الكفاءات العراقية تواجه تحديات المستقبل
د. باهرة الشيخلي
عضو لجنة الثقافة والاعلام والفنون في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات
يلتئم في الثاني من الشهر المقبل في مدينة استنبول التركية شمل النخب والكفاءات العراقية باجتماع يعقده لهم المنتدى العراقي للنخب والكفاءات على مدى يومين.
والمنتدى هو مؤسسة وطنية عراقية تأسس سنة 2014 بحضور اكثر من 200 شخصية عراقية اكاديمية و مهنية من اكثر من 28 بلدا في شتى انحاء العالم ،و تم الاعلان عن انشاء المنتدى العراقي للنخب و الكفاءات بأعتباره تنظيما” مهنيا” غير سياسي يجمع العراقيين ذوي الكفاءات من كافة الاختاصات تحت مظلة واحدة لضمان التواصل بينهم و الاستفادة من خبراتهم و قدراتهم في بناء العراق وحل مشكلاته التنموية.
ويسعى المنتدى إلى إعادة الاعتبار للعقل العراقي، بعد أن انحدرت العملية التعليمية في البلاد ووصلت بمستوياتها الدراسية وحلقاتها العلمية كافة إلى الحضيض، إذ أن تخريب التعليم والإجهاز على مؤسساته الأكاديمية كان الهدف المركزي للاحتلال الأمريكي وأكملت الحكومات المتعاقبة المهمة وواصلت نهجاً تخريبياً متعمداً تجاه العملية التعليمية وصل إلى حد الإهمال المطلق، وما يحدث في التعليم (العام والعالي) من تزييف وتزوير يحدث أيضا في مجال البحث العلمي، فقد انتهى زمن الجودة والرصانة في هذا المضمار المهم.
ولم يبق في العراق من مجموع علمائه وخبرائه وباحثيه أكثر من 25%. ولا تجد عناء في العثور على العقول العراقية، التي قام على خبراتها بناء الدولة العراقيةالحديثة خلال القرن الماضي في منافي الغربة في لندن وعمان والقاهرة والشارقة وأبوظبي ودبي والدوحة ومسقط والمنامة ومدن تركيا وفرنسا وهولندا وسويسرا والنمسا وأسكندنافيا ووصلوا إلى أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزلندا وغيرها من بقاع الأرض، ولكنك ستجدها خبرات وطاقات تشتغل للغير أو معطلةوإذا كانت هناك أي نية حقيقية لبناء البلد، فلماذا استهدفت هذه العقول بالاغتيالات والاعتقال والتشريد؟
واجهت النخب والكفاءات العراقية وضعاً استثنائياً بعد كارثة الاحتلال وتدمير بنى الدولة الوطنية، وما اصطفافها في إطار المنتدى إلا للمحافظة على أداء دورها الفاعل في مستقبل البلاد إذا ما أتيحت لها فرصة إعادة البناء بعد الخراب الذي عمّ أرجاء البلاد بفعل الاحتلال . وتتجلى في اجتماع الحزمة الفاعلة من النخب والكفاءات العراقية في مقابل حالة التداعي والتدهور، حالة مستنيرة عبر صيغ تنظيمية – حضارية فاعلة، من خلال تنظيم المؤتمرات وورش العمل لتشخيص المشكلات ودراستها واقتراح الحلول والإجابات الفاعلة لها، وهذه الصيغة العملية تتحقق باجتماع تلك النخب على الطاولة مباشرة لتبادل الخبرات ومناقشة المقترحات ووضع برامج الاصلاح والبناء.
انطلقت اللجان التخصصية للمنتدى، منذ تأسيسه، لعقد المؤتمرات التي جمعت خبرات العراق وكفاءاته الموجودة داخل البلاد وخارجها على منصة واحدة، وتصدت بعلمية ومسؤولية للمشكلات القائمة، وخرجت بقرارات وتوصيات عملية وشاملة، مثلت حلولاً جذرية للمشكلات القائمة في العراق اليوم، وتصدت بشجاعة، بحكم ما تحمله من خبرة ميدانية متراكمة، للمعضلات والمشكلات المتراكمة كلها، ورسمت خارطة الطريق لإعادة إعمار العراق وبنائه، وتشكل الدراسات والبحوث، المقدمة إلى المؤتمرات التخصصية وورش العمل، ذخيرة لكل البناة والمجددين في ميادين العمل المختلفة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية في العراق، إذ لم تذهب تلك الدراسات والبحوث إلى مجرد (إطفاء الحرائق) للمشكلات الراهنة، التي شهدها العراق منذ الاحتلال إلى هذا اليوم، بل وضعت الخطط المستقبلية لإنجاز برنامج شامل لإعمار مناحي الحياة كلها في العراق، والانسان في مقدمة ذلك وعبر لجانها المختلفة: الثقافة والاعلام والفنون، الرياضة والشباب، الزراعة والري، الصناعة والطاقة (الكهرباء والنفط) والموارد الطبيعية، الأسكان والبنى التحتية، الاقتصادية، الادارة والاحصاء والتخطيط الاستراتيجي، العلوم الإنسانية والأجتماعية، الصحة، التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، القانونية، والعلوم السياسية .
وأسهمت هذه اللجان كلها في تشخيص الكثير من المشكلات وأوجدت لها الحلول، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان المنتدى أول من أعلن حالة الطوارئ في موضوعة المخاطر، التي تواجه سد الموصل والأوضاع، التي تهدد وجوده وآثار ذلك على البيئة والمدن التي تقع بعد السد في مجرى نهر دجلة، وعقد سلسلة من الندوات وورش العمل مع المؤسسات الأكاديمية المعنية بموضوع بناء السدود وحمايتها، ومع الشركات العالمية المنفذة لسد الموصل، والجهات العلمية – الهندسية، التي وضعت مخططات بناء السد، وكانت الحملة الإعلامية والعلمية، التي قادها المنتدى عبر (لجنة الزراعة والري) جرس انذار شديد التأثير للعديد من الجهات الدولية والمحلية لمعالجة وضع السد عمليا، وإبعاد المخاطر التي تتهدده، كما أسهم المنتدى في عقد ندوة مشتركة بين اللجنة الاقتصادية ولجنة الصناعة والطاقة تحت عنوان” تأثير انخفاض سعر النفط على الاقتصاد العراقي“ والعمل على انشاء مركز استشاري تكنولوجي في مجالات الطاقة البديلة .
وقدمت لجنة العلوم الانسانية والاجتماعية خطة شاملة لعمل اللجنة.
ومثلها فعلت لجنة الصناعة والطاقة (الكهرباء والنفط) والموارد الطبيعية ، كما أقامت اللجنة القانونية، ندوة لمناقشة حقوق الإنسان في العراق.
هذه امثلة بسيطة تعكس إنجازات المنتدى ، خلال أربع سنوات من عمره المديد.
وتتجاوز النخب والكفاءات المصطفة في خلية العمل الوطنية (المنتدى العراقي للنخب والكفاءات) العناوين الفرعية كلها، التي جاء بها الاحتلال بعد سنة 2003، وظلت تمثل التكوينات والتيارات الفكرية والاجتماعية المجتمعية كلها، وترتبط بصفة وثيقة بأهداف التنمية البشرية الانسانية والمستدامة، وهذا الارتباط الوثيق يؤكد هويتها الوطنية – الشعبية، ويضعها في المكان الفاعل الصحيح في مسيرة البناء والتغيير.
لكن الأهم من ذلك كله يتعين على المنتدى أن يدخل، من فوره، الى المعالجات الواقعية ويعمل على تنظيم الكفاءات العراقيه المهاجرة واستثمارها عملياً وأن يسعى إلى إيجاد علاقات فاعلة تنسق العمل بين الداخل والخارج لمصلحه البلاد، وأن يجد التمويل اللازم لبناء مشاريع تعمل فيها هذه الكفاءات والنخب كمصانع الأدوية والمستشفيات والجامعات والمعامل والمصانع بشتى أنواعها، لكي لا تبقى هذه الخبرات والطاقات الحية معطلة.