لجنة الاسكان و البنى التحتية

التقنيات التلامسية في التوثيق المعماري والهندسي

أ.م.د. عماد هاني العلاف

عضو لجنة الاسكان والبنى التحتية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات

قسم هندسة العمارة – كلية الهندسة – جامعة الموصل

[email protected]

يعد حقل التصميم العكسي Reverse design -RD نوع من عمليات تحسين وتعزيز تصميم المنتج النهائي، وتعتمد عملية المسح فيه على استخلاص الشكل المجسم ثلاثي الأبعاد للعنصر المطلوب، ويستخدم عادة في تطبيقات القطاع الصناعي لتحسين النتائج النهائية من خلال التغذية المرجعة للمعلومات خلال عملية التصنيع والمقارنة بين النماذج المختلفة للوصول إلى قابليات ومساوئ التصميم المعني.

تصنف تقنيات الرقمنة ثلاثية الأبعاد بالاستناد إلى طريقة تحصيل البيانات المجسمة ثلاثية الأبعاد إلى تقنيات تلامسية (ميكانيكية) وأخرى غير تلامسية. تستخدم تقنيات القياس التلامسية عادة في حقل الهندسة العكسية والتطبيقات الصناعية، إذ يستخدم عدد من الأساليب والأدوات المتنوعة التي تعتمد على أسلوب التلامس بينها وبين العنصر لتحديد شكله وخواصه لغرض الحصول على البيانات ثلاثية الأبعاد للعنصر الممسوح وتكوين المجسم الرقمي. وتعد التقنية أداة غير مكلفة وطريقة فعالة للحصول على مجسمات رقمية للعناصر ذات التفاصيل الهندسية سواء البسيطة منها أو حتى المركّبة والمعقدة.

تقوم مجسات القياس في التقنيات التلامسية بمس سطح العنصر الموثق أثناء عملية تحصيل المعلومات، وتعمل تقنيات المسح التلامسية عادة عن طريق تسجيل النقاط يدويا على سطح العنصر للتمكن من تحويلها إلى صيغة رقمية. وللحصول على كل معلومة متعلقة بنقطة ما يتم تفعيل المجس وتحريكه نحو الهدف المطلوب.

استخدام التقنيات التلامسية في قياس ومسح وتوثيق شكل وخصائص العناصر المجسمة

 

وتشتمل التقنيات التلامسية على مجموعة من التقنيات منها تقنيات الأذرع المتمفصلة Joined Arms  وتسمى أيضا Articulated Measuring Arms وأجهزة  قياس الإحداثيات Coordinate Measurement Machines – CMMs. وتشبه الأذرع المتمفصلة أجهزة الروبوت التي تمتلك ذراعا ميكانيكيا تستخدم لإتباع خطوط سطح العنصر الموثق، ثم تقوم بإرسال إحداثيات البيانات المكتسبة إلى الحاسوب لتشكيل المجسم.

أجهزة الأذرع المتمفصلة Joined Arms

 

يعد “جهاز قياس الإحداثيات Coordinate measuring machines – CMM” إحدى أدوات التقنيات التلامسية الذي عادة ما يستخدم كأداة تقليدية في القطاع الصناعي بشكل كبير لأغراض فحص ومعاينة القطع المصنعة. ويمكن التحكم بالجهاز يدويا من قبل المستخدم أو التحكم بها حاسوبيا. ويتم التقاط البيانات فيه من خلال مجس متحرك بإبعاد ثلاثة، ويمكن أن يكون المجس ميكانيكيا أو مزود بإشعاع ليزري أو ضوء ابيض أو غيره.

 

مراحل تطور تقنيات قياس الإحداثيات التلامسية

 

بالرغم من اعتبار تقنية المسح الليزري تقنية رقمنة حديثة، غير أن أجهزة قياس الإحداثيات CMM كانت من أول التقنيات التي استخدمت في تحصيل المعلومات المكانية وتحويلها إلى بيانات رقمية خلال ستينيات القرن الماضي، وكان الغرض الأساسي لتطوير هذه الأجهزة هو لإجراء فحوصات ومعاينات بعدية، والتي لا تزال من أهم الاستخدامات العامة والتقليدية لهذه الأجهزة إلى يومنا هذا.

وفي نهاية ثمانينات القرن الماضي قام المهندسون بتطوير أجهزة الأذرع المتمفصلة لأغراض قياس الأبعاد في القطاع الطبي والسعي لتطوير أجهزة قياس الإحداثيات القابلة للحمل والنقل ولاستخدامها في قطاع استكشاف الفضاء. ومع التطور الرقمي الأخير انتشر استخدام هذه الأجهزة والتي حدّثت من خلال إضافة الماسح الليزري ومتتبع الأثر الليزري إليها، مما ساهم في استخدامها في مختلف القطاعات العلمية والخدمية.

وكبداية لعمل أجهزة قياس الإحداثيات تم ربط مجسات ميكانيكية على حامل كروي نهاية محور عمود القياس، وقد كانت القياسات المكتسبة بهذه الطريقة غير جديرة بالاعتماد بسبب أن حركة الجهاز كانت تقاد باليد، مع تأثر دقة القياس بدرجة ضغط المشغلين المختلفة على المجس أو لتبني تقنيات وأساليب مختلفة في القياس. شهدت المرحلة اللاحقة إضافة المحركات لتوجيه كل محور حركي، ويقوم المشغل باستخدام عصا تحكم للسيطرة عليها، مما أدى إلى تحسين مستوى القياس بشكل ملحوظ خصوصا بعد اختراع المجسات الالكترونية. لحقت هذه المرحلة فترة اقتران عمل التقنية بالأجهزة المتحكم بها رقميا CNC.

في الطور اللاحق بدأ استخدام المجسات البصرية والضوئية ضمن هذه الأجهزة والتي تعتمد مبدأ القياس دون لمس العنصر المعني والتي تقدم قياسات غاية في الدقة وبسرعة كبيرة.

 

مزايا ومحددات العمل بتقنية قياس الإحداثيات

يوفر هذا النوع من الآلات دقة عالية وثبات في القياس، مع سلبية وجوب لمس العنصر وعملية القياس البطيئة المستندة إلى أسلوب قياس نقطة ثم النقطة التي تليها. وتعتمد دقة القياس في الجهاز على عدة عوامل منها سرعة حركة المتحسس، ومستوى تعيين درجة التحسس، وزاوية المتحسس وحجمه، وحجم الجزء المقاس.

وقد تم خلال الفترة الحالية والتي شهدت تقدم تقنيات تحصيل المعلومات الحيزية ثلاثية الأبعاد تطوير تقنية قياس الإحداثيات CMM وإدراج المتحسسات البصرية ضمن أجزاءها لتحسين عملية المسح، كمتحسس الأشكال الحرة لإغراض إعادة الإنشاء. كما تم في التحديثات الحالية للتقنية توفير إمكانية التقييس الجزئي بمجسات الجهاز لحواف وسطوح العناصر، فمن خلال نظام تحسس المواضع يمكن وصف وتقديم بيانات الإحداثيات الحيزية للمجس عند كل موقع قياس، والتي تعالج تاليا بواسطة برمجيات تقييس خاصة بالآلية لتعيين وتحديد المواقع والقياسات والشكل الهندسي العائدة للجزء الموثق.

جهاز قياس الإحداثيات Coordinate measuring machines – CMM، ومجس الجهاز

 

ومع التحديث والتطور الذي شهدته هذه الأجهزة، أصبح بالإمكان قياس إحداثيات العناصر بشكل مائل وغير عمودي باستخدام أدوات الأذرع المتمفصلة، وهي ما تتميز عن سابقتها بقابلية النقل والحمل، كما أنها تمتاز لمرونة حركتها بقدرتها على الوصول إلى مواضع لا يمكن ليد الإنسان الوصول إليها، كباطن وعمق بعض العناصر والأجزاء المعقدة التي لا يمكن استخدام أجهزة قياس الإحداثيات الثابتة لتعيين قيمها. ويمكن بعد عملية الرقمنة من خلال أجهزة قياس الإحداثيات أو الأذرع المتمفصلة استخدام البيانات المنتجة مع العديد من برمجيات التصميم والرسم بالحاسوب مثل 3ds max®, Autodesk VIZ® Inventor®, Solidworks®, وغيرها من تطبيقات ومقابس الرسم ثلاثي الأبعاد.

وبالرغم من التطويرات الهامة التي شهدتها هذه التقنية خلال العقود الماضية إلا أنها ما زالت مقيدة ومحددة ببعض العوامل كمستويات الدقة والسرعة والكلفة المطلوبة للعملية خصوصا عند مقارنتها بغيرها من تقنيات تحصيل المعلومات الحيزية وتوثيق العناصر الحقيقية. كما أنه ومع إمكانية توسيع عمل هذه التقنيات ليشمل عدد من النتاجات الرقمية، إلا أن عملية المسح في بعض الحالات تصبح بطيئة وغير مناسبة لالتقاط البيانات الهندسية مقارنة بالتقنيات البصرية أو غير التلامسية، بالإضافة إلى احتمالية تأثر العنصر الموثق سلبا جراء لمس سطوحه من قبل مجس أجهزة التقنيات التلامسية، وهذا ما يجعل التقنيات غير التلامسية هي الأساليب الأمثل لتوثيق التراث العمراني في اغلب الحالات الدراسية.

وقد تستنزف هذه التقنية عادة وقتا طويلا أثناء عملية التوثيق وتتطلب مهارة وخبرة مستخدم عالية لتحريك مجس الذراع من نقطة إلى أخرى، ولهذا السبب فهي مناسبة للعناصر ذات الأشكال الهندسية الصريحة أكثر منها ذات الأشكال الحرة والملتوية.

 

آلية عمل جهاز قياس الإحداثيات

يتحرك مجس جهاز قياس الإحداثيات المركب على جسر متحرك حول المحاور المتعامدة الثلاثة وحسب نظم الإحداثيات. يتم تحديد قياس كل محور بنظام تناسبات خاص به ويقوم الجهاز بقراءة بيانات الإدخال عن طريق المجس الموجه من قبل المستخدم المشغل أو مبرمج الحاسوب المرفق، ليقوم الجهاز تاليا باستخدام إحداثيات كل من هذه النقاط لتحديد الحجم والموضع وبدقة تصل إلى المايكرومتر. ويمكن تكرار العملية على النماذج المشابهة عند الحاجة حاسوبيا بإدخال خطة العمل ضمن برمجيات الجهاز ليقوم بتكفل العمل بأكمله، وهو ما يعد أحد أنواع استخدام الإنسان الآلي أو الروبوت والذكاء الصناعي في قطاع الإنتاج.

أجهزة قياس الإحداثيات كبيرة الحجم

 

ويتكون جهاز قياس الإحداثيات من الأجزاء التالية:

  • الهيكل العام والذي يوفر القدرة على حركة المجس بالمحاور الثلاثة، وتختلف مادة صنع الهيكل وعادة ما تكون من الألمنيوم ومشتقاته وقد يستخدم السيراميك في بعض الأجزاء لزيادة سلاسة الحركة حول محور الارتفاع في بعض التطبيقات.
  • نظام التحسس وآلية المجس.
  • نظام تجميع واستخلاص البيانات.

 

في حين تستخدم أجهزة قياس الإحداثيات الثابتة مجسات تعتمد على المحاور الديكارتية في قياس خصائص وصفات شكل العنصر، تستخدم الأجهزة القابلة للحمل والنقل الأذرع مرنة الحركة والتي تتيح قياس العنصر بحرية أكبر. وتتمكن أجهزة القياس ذات الأذرع المتمفصلة من الحركة في ستة مستويات ومجهزة بمحول دوران عوضا عن المحاور الخطية وغالبا ما تكون خفيفة الوزن ويمكن حملها من قبل المستخدم، كما أنها اقل كلفة وأسهل تطبيقا من مثيلاتها الثابتة. إلا أن استخدامها يتطلب المشغل المتخصص دائما وان مستوى دقة قياساتها اقل من النوع الثابت وكذلك لا تصلح للعمل بشكل مناسب في بعض التطبيقات كالنوع الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى