع متكاملة بما في ذلك حقول للدواجن ومشاريع لتربية المواشي والأغنام ومصانع الأعلاف والعيادات البيطرية ومخازن المنتجات الزراعية والمشاريع الزراعية الخدمية الأخرى، وأن هذه المشاريع لا بد من تساعد في توسع نشاطات الصناعات الغذائية والصناعات الخفيفة المساعدة الأخرى، والتي تؤمن تشغيل القوى العاملة في تلك المناطق، مما يتطلب تأهيل الشباب ذكوراً وإناثاً ببرامج تأهيلية وتدريبية لضمان تشغيلهم في المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية في هذه المناطق.
- كما أن ضمان تنظيم القطاع الزراعي وإعطاءه الأولوية في الاستثمار وتقديم التسهيلات اللازمة لتطويره يعتبر الأساس لنهوض هذا القطاع كما ذكرنا في أعلاه، وأن تشجيع المواطنين على التوجه للعمل الزراعي وتثبت المزارعين في أراضيهم والمحافظة على إنتاجية الأراضي الزراعية وإنتاجية العامل الزراعي يمكن أن يحدث نهضة زراعية جيدة في أي منطقة تتوفر فيها الخدمات الزراعية المتكاملة.
- في العراق، إن علاقة المواطن العراقي بالأرض وخاصة أبناء الريف قد اعترتها الكثير من الاختلالات في العقود الأخيرة، ومن بين الأسباب التي أوصلت أبناء الريف الى حالة الفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، هي ترك الأراضي والمزارع والهجرة الى المدن للعمل في الخدمات العامة أو الالتحاق بالجيش أو الأمن…إلخ، الأمر الذي يتطلب إعادة تنظيم القطاع الزراعي وتقديم التسهيلات اللازمة لتطويره ونهوضه والتي سبقت الإشارة اليها.
- وفي الأردن، قُدم مشروع للأمن الغذائي يمكن الاستفادة من تجربته من قبل الجهات المختصة في العراق، وهو استثمار أراضي الخزينة في أربع مناطق:
- يتضمن المشروع تأجير أراضي الخزينة للمواطنين الراغبين والمؤهلين لفترات تنتهي بالتملك، بمساحة 20 دونم لكل قطعة، لأنشاء مشاريع زراعية متكاملة، باستخدام تقنيات زراعية حديثة، وزراعة أصناف زراعية جديدة ذات مردودٍ عالٍ ومطلوبة محلياً وعالمياً.
غير أن هذه التجربة لها شروطها ويتم تنفيذها على مراحل وبمناطق متعددة، الأمر الذي يستوجب إقامة حملات ترويجية محلياً وخارجياً لاستخدام المنتجات الغذائية التي تنتج في هذه الأراضي والتي ستساعد في مواجهة تحديات الأمن الغذائي في الأردن.
وفي الختام لا بد لي أن أقدم خالص الشكر والتمنيات بالصحة والسلامة لأخي العزيز الدكتور سمير الشاكر على جهوده في إعداد وتقديم المحاضرة القيّمة، والله الموفق.